أين الرقابة على الأبحاث العلمية!

ثبت بالدليل القاطع تورط المخابرات البريطانية فى مقتل الشاب الإيطالى ريجينى، كما ثبت أنه كان يعد أطروحة علمية تحت إشراف سيدة مصرية تُدعى مها عبدالرحمن عزام فى جامعة كامبرديج وبتكليف من المخابرات البريطانية، كان ريجينى يعد أطروحة بعنوان: «الوعى السياسى لدى الباعة الجائلين»، كما ثبت أن المدعوة تعمل لحساب جامعة بريطانية وكانت على صلة بقيادات جماعة الإخوان، وقد فعل هؤلاء فعلتهم وقرروا التخلص من الشاب الإيطالى ريجينى، وكان على مصر أن تدفع الثمن غالياً، وقد أصرت مصر على أن ترفض هذا الاتهام وتعاونت مع رجال القضاء الإيطالى فى كشف ملابسات الحادث، الذى تبين أنه قد تورط فيه مصريون يعيشون فى لندن من جماعة الإخوان تحت إشراف السيدة مها عبدالرحمن عزام بخطط مدروسة من المخابرات البريطانية، ولا شك أن هذه الجريمة التى تستهدف -فى وقت صعب- قطع العلاقات بين إيطاليا ومصر ومحاربة السياحة، بزعم أن مصر خالية من الأمن والأمان، ومعروف أن السوق السياحية الأولى فى أوروبا لمصر كانت السوق الإيطالية، أما الكاسب الوحيد من وراء ذلك فهو إسرائيل التى تعلن أنها الطريق الوحيد لأهرامات الجيزة (هذا ما تقوله الإعلانات السياحية الإسرائيلية).

وسؤالنا الآن: لماذا تقدم مصر التسهيلات لكل باحث بغض النظر عن موضوع بحثه؟ أقول ذلك وأؤكد من خلال تجربة معاشة أن دول الغرب لا تسمح بأن يدرس أى باحث قضايا علمية أو اجتماعية إلا بعد موافقة إحدى الجامعات على ذلك، أقول هذا وأتذكر أن جامعة نانتير فى فرنسا (باريس العاشرة) قد ذهبتُ إليها فى ثمانينات القرن الماضى لمعرفة هل تقر دراستى عن عباس العقاد كمصلح اجتماعى.. وبعد عشرة أيام وافقت جامعة نانتير، وقالت إنها بحثت فى جامعات أوروبا فلم تجد سوى فصل واحد فى رسالة فى إسبانيا عن النبوة عند عباس العقاد، وقالت إنها ليس لديها ما يمنع من دراسة الفكر الإصلاحى عند عباس العقاد، كان ذلك قبل نحو أربعين عاماً، أما جامعاتنا فلا علم لها بما يدرسه الشاب ريجينى، وكأن المجتمع المصرى حلال ذلال للباحثين الأجانب يدرسون فيه ما يشاءون.

أذكر مرة أن أحد المستشرقين الفرنسيين كان مراسلاً لجريدة لوموند فى القاهرة وكلف نفراً من الأزهريين بترجمة نصوص بعنوان «السلفية والجهادية والإخوان - دور حسن البنا فى مصر وطارق رمضان فى جنيف»، وكنا نتندر من ذلك، لأن الحديث عن الإخوان فى هذا الوقت المبكر كان ضرباً من الخيال، ولم نكن نعرف أن الإخوان مقبلون وهذا النوع من الدراسات يمهد إليهم.. والغريب أن الجامعات المصرية «ودن من طين وأخرى من عجين»، أقول ذلك وفى ذهنى الآن عشرات الدراسات والأبحاث التى صُنعت حول مساكن المصريين فى مقابر الإمام والسيدة عائشة! وإذا تساءلنا عن الجامعات المصرية فلا حس ولا خبر!

معنى ذلك أن الدوائر العلمية هى أداة أخرى للصراع مع الغرب دون أن ندرى! فمنذ عدة سنوات جاءنا فى مركز الإهرام شاب يُدعى جرجس من أصول لبنانية لكن يحمل الجنسية الأمريكية، وحدثنا عن أنه يُعد أطروحة علمية بعنوان: «فكرة القومية من عبدالناصر حتى حسن نصر الله»، ورحب بعضنا به وأعطاه كتباً ومعلومات لم يكن يحلم بها ونسينا أننا نعطى الغرب الكرباج الذى يضربنا به يوماً وهو ما حدث بالفعل.

سؤالى الآن: أين الجامعات المصرية ومراكز الأبحاث من هذه السرقات التى نسمح بها مجاناً ونعطيها لكل من يطلبها مع أنها الشرك الذى ننصبه لأنفسنا وشعوبنا.

إن دوائر الغرب العلمية لا تقل أهمية فى صراعنا معاً عن دوائر الحروب بما فيها من دبابات وطائرات، والصراع مع بريطانيا قديم ولا تزال عقدة الاستعمار الغاشم تحكم علاقة مصر بها، فاستقبال كاميرون رئيس الوزراء البريطانى السابق للرئيس السيسى وبرود العلاقات إثر حادث الشاب ريجينى واحتفاء تريزا ماى رئيسة الوزراء الحالية بوعد بلفور وتجنى وسائل إعلامها المقروء والمسموع والمرئى على كل أحداث مصر لا تغيب عن الأذهان، إن مجتمعنا المصرى قد باعه بعض المتورطين فى أعمال مخابراتية مثل الأستاذة مها عبدالرحمن عزام، فماذا فعلت جامعاتنا؟

هناك كارثة تحدث فى مصر باسم العلم والأبحاث والأكاديميات، فمجتمعنا المصرى مشاع لكل من هب ودب ينهل منه كيفما يشاء، فهم يقيسون وعى الشعب الذى قام بثورتين عظيمتين فى أقل من عام (ثورة 25يناير وثورة 30 يونيو).

إن هذه الظاهرة هزت الدوائر العسكرية الغربية فأوعزت إلى الدوائر العلمية أن تعلن عن دراستها من خلال أساتذة مصريين، المهم أن يتغلغلوا وسط المجتمع المصرى ليؤلبوه على حكامه وينزعوا سلامه الاجتماعى المشهود له منذ آلاف السنين.

باختصار: إن مصر كشفت تورط المخابرات البريطانية فى مقتل الشاب الإيطالى ريجينى، ولكن ذلك لم يكن يتم إلا بمساعدة أستاذة مصرية إخوانية هى مها عبدالرحمن عزام التى نرجو أن تضعها الدوائر العلمية المصرية تحت الميكروسكوب حتى لا تتكرر نفس المأساة، فالثابت عملاً أن جميع فئات الشعب المصرى مادة للبحث والتحليل لدى المخابرات الغربية.