يوم فى دار الإفتاء المصرية

- تعد دار الإفتاء من أعرق المؤسسات الدينية المصرية، حيث جاوز عمرها 120 عاماً، وتعد أكثرها دقة وتنظيماً وقد تناوب على منصب الإفتاء فيها 19 من أعظم فقهاء العالم وكانت لهم بصمة على الفقه الإسلامى.

- وتتميز مدرسة الفقه المصرى العريقة بالوسطية والجمع بين النقل والعقل والواجب والواقع والثابت والمتغير جمعاً صحيحاً، وبالانفتاح على كل المدارس الفقهية وأخذ ما يناسب واقع المجتمع وحال المستفتين.

- وقد دعيت مرتين ضمن كوكبة متميزة من الباحثين والمتخصصين فى ورشة عصف ذهنى لساعتين فى موضوع «تشريح العقل المتطرف» فكنا ثمانية، أستاذين جامعيين فى الطب النفسى هما د/محمد المهدى، د/إبراهيم مجدى ود/إيمان رجب الباحثة بمركز الأهرام للدراسات، وثلاثة صحفيين وباحثين فى الشأن الإسلامى، هم د/كمال حبيب، أ/محمد خيال، أ/ماهر فرغلى، مع فقيه متخصص من دار الإفتاء هو د/عمرو وردانى الذى يرتفع نجمه العلمى بسرعة.

- وأدار الجلسة باحث سياسى شاب هو أ/حسن محمد فأدارها بدقة، فى وجود د/بسام الباحث والمترجم بالدار، أما الجلسة الثانية التى سأتكلم عنها فى مرة ثانية فأدارها د/عبدالقادر، وكلهم من خريجى الاقتصاد والعلوم السياسية.

- قبل الجلسة استقبلنا فضيلة المفتى ورحب بنا وكان يغمره التفاؤل بمستقبل أفضل لمصر وزوال التطرف والإرهاب وعودة الوسطية.

- اقترحت على فضيلته أن يتوج عهده بإنجاز تاريخى باستنساخ منظومة دار الإفتاء فى أربع محافظات مصرية يمكن أن تصوب مسيرة الفتوى فى مصر وتنهى فوضى الفتاوى وترسخ لمدرسة الإفتاء الوسطية فى محافظات الإسماعيلية «تغطى القناة وسيناء» والدقهلية «تغطى محافظات الدلتا» وأسيوط «لشمال ووسط الصعيد» وأسوان لـ«جنوب مصر والسودان» وافق الرجل مشكوراً على الاقتراح.

- ثم ذهبنا إلى قاعة العصف الذهنى، أعجبنى أن تستضيف دار الإفتاء هذا التنوع العلمى غير التقليدى، وأسعدنى أن تطلق الحوار بلا سقف، فالتطرف يبدأ من العقل والقلب قبل أن ينتقل إلى الجوارح والمتفجرات.

- أسعدنى أن يدير الجلسة شاب صغير من قسم العلوم السياسية، وأن تستعين الدار بتخصصات أخرى غير الشريعة والفقه، وأن يتركه د/ إبراهيم ود/عمرو ليدير الجلسة دون مجاملة لأحد حتى لو كان مديراً له فى دار الإفتاء.

- أدلى كل واحد من الثمانية بدلوه وكلهم أجمعوا على أننا جميعاً نستنشق غبار التطرف فى كل لحظة من حياتنا، وأن البطالة والفقر وارتفاع الأسعار وغياب الهدف أكبر حوافز للتطرف.

- تحدث البعض: «نريد منصة لمناقشة كل فكرة متطرفة، مجرد طرحها يكسر تقديسها، وأن نهتم بضحايا التطرف من المدنيين، فمنظومة التطرف تتلخص فى الآتى: الإسلام ضد العالم، العالم ضد الإسلام، لا بد من محاربة الآخر أو العالم، وتحدث عن مثلث التطرف فقال «المظلومية والبديل والمخلص».

- ثم تطرق الحديث إلى إشكاليات الخطاب الدينى المعاصرة، وفيها الخلط المعيب بين الأصول والفروع، وبين الثوابت والمتغيرات، الاهتمام بالمظهر دون الجوهر، التوجيه الصراعى أو الاستقطابى أو الاستعلائى أو العنصرى والبعد عن النزعة الإنسانية والتراحمية، الخطاب الترهيبى المنفر أو الترغيبى الطفولى.

- ثم اتجه الحديث لزاوية أخرى تتلخص فى أن: «البلاد التى نجحت فى محاربة الإرهاب والتطرف حولت المتطرف إلى وسطى ثم حاربت به الإرهاب، وبعض الدول الآن تحول الوسطى إلى متطرف ثم إرهابى، وأن خطاب رابعة وفضها من أسباب التطرف، فقد كان الخطاب حربياً استعلائياً تكفيرياً إقصائياً، وكان الفض متعجلاً وبالقوة المفرطة.

- وتحدث آخرون عن أثر السجون فى خلق التطرف فى شباب غير مؤدلج أو متطرف أو زيادته فيهم، أو تحويلهم من متطرفين إلى إرهابيين، مذكراً بقول بعض الدعاة الوسطيين الذين سجنوا فهالهم ما يحدث فى السجون فهتف: «هنا سجن طرة مركز حكومى لتجنيد الدواعش» لأن كل ما فيه يؤدى للدعشنة.

- وخلص الجميع: أن المتطرف يفضح ولا يستر، يكفر ولا يهدى، ينفر ولا يبشر، يضيق ولا يوسع، يستعلى بذاته وهو يظن أنه يعتز بدينه، يظهر القبيح ويستر الجميل، عكس صفة الله، يحول المتغيرات إلى ثوابت، يريد أن يرتفع بنفسه وتنظيمه حتى لو كان على جماجم الناس وآهاتهم، لا يعذر الآخرين ويريد منهم أن يعذروه، ويغلق أمامهم باب التوبة الذى فتحه الله إلى يوم القيامة، لقد كانت صحبة جميلة بحق.