أربيل بغداد.. كتالونيا مدريد

حازم منير

حازم منير

كاتب صحفي

الفارق بين أحداث إسبانيا ونظيرتها فى بغداد هو الفارق فى فهم المجموعة الغربية لمبادئ حقوق الإنسان حين تتعلق الأمور بشئونهم وحين تتعلق بشئوننا أو بشئون العالم الثالث.

فى إعلان كتالونيا للاستقلال وقف الغرب جميعاً وقفة رجل واحد يرفضون القرار ويؤيدون الحكومة المركزية فى مدريد ويدعمون كل مواقفها ويساندون إجراءاتها العقابية دون تحفظ.

فى إعلان أربيل استقلالها وقف الغرب جميعاً يطالبون كل الأطراف بضبط النفس، ودعوة الحكومة المركزية فى بغداد للتحاور مع الحكومة الكردية، صحيح أن الغرب رفض إعلان أربيل الاستقلال لكنه لم يعلن تأييده لكل ما تتخذه بغداد من إجراءات لإجهاض الإعلان، الفارق فى ردود الفعل يساوى معانى محددة للازدواجية وثنائية المواقف فى ضوء المصالح وليس على قاعدة من المبادئ، فالمبدأ واحد وهو حق الشعوب فى تقرير المصير إنما المصلحة مختلفة لأنها فى حال كتالونيا تمثل خطراً على العالم الغربى المتعدد الإثنيات والانتماءات, أن ترفض إجراء وتؤيد كل التوجهات والقرارات ضده معناه أنك لا تعطى الحق للطرف الأول حتى فى التفكير، بل وتسحب منه الحق فى المطالبة، وتحجب عنه واحداً من الحقوق الأساسية، خصوصاً إذا كانت من الحقوق المقررة دولياً وإنسانياً، وأنت بذلك تعادى واحداً من المبادئ التى تنتقد الآخرين لعدم احترامها والالتزام بها، أما أن ترفض إجراء بينما تطالب الأطراف بالحوار عليه فأنت بذلك تعلن تأييدك لما تم لكن تختلف مع بعض تفاصيله وتقر بحقوق أحد الأطراف وتؤيد حقه فى التمسك به، لكنك تختلف فى بعض التفاصيل، وبذلك فأنت توجه رسالة للطرف الآخر أنك فى توقيت مختلف ستؤيد الإجراء المختلف عليه الآن، هذا هو الفارق فى المواقف الغربية تجاه مشكلتى إسبانيا والعراق، وهذا هو جوهر ثنائية المواقف وازدواجية المعايير، فالمصالح الغربية والأمم الأوروبية يتهددها الخطر إذا ما استقلت كتالونيا فعلياً، حيث ربما تفتح الباب للمزيد من دعوات الاستقلال، لذلك فلا بد من إجراءات صارمة حتى لو كانت على حساب حقوق الأقليات والالتزامات بمبادئ حقوق الإنسان، لكن فى بغداد فإن استقلال كردستان الذى سيفتح الباب لمزيد من المطالبات بالانفصال فى المنطقة ويهدد الدول الوطنية القائمة بالانهيار، ويحول المنطقة إلى دويلات طوائف وأقليات، فلا بد هنا أن نحترم حقوق الناس وندافع عن مبدأ حق تقرير المصير ونطالب كل الأطراف بالحوار حول المسألة.

الشاهد أن مشكلتى أربيل وكتالونيا تتماثلان فى إطارهما العام، فالمقاطعتان خرجتا عن الدستور الوطنى فى بلديهما وانتهكتا القواعد بالإعلان عن الاستقلال من جانب واحد ولم تحترما القواعد والإطارات القانونية ولا حتى المفاهيم السياسية فى العلاقات بين الأطراف المختلفة، والحاصل أن التعاطى المزدوج مع الأمر من جانب الغرب كشف عن تهديد حقيقى لمصداقية فكرة عالمية مبادئ حقوق الإنسان التى يطالبوننا بالالتزام بها، ممارسات الغرب تكشف كذب ادعاءاتهم وتضرب مبادئ حقوق الإنسان فى الصميم.