حقوق الإنسان أم دعم الإرهاب؟!

مصطفى بكرى

مصطفى بكرى

كاتب صحفي

لم يكن الرئيس عبدالفتاح السيسى يغالى عندما راح يرد بقوة على أحد الصحفيين الأجانب، الذى وجه إليه سؤالاً عن حالة حقوق الإنسان فى مصر خلال المؤتمر الصحفى المشترك مع الرئيس الفرنسى ماكرون!!

لقد كان الرئيس مقنعاً ومثيراً للإعجاب فى رده على هذا السؤال، عندما راح يلقى بالكرة فى ملعب الجميع متسائلاً: «وماذا عن حقوق الشهداء وأسرهم فى مصر؟ وماذا عن حقوق ثلاثة ملايين إنسان يعملون فى السياحة؟ ولماذا تقصرون مفهوم حقوق الإنسان على المسائل السياسية ولا تسألون عن حق الإنسان فى التعليم الجيد والسكن الجيد والعلاج الجيد؟».

لقد أراد الرئيس السيسى أن يبعث برسالة من قصر الإليزيه إلى كل هؤلاء الذين يعلنون الحرب الإعلامية على مصر بزعم انتهاكها لحقوق الإنسان، وأن يكشف ازدواجيتهم وحقيقة أهدافهم ومراميهم.

لقد أصبح شعار حقوق الإنسان وسيلة للتدخل فى شئون الدول الأخرى، ومحاسبتها، والدعوة إلى حصارها، ومن ثم إسقاط أنظمتها وسيادة الفوضى على أراضيها، وتحت شعار إهدار حقوق الإنسان تم انتهاك سيادة العديد من الدول مثل العراق وليبيا وسوريا وتونس ومصر أيضاً، وذلك بغرض تحقيق أهداف وأجندات سياسية لا علاقة لها بالديمقراطية أو حقوق الإنسان. وقد تعرضت مصر، ولا تزال، لحملات عاتية من العديد من المنظمات المحلية والخارجية التى راحت تتحدث عن حقوق الإنسان فى مصر، ولم يكن هذا الشعار يعنى عند هؤلاء سوى الدفاع عن حقوق الإرهابيين والمثليين والمعادين للدولة الوطنية والساعين إلى إفشالها.

إن الدليل على ذلك أن أياً من هذه المنظمات لم تجرؤ على إدانة أحداث الإرهاب التى تمارس ضد المدنيين أو رجال الشرطة والجيش، والتزموا الصمت لأن ذلك يتعارض مع أهداف الجهات «الممولة» التى لا تزال تعمل على تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد.

لقد أصدرت ثمانٍ من منظمات المجتمع المدنى فى مصر، بيانات تطالب فيها الحكومة بالإفراج عن «المثليين» الذين تم إلقاء القبض عليهم مؤخراً، باعتبار أن الإجراءات الحكومية تمثل انتهاكاً لحقوق «الشواذ»، ولكنهم لم يجرؤوا على إصدار بيان يدينون فيه حوادث الإرهاب التى توقع العشرات من الضحايا.

لقد أطلقت كوندليزا رايس شعار «الفوضى الخلاقة» فى عام 2005، ولم يكن هذا الشعار يهدف إلا إلى إفشال الدولة الوطنية وتفتيتها.

لقد انطلقت كوندليزا رايس من مقولة توصّف الوضع الحالى فى المنطقة بأنه «ليس مستقراً»، ومن ثم فهى ارتأت وفقاً لنظريتها أن الفوضى التى تفرزها عملية التحول الديمقراطى فى البداية هى من نوع الفوضى الخلاقة، التى ربما تنتج فى النهاية وضعاً أفضل مما تعيشه المنطقة حالياً.

ولقد أثبتت الأحداث التى تلت طرح هذه النظرية أن الهدف لم يكن السعى إلى تغيير النظم السياسية فقط، وإنما إعادة صياغة المنطقة وجغرافيتها السياسية انطلاقاً من رؤية خاصة تقود إلى «تصميم جديد لبناء مختلف»!!

وفى هذا الإطار يتم استخدام «القوى الناعمة» التى تطلق شعاراتها عن «الحرية وحقوق الإنسان» دون مراعاة لما تتعرض له الدولة الوطنية من مخاطر وعنف وفوضى وإرهاب منظم.

وبالرغم من أن العديد من الدول الأوروبية اتخذت إجراءات صارمة وصلت إلى حد إسقاط الجنسية عن العناصر المشتبه فى تورطها أو تحريضها على أعمال الإرهاب فإن أحداً لم يستطع أن يلوم هذه الدول، باعتبار أن الدفاع عن الأمن القومى يفوق أى إجراءات قد تمس حريات الأفراد المتورطين أو المتعاطفين.

وإذا كان الإعلام الغربى أو المنظمات التابعة تتعامل بازدواجية مفضوحة فى هذا الملف، فإن وسائل إعلام ومنظمات مجتمع مدنى داخل بلداننا تتبنى هذه الرؤية أيضاً، وهؤلاء هم الذين أطلق عليهم الرئيس عبدالفتاح السيسى فى خطاب سابق اسم «أعداء الداخل» باعتبار أنهم يسعون إلى تنفيذ مخطط إفشال الدولة الوطنية، شأنهم شأن من يتبنون سياسة العنف والإرهاب.

إن حروب «الجيل الرابع» التى تُعد من أخطر الحروب وأكثرها تطوراً، تستهدف بالأساس فكرة هدم وتفتيت الدولة من الداخل، وهذا بالقطع لن يتم إلا من خلال دعم «الطابور الخامس» الذى يسعى إلى خلق الأزمات وزعزعة الاستقرار الداخلى والعمل على تفكيك مؤسسات الدولة المختلفة من خلال توزيع الأدوار وفق خطط ممنهجة لتحقيق أهداف محددة. وقد شهدت المنطقة، خلال الآونة الأخيرة، تطوراً كبيراً فى أساليب الطابور الخامس لتفتيت المجتمعات وإثارة الفوضى والحيلولة دون أن تمارس الدولة سلطتها وسيادتها فى حماية أراضيها، وهؤلاء اكتسبوا حصانة من المجتمع الدولى باعتبارهم «نشطاء يدافعون عن الحريات وحقوق الإنسان» ولم يكونوا فى حقيقة الأمر سوى «جواسيس بالملابس الرسمية»!!

وعندما سعت الدولة المصرية إلى وضع قانون ينظم عمل منظمات المجتمع المدنى البالغ عددها أكثر من 40 ألف منظمة، ثارت بعض هذه المنظمات، وتحديداً «الممولة» منها والمعنية بملف الديمقراطية وحقوق الإنسان، واعتبرت أن هذا القانون الذى يضع قيوداً على عملية التمويل هو قانون معاد للحريات ومقيد لعمل منظمات المجتمع المدنى، وراحت هذه المنظمات تشن أوسع حملة فى العالم بقصد تشويه القانون، واعتباره يمثل ردة إلى الخلف، فى حين أن كثيراً من دول أوروبا وأمريكا، ودول الشرق، تمنع التمويل الأجنبى لصالح أهداف سياسية أو حقوقية، حفاظاً على أمنها القومى.

من هنا تأتى أهمية الموقف المصرى الذى عبّر عنه الرئيس عبدالفتاح السيسى أكثر من مرة، رافضاً إعادة الكرة مرة أخرى، والسماح بالتدخل فى الشئون الداخلية المصرية بزعم انتهاك حقوق الإنسان.

إن هذا الموقف لا يؤكد فقط ثوابت السياسة المصرية الجديدة فى عهد حكم الرئيس السيسى، وإنما يعطى إشارة واضحة للجميع، أن هناك خطاً أحمر يتوجب عدم اختراقه، وهو خط الدفاع عن الأمن القومى المصرى!!