فى سجن جمصة

حازم منير

حازم منير

كاتب صحفي

فى مصر أشياء كثيرة مثيرة للعجب من أبرزها عدم قدرتنا على عرض بضاعتنا للمشاهدين وإقناع الآخر بما لدينا وإعلام الناس بتطورات إيجابية مهمة فى حياتنا وكيف تحققت وتأثيرها فى حياتنا وانعكاساتها على ثقتنا فى الالتزام بتوفير الحقوق للناس.

من ضمن هذه الحالة ما شاهدته الخميس الماضى فى زيارة إلى سجن وليمان جمصة بمناسبة افتتاح مستشفى جديد لرعاية المرضى المساجين والبالغ عددهم قرابة ثمانية آلاف مسجون، ويضم 230 سريراً وأقساماً لكل أشكال الرعاية الطبية، ومقام على مساحة كبيرة من الأرض، كما اشتملت الجولة على متابعة أوضاع المساجين بشكل عام.

وقبل الحديث عن الأحوال على الأرض سيكون من السهل على أى قارئ الحديث عن ترتيبات خاصة أو زيارات مرتبة سلفاً معروفة نتائجها، وهى كلها تقديرات من البعض بسبب الصورة الذهنية المستقرة حول أوضاع السجون فى مصر وسوء أحوال المساجين.

ولكن الحقيقة للأسف مختلفة، فالمستشفى مجهز بأحدث المعدات والأجهزة الطبية ويعمل بكفاءة ويلبى احتياجات المرضى من المساجين، وقائم عليه أطباء شبان مهرة واستشاريون من خارج وزارة الداخلية يتم التعاقد معهم، بل إن بعض هذه الأجهزة وحسب محدثينا من المرافقين غير متوافرة لدى وزارة الصحة.

ما شهدناه واستمعنا له من كل الأطراف يشير إلى اهتمامات خاصة بأوضاع السجون وتطوير أحوالها بما يتواءم مع التطورات المحيطة ويلبى الاحتياجات لأوضاع استثنائية يعيشها بشر يستحقون الرعاية مهما كانت جرائمهم بحق المجتمع، وهى حقوق ينظمها القانون أيضاً وليست منحة لهم.

على باب كل سجن كانت لافتة تقول «السجن تأديب وإصلاح» لكن ما شهدناه يقول «السجن تأهيل وإدماج»، هو استغلال الحالة فى تأهيل البشر على مهن وحرف وفقاً لعمليات تدريبية علمية متطورة يتلقاها من يرغب استعداداً لإعادة إدماجه فى المجتمع بعد انتهاء فترة الاستثناء فى حياته، فلا يعود مجرماً إنما يصبح مواطناً يحمل شهادة رسمية بكفاءته ومهنته.

ما رأيناه ليس مجتمعاً خيالياً أو وهمياً إنما واقع يحاول التطور للخروج من حالة تاريخية مؤلمة إلى واقع جديد، وهى محاولات ما زالت تحمل فى داخلها عوامل سلبية كثيرة تحتاج إلى مواجهة وحلول حقيقية، لكن استمرار هذه السلبيات لا يعنى أبداً وبأى حال تجاهل الإيجابيات المهمة التى تتم. بالقطع هناك ترتيبات سبقت زيارة الوفد لتجهيز المكان من بعض جوانبه وهو أمر طبيعى لكن المهم أنها ترتيبات لا تستطيع خداعك عن التأكد من صدقية ما حدث وواقعيته، ولا يمكن أن تفرض عليك صورة هى غير متوافرة أساساً، فالبناء قائم والأجهزة متوافرة وتعمل ويستفيد منها المساجين وفقاً لنظام ثابت وقواعد مستقرة والأطباء متوافرون وفقاً لجداول ومواعيد محددة، لكن وكما قال مسئول بالسجون لم يعد شباب الأطباء يقبلون على العمل بالمصلحة لضعف الرواتب، وهو أمر فى تقديرى يحتاج لمراجعة لزيادة عدد الأطباء وجذب المجتهدين منهم.

ما شاهدناه رد مهم على أحاديث تكررت كثيراً فى الآونة الأخيرة عن أوضاع السجون المصرية، وسوء المعاملة التى يلقاها المساجين، والإهمال الطبى وخلافه، والحقيقة هذه ثالث حالة خلال عامين أشاهدها فيما يتعلق بالرعاية الطبية التى تؤكد استمرار حالة التحسن فى هذا الجانب من حقوق المساجين.

مهما فعلنا سيظل السجن سجناً «ولو على سطح بيتك»، لكن يبقى السؤال التقليدى: «طب إحنا شاهدنا هذا الإنجاز على الأرض مَن غيرنا يعلم بذلك؟».