قانون المسئولية الطبية.. إلى أين؟

سامح فخرى

سامح فخرى

كاتب صحفي

قانون المسئولية الطبية هو عقد يُنظم العلاقة بين الكادر الطبى الفنى (أطباء - تمريض - فنيين) من جهة، والمرضى من جهة أخرى، فكل طرف عليه واجباته، وله حقوقه. وقد شرفت بأننى كنت أحد المشاركين فى إعداد القانون رقم 10 لعام 2008 فى شأن المسئولية الطبية بدولة الإمارات العربية المتحدة، وكذلك أحد أعضاء اللجنة العليا للمسئولية الطبية لسنوات كثيرة، وقد تم تعديل القانون مؤخراً عام 2016.

وقد أسعدنى التقدّم بمشروع القانون إلى البرلمان، وإن كنت أود الإشارة هنا إلى بعض النقاط المهمة من واقع خبرتى أثناء عملى فى هذا المجال بدولة الإمارات العربية المتحدة. تم قبل إصدار القانون عمل لجنة تُمثّل جميع الهيئات الصحية بدولة الإمارات، بناءً على ترشيح من جهات عملهم، وهى مستشفيات تابعة لوزارة الصحة والهيئات الصحية المختلفة والقوات المسلحة والشرطة والقطاع الخاص والطب الشرعى، بجانب ممثل من هيئة الأوقاف ومستشار قانونى، واستمرّت المناقشات الموثقة لعدة أشهر حتى تم التوافق على القانون قبل إصداره، وصاحبت ذلك حملة إعلامية لتوضيح أهمية القانون فى تنظيم العلاقة بين مؤدى الخدمة ومتلقيها، بما فى ذلك من فوائد للطرفين، وقد لاحظت عند مناقشتى مع الكثير من الأطباء فى مصر أنهم لا يركزون إلا على «الأخطاء الطبية»، التى هى جزء من «المسئولية الطبية»، ولا يتم مناقشة الفوائد الكثيرة لكل من مقدم الخدمة ومتلقيها، وعلى سبيل المثال استدعاء الأطباء للتحقيق على جهة عملهم فقط وعدم حبس الطبيب أثناء التحقيق معه نتيجة خطأ طبى إلا بأمر من النائب العام، وفى حالات معينة ونادرة لضمان سلامة التحقيق، وكذلك فوائده للمريض من ناحية أخرى وتوضيح الفروق بين المضاعفات الناتجة عن مرض أو تدخّل معين بواسطة متخصّص مصرح له، وبين الإهمال الطبى، الذى يستحق المساءلة.

هناك نقطة جوهرية أخرى وهى ضرورة عمل لائحة تنفيذية للقانون فور إصداره توضح آلية العمل وتشرح مواد القانون وكيفية تطبيقها.

ومن النقاط المهمة تبعية «اللجنة العليا للمسئولية الطبية»، التى أعتقد أنها يجب أن تكون تابعة لمجلس الوزراء، وليس لوزارة الصحة، حيث إن دور وزارة الصحة فى مصر ليس فقط وضع القوانين والأنظمة الصحية ومراقبتها، بل إن الوزارة أيضاً مقدم للخدمة من خلال مستشفيات وهيئات صحية تابعة لها، وليس من المقبول أن تكون وزارة الصحة هى الخصم والحكم، ويجب أن يكون أعضاء اللجنة العليا للمسئولية الطبية (وهى لجنة فنية) ممثلين لكل الجهات الصحية، ومنها وزارة الصحة، والقوات المسلحة، والشرطة، والقطاع الخاص، ونقابة الأطباء، وأن يتمتع أعضاؤها بالاستقلال ويصدر لهم قرار التعيين من مجلس الوزراء، ولا يجوز استمرار أعضاء اللجنة أكثر من فترتين، وكل فترة سنتان فقط، مع تقديم تقرير عن نشاط اللجنة كل 3 أشهر إلى مجلس الوزراء وذلك لضمان الحيادية. وأرى أنه بجانب مشروع قانون المسئولية الطبية يجب أن يكون هناك مشروعات قوانين أخرى لموضوعات متشابكة معقدة مثل الأبحاث الطبية بأنواعها، سواء الأساسية أو السريرية، وآخر خاص بالعقم والإخصاب، وأيضاً زراعة الأعضاء، والاتفاق على تعريف للوفاة، طبعاً من الممكن دمج هذه القوانين جميعاً تحت مسمى قانون المسئولية الطبية، وقد يحمل هذا الدمج كثيراً من المزايا وبعض العيوب.

يجب أن يشمل القانون واللائحة التنفيذية كثيراً من النقاط الشائكة، التى تحتاج إلى آلية واضحة، مثل الإبلاغ عن الأمراض المعدية، ودور القطاع الخاص والهيئات الخاصة، مثل مستشفيات القوات المسلحة والشرطة، وباقى الهيئات فى علاج الحالات الطارئة مجاناً، وتنظيم طرق الإخصاب، خصوصاً تجميد الأجنة، والاستنساخ، وتحويل المرضى بين الجهات الصحية، ووضع آلية موحّدة على مستوى الجمهورية للطوارئ، وإنشاء جناح جوى للإسعاف، والتأمين ضد الأخطاء المهنية الطبية، والتعويضات الطبية، وعمل مكاتب للوساطة والتعويض Meditation، قبل اللجوء إلى القضاء، مثل ما هو مطبّق فى إنجلترا وبعض البلاد الأخرى، وضوابط واضحة لعمليات تصحيح الجنس، ومنع عمليات تغيير الجنس، ووضع ضوابط للمحظورات على الطبيب، مثل علاجه للمريض دون رضاه، أو الامتناع عن علاجه أو استعمال وسائل غير مرخّص بها، أو إفشاء أسراره أو عدم الحصول على موافقته المستنيرة، أو إنهاء حياة المريض، أو رفع أجهزة الإنعاش.

وكذلك تجريم التعدى على الأطباء وإلحاق الضرر بالأجهزة والمنشآت الطبية، أياً كان السبب.

افتحوا باب المناقشة، واسمعوا جميع الأطراف بعقل وقلب مفتوح لا يهدف إلى النقد، لكن إلى الإضافة والإجادة، ليخرج لنا قانون عادل ينظم العلاقة بين أطرافه ويحفظ للجميع حقوقهم.