صاحب شفرة أكتوبر لـ"الوطن": كتمت السر 44 سنة.. وهذا ما قاله السيسي لي

كتب: محمد علي حسن

صاحب شفرة أكتوبر لـ"الوطن": كتمت السر 44 سنة.. وهذا ما قاله السيسي لي

صاحب شفرة أكتوبر لـ"الوطن": كتمت السر 44 سنة.. وهذا ما قاله السيسي لي

ظل 44 عاما كاتما لسر الشفرة النوبية المستخدمة في حرب أكتوبر، لتمر الاحتفالات كل عام دون تكريمه ولو حتى بذكر اسمه، ذلك الرجل الذي لم يتاجر بفكرته التي كانت أحد أسباب الانتصار على العدو الإسرائيلي في حرب العزة والكرامة، إن لم يكن السبب الأهم على الإطلاق.

المساعد أحمد إدريس، الذي منحه الرئيس عبدالفتاح السيسي، النجمة العسكرية لما قدمه من خدمة للوطن، قبل انتهاء الندوة التثقيفية الـ26 للقوات المسلحة بمناسبة الذكرى الـ44 لانتصارات أكتوبر، عاد بالتاريخ إلى 4 عقود ماضية بين مزيج من الانكسار في نكسة 1967 وبريق الأمل خلال حرب الاستنزاف، وفرحة الانتصار عام 1973.

"إدريس" الذي يبلغ من العمر 79 عاما، ابن أرض الذهب، تطوع في الجيش المصري مذ كان عمره 19 سنة لمدة 40 عاما، ليشارك في جميع الحروب التي خاضتها مصر ضد العدو الإسرائيلي بداية من العدوان الثلاثي 1956 ومرورا بنكسة 1967، وحرب الاستنزاف وصولا إلى حرب السادس من أكتوبر 1973.

وروى إدريس لـ"الوطن" تجربته التي تستحق التمعن في حياة رجل نحى مصلحته الشخصية جانبا لتصبح كلمة الوطن هي العليا، حيث كان يخدم في جنوب سيناء بالقرب من نويبع عام 1967، ضمن إحدى كتائب حرس الحدود عقب اجتيازه 23 فرقة تدريب بين الصاعقة والمظلات والمدرعات والمدفعية والإشارة.

أثرت النكسة على المصريين، لكن الشاويش إدريس لم ييأس وقرر مثل بقية أبناء جيله، الذي تجرع مرار الهزيمة أن يثأر للشهداء والشعب المصري من أسوان إلى الإسكندرية، ولأن الفرصة لا تأتي سوى مرة واحدة، تمسك بها لكنها ليست كأي فرصة، حيث طرقت الفكرة أبواب عقله حينما كان ملحقا على اللواء 15 مدرع عقب 1967 تحت قيادة اللواء عدلي مصطفى سوكة واللواء تحسين شنن الذي كان برتبة مقدم حينها وأصبح محافظا للسويس في وقت لاحق.

الرئيس السادات انزعج للغاية، بسبب تمكن العدو في الكثير من الأحيان من فك شفرة العمليات للجيش، ليدعو القادة لمؤتمر حضره جميع الكتائب والألوية يهدف لإيجاد حل لهذه الإشكالية الكبيرة، ليصدر السادات أمرا بتقديم تصورات للحلول من قبل الوحدات المشاركة، وعندما شرع قائد اللواء وقائد الكتيبة وضابط أحدهما برتبة نقيب بالخروج، ظهرت عليهم علامات الحيرة وحينما علم إدريس بالأمر نظر إليهم وأصدر ضحكات عالية.

صمت إدريس وصُدم الضباط من ردة فعله، فسأله قائده عن سبب ضحكاته غير المبررة في هذا الموقف الصعب ليرد الشاويش بـ"حاجة سهلة يا فندم"، ليزداد التعجب مرة أخرى، ليسأله الضباط السؤال ذاته :"إزاي حاجة سهلة يا أحمد؟"، ليكون رده :"نرطن بالنوبي لغة تتقال وملهاش حروف نكتبها بالعربي"، لينتفضوا من أماكنهم ويذهبون إلى قائد الجيش ويبلغوه بأنهم وجدوا الحل، الذي بدوره اتصل بالسادات المتسائل: "مين اللي سمع الكلام بتاع الشاويش غيركم أنتم الـ5؟.. مفيش.. لو الموضوع  دة اتسرب هحاكمكم أنتم وهو"،.

ليخرج قائد اللواء من مكتب قائد الجيش ويأمر بوضع يديه في الكلبشات، لتمر أصعب ليلة على الشاويش الذي ساورته شكوكا كثيرة واسترجع جميع سنوات خدمته في القوات المسلحة في محاولة منه للتوصل لسبب محاكمته التي توقع أنها باتت وشيكة.

من أبو صوير في الإسماعيلية لقصر الاتحادية بالقاهرة، طريق طويل وإدريس مكبلا بالكلبشات، يتحفظ عليه ضابط برتبة نقيب بحوزته ظرف مأمورية بختم "سري للغاية"، ليتغير المسار من الاتحادية إلى منزل الرئيس السادات في الجيزة، حيث انتظر ساعة ونصف عقب انتهاء اجتماعه بقادة الأسلحة، ليرمقه بنظرة أعقبها سؤال :"أنت مين؟"، ليروي له إدريس القصة الكاملة لفكرته، ويدخل السادات في نوبة ضحك هستيري ويُشعل "البايب" وكلما نفث من الدخان يدخل في نوبة أخرى.

ازدادت نبضات قلب إدريس والعرق غطى وجهه، ويسأل السادات عن سبب نوبة الضحك، ليعقد الرئيس حاجبيه ويرد: "ماشي كلامك بس دي حاجة جوة نفسي يا أخي"، ويصمت لبرهة ويستكمل حديثه "هذا سر يا إدريس ولا تحكي أي كلمة ضمن الحديث الذي دار بيننا خاصة زوجتك، حتى قائد اللواء لا تقل له أي تفصيلة".

ينتهي لقاء الشاويش برئيس الجمهورية، ليحصل على إجازة قصيرة يعود بعدها ليجد 344 فردًا من أصول نوبية، يتدربون على الشفرات الجديدة، وينضم إليهم دون أن يعلم أيا منهم أن إدريس هو صاحب الفكرة، وتبدأ العمليات خلف خطوط العدو وتنجح الشفرة بعد تجربتها في عمليات مصيرية، ليتم توزيعهم على قيادات الجيش والأفرع المختلفة.

يخرج إدريس من الخدمة في القوات المسلحة عام 1994، دون تكريم ويتعاقب عليه الرؤساء دون توجيه الشكر إليه، وفي 2017 خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة بمناسبة انتصارات أكتوبر يتجاذب أطراف الحديث مع الرئيس السيسي ويقول له :"هقولك كلمة واحدة بس أنا بقالي 44 سنة كاتم السر"، ليرد عليه بابتسامة :"أنا هكرِمك"، ليفاجأ بعد دقائق أن مذيع الندوة يعلن منحه وسام "النجمة العسكرية"، لتنهمر دموعه من الفرحة مذكرة إياة بدموع أخرى مماثلة منذ 44 عاما.


مواضيع متعلقة