دوبلير شويكار

طارق سعد

طارق سعد

كاتب صحفي

قبل البداية.....

سنخوض معا اختبارا بسيطا "اختبار القدرة والثبات" وهو المرحلة الأولى معنا.. احضر صورة لـ "شويكار".. ضعها أمامك.. حاول أن تبعد عينيك عنها.. ما زالت عيناك متشبثة بالصورة؟! لحظة.. قد يشطح بك الخيال المريض أننا سنتغزل فى "شويكار".. إذن فلنُعد المحاولة.. احضر أى عمل فنى لـ "شويكار" -( فيلم، مسرحية، مسلسل تليفزيونى)- وليس شرطا فى مرحلة عمرية معينة، وقم بتشغيل مقطع..

هل استطعت أن تمنع نفسك من استكماله؟ هل فقدت متعة اندماجك؟ وجدت ابتسامة عفوية ارتسمت على وجهك؟.. بإمكانك الآن الانتقال للمرحلة التالية.. إنها "شويكار".. إحدى أهم الحالات الفريدة التى مرت على الفن المصرى، والذى مع التفتيش بين دفاتره ستجد أن هناك "فلتات" فنية لم تتكرر حتى الآن ويصعب تكرارها، على رأسها "السندريلا – سعاد حسنى" و"شويكار" فالأولى رحلت عنا منذ سنوات بلا أى تقدير وبكل إهانة فى نهاية مفجعة، أما "شويكار" فما زالت حية ترزق حتى لحظتنا هذه قابعة فى منزلها تاركة خلفها مشواراً طويلاً من الإبداع الفنى ما زال مشعاً بنفس الوهج.

"شويكار" التى تعتبر فاكهة السينما والمسرح أيضاً وُضعت فى هذا القالب بسبب الـ "كاركتر" الذى قدمته على مدار مشوارها وطريقة أدائها المختلفة عن أداء أي فنانة أخرى، والذى جعلها مميزة تجذب إليها المشاهد بلا عناء وبكل بساطة، إضافة إلى خفة الظل الذى تتمتع بها دون اصطناع، وهو ما صنع منها حالة فنية مختلفة، أضف إلى ذلك اسمها المميز والذى هو فى الأصل فارسى بنطق تركى ومعناه (العالمة والمتفوقة فى عملها).

على مدار السنوات الطويلة السابقة لم تتكرر "شويكار" ولم تظهر لها شبيهة، فهى الفنانة النسخة الواحدة، وتركت المساحة التى كانت تلعب بها خالية، وقد يكون السبب أنها فى الأصل ليست مجرد فنانة ولكنها "حالة"، ومعروف أن الحالة صعب أن تتكرر بسهولة وصعب أيضاً محاولة اختلاقها أو تقليدها، وغالباً ما تصيب من يحاول ذلك بلعنتها.

يبدو أن الفراغ الذى تركته "شويكار" كان مغرياً فبدأت تظهر محاولات للتواجد فى هذه المساحة ربما تملؤها وهى مغامرة غير محسوبة لأن فشلها قد يطيح بصاحبتها من باقى المساحات أيضاً، وكانت أبرز هذه المحاولات من "لقاء الخميسى" والتى بدأت بمحاولة الاقتراب من "السندريلا – سعاد حسنى" منذ تقديمها لبرنامج بإحدى القنوات المتخصصة فى التليفزيون المصرى، وساعدها فى ذلك موهبة الغناء التى لم تستفد منها، ولكن تلك المحاولة لم تستمر وأصابتها لعنة "السندريلا" لتنتقل لمحاولة أخرى مع "شويكار" وأخذت منها وأعطت لـ "رانيا – راجل و6 ستات"، والحقيقة أنها نجحت فى أن تأخذ "سوكسيه" فى المواسم الأولى بعدما أتقنت فى اجتهاد الحالة، ووجودها مع نجم كوميدى بثقل "أشرف عبد الباقى" أضاف لها كثيراً مع مجمل العمل نفسه، إلا أنها وبعد مرور المواسم الأولى بدأت تنسحب منها روح "شويكار" وبدأ بريقها يخفت بعدما أصبح الأداء يدور فى دائرة واحدة.. دائرة "الحالة".. حالة "شويكار"!

ما فعلته "لقاء" فتح الباب وشجع على تكرار المحاولة، والغريب أن تتكرر المحاولة فى نفس العمل وقامت بها "مها أبو عوف" التى لم تستطع السيطرة على "الحالة" وشطحت بها لتنقطع منها الـ "فرامل" والباقى معروف طبعاً!

المحاولة الثالثة كانت من نصيب "ريهام حجاج"، وهى المحاولة التى اقترب بشدة من "حالة شويكار"، وما ساعد فى ذلك أن "ريهام" طبيعتها تقترب من نفس الـ "كاركتر" الذى تقدمه فلم يخرج مصطنعاً أو تقليداً ولكنك تشتم فيه رائحة "شويكار" رغم بُعد الشكل والتكوين، وهو ما ظهر بوضوح منذ ظهورها الأول فى مسلسل "رقم مجهول"، والذى حققت منه الانطلاقة، وهذا الاقٌتراب من "حالة شويكار" دون محاولة تقمصها أو ارتداء "ماسك شويكار" مهد لها الطريق للاستمرارية بأدائها، خاصة أنها تنوع بين أدوارها، ما حقق لها النجاح والشكل الخاص بها.

الحقيقة ورغم كل المحاولات والاجتهادات إلا أنه لم تظهر "شويكار" جديدة أو من تملك مقوماتها، وهذا يشبه ما حدث لمحاولة تقليد "السندريلا" والتى باءت كلها بالفشل وأصبحت عقدة صعبة الحل، حتى أن فنانة مثل "منى زكى" فى عز نجوميتها وبريقها تقدم مسلسلا عن قصة حياة "سعاد حسنى" باسم "السندريلا" يكون مصيره الفشل الذريع، رغم حشد النجوم للظهور بأحداثه من المنتج "طارق نور"!

هنا نتوقف قليلاً ويأخذنا السياق لنسأل عن السبب فى تقديم أعمال فنية عن حياة المشاهير بعد وفاتهم ولماذا لا يتم ذلك فى حياتهم كلما أمكن، وهو ما سيوفر أولاً توثيقاً دقيقاً وحقيقياً للأحداث فى وجود صاحبها وثانياً سيكون اختيار البطل أو البطلة لتجسيد شخصية العمل صائباً بلا مجال للشك، لأنه سيتم باختيار صاحبها وإشرافه أيضاً، وهنا سنضمن عملاً على مستوى عالٍ من الجودة، موثقاً ومؤرخاً لحياة نجمه بشكل يرضيه وبحقائق غير محرفة وأيضاً تكلفة إنتاجية مناسبة بعيداً عن صراعات الورثة التى تُضاعف من الأرقام بشكل مسعور.

تستحق "شويكار" أن تظل حالة خاصة لا تتكرر وتستحق أيضاً عملاُ يروى قصة حياتها تراه بعينيها ببطلة تشبهها فى روحها، لا تبرع فى تقليدها ولا أن تقلدها متعمدة أية ممثلة فى أعمال أخرى، فـ"شويكار" لا تحتاج لـ "دوبلير" فالعرف والمنطق يحكم العين بالتركيز مع البطل ويظل الـ "دوبلير" دائماً مجهولاً، والمؤكد أن "دوبلير شويكار" ستكون خاسرة بكل المقاييس.

 من بين هذه السطور المتواضعة قد تخرج فكرة عمل فنى كبير ومحترم يليق بمشوار فنى لفنانة كبيرة أعتقد أنها لا تملك ما تخجل منه فى خروجه للجمهور لتمانع تنفيذه، وستضمن به توثيق تاريخها بدقة وشكل وتفاصيل تليق بها وترضيها، لأنها ستكون مصدره الأساسى.

من بين النجمات الموجودات لا ترى "شويكار" من تستطيع أن تخلفها أو تجسدها كما ذكرت فى حوار شخصى معها منذ سنوات، واصفة الجميع بالمجتهدات، إلا أنه ومع طفرة المواهب التى ظهرت مؤخراً ومع التدقيق تلمح وجهاً واعداً يستحق التوقف أمامه وتأمله لتلك الخطوة.. فنانة شابة تملك روح معالم "شويكار" فى الشكل والروح ونضع خطوطاً تحت (روح)، فالتفاصيل لن تتكرر ولكن الروح قد تتشابه وهو ما تملكه "كارولين عزمى" بشكل كبير، بجانب خفة ظل طبيعية خاصة بها وغير مستنسخة مع طاقات تمثيلية واعدة ظهرت واضحة مع أول ظهور لها كإحدى بطلات "مسرح النهار"، لتنطلق بعدها وتصبح إحدى البطلات الجدد لمسلسل "الأب الروحى" والذى حقق نجاحاً كبيراً فى جزئه الأول وسيتبعه عدد آخر من الأجزاء لتؤكد "كارولين" أنها تنتظر الفرصة لتفجير مواهبها بعين تلتقطها وتحسن تسكينها فى أدوار تبرز هذه المواهب وتقدمها بشكل محترف.

 فكرة مسلسل "شويكار" الذى سيخرج لأول مرة كسيرة ذاتية بطلته حية ترزق تقوم ببطولته بنفسها فى مرحلتها العمرية الحالية مع اختيار وجه واعد كـ "كارولين عزمى" لتقديم مرحلة الشباب فى تناغم مع وجود "شويكار" نفسها بالمسلسل فى شكل وتكوين جديد للأحداث، بما تملكه من ثراء خاصة فيما يخص علاقتها الشخصية والفنية بـ "فؤاد المهندس" الذى قد يكون مناسب له شخصية كـ "سامح حسين"، مؤكد سيكون عملاً مختلفاً وجديداً ومميزاً والأول من نوعه فى هذه الفئة من المسلسلات، خاصة أن النهاية هنا ليست بنهاية البطل ككل مسلسلات السير الذاتية ولكنها نهاية جديدة وغير تقليدية مع احتفاظ العبدلله بالتفاصيل حفاظاً على الحقوق الأدبية.

 الأمر فقط يحتاج حماسة إنتاجية ورؤية مبدعة فاستثمار وجود "شويكار" لتقديمها سيكون ذكاءاً وتطويراً فى نفس الوقت وسيجهض محاولات تقليدها فالحقيقة أننا نحتاج "شويكار" نفسها وليست "دوبلير شويكار".

يمكنك التواصل مع الكاتب من هنا