تقرير «قومي حقوق الإنسان» من أبريل 2016-يونيو 2017: "إرهاب وإحباط"

كتب: هدى رشوان وسلمان إسماعيل

تقرير «قومي حقوق الإنسان» من أبريل 2016-يونيو 2017: "إرهاب وإحباط"

تقرير «قومي حقوق الإنسان» من أبريل 2016-يونيو 2017: "إرهاب وإحباط"

حصلت "الوطن" على النسخه النهائية من تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان، خلال الفترة (أبريل 2016 – يونيو 2017)، والذي اتخذ مسارين رئيسيين، الأول: تزايد فداحة الجرائم الإرهابية التي اتخذت أبعاداً نوعية خطيرة، والثاني: الإحباطات التي ولدها الأداء العام في مجال حقوق الإنسان.

وقال التقرير: واصل الإرهاب ضرباته التي تزايدت تأثيراتها النفسية والاجتماعية، فضلاً عن تداعياتها الاقتصادية، فرغم تراجع القدرة الكلية للتنظيمات الإرهابية تحت وطأة جهود الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية، إلا أن جماعات الإرهاب تبنت سياسة منهجية تستهدف النيل من النسيج الوطني وتهديد السلم الاجتماعي للبلاد من خلال الاستهداف المتتابع للمواطنين المسيحيين ودور عبادتهم، بخاصة في المناسبات الدينية.

وشكل المسار التشريعي البعد الرئيس في الإحباطات المتعلقة بالتقدم في تلبية حقوق الإنسان، والتي بلغت ذروتها بقانون الجمعيات الأهلية، وبعض التعديلات التشريعية الجزئية، بما في ذلك قانون التظاهر وقانون الإجراءات الجنائية وقانون السلطة القضائية، حيث عكس بعضها توجهات غير إيجابية في هذا الشأن.

وخلال الفترة التي يغطيها التقرير، ضاعفت الدولة من جهودها الهائلة التي تبذلها على صعيد التقدم في إعمال وتلبية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن هذه الجهود قد تضررت على نحو كبير نتيجة التداعيات الاجتماعية لتحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016 وتخفيض دعم المحروقات في منتصف 2017.

 

القسم الأول: التطور التشريعي

يعتبر التطور التشريعي محطة فاصلة في تقييم توجهات الدولة بسلطاتها الثلاث في مجال تعزيز حماية واحترام حقوق الإنسان، سيما وأن البلاد لا تزال في مرحلة تفعيل استحقاقات دستور العام 2014 الذي يوفر ويُثري الضمانات المتعلقة باحترام وإعمال حقوق الإنسان، ومن شأن التشريعات المنفذة للدستور والتعديلات المرتقبة بموجبه أن يتولد عنها تأسيس بيئة جديدة مواتية لحماية واحترام حقوق الإنسان إذا ما أحسنت السلطة البرلمانية والجهات المعنية بالتشريع التجاوب معها بالأمانة التي تستحقها الدساتير كعقد اجتماعي بين الدولة والشعب.

وتتخذ عملية التشريع مع دور الانعقاد الثاني (خريف 2016 – صيف 2017) وتيرة أسرع من سابقتها، ودونما تقليل من التحديات التي تُكبل المسار التشريعي، وخاصة حجم الاستحقاقات الكبير، فقد تزايدت المخاوف حيال اتساق التشريعات الصادرة عن مجلس النواب مع النصوص الدستورية فرادى ومجتمعة.

وقد أكد قرار السيد رئيس الجمهورية في أبريل 2017 بإعادة تشكيل اللجنة العليا للإصلاح التشريعي التي يشرف عليها السيد رئيس مجلس الوزراء من الحاجة الماسة لتكثيف الجهود على المسار التشريعي، والعمل على سد الثغرات التي رافقت مسار إصدار التشريعات، وخاصة ما يتصل منها بجوانب الخبرة والتخصص وتكامل التشريعت مع السياسات.

وفي أبريل 2017 أيضاً، واستجابة للتحديات التي أفرزتها الاعتداءات الإرهابية على الكنائس المسيحية في مدينتي طنطا والإسكندرية، وافق مجلس النواب على قرار السيد رئيس الجمهورية بفرض العمل بحالة الطوارئ لمدة 3 أشهر بموجب الإجراءات التي حددها الدستور، وقبل نهاية يونيو 2017، أصدر رئيس الجمهورية قراراً بتمديد العمل لفترة ثانية لمدة ثلاثة أشهر، وهو القرار الذي استجاب له مجلس النواب في مطلع شهر يوليو.

وبموجب دستور 2014، يجوز لرئيس الجمهورية فرض العمل بحالة الطوارئ في مواجهة التهديدات بعد موافقة مجلس النواب لمدة ثلاثة شهور، وهي فترة قابلة للتجديد لمرة واحدة لا تتجاوز ثلاثة شهور بعد موافقة مجلس النواب، ولا يمكن تمديد العمل بحالة الطوارئ لفترة ثالثة بغير طريق الاستفتاء الشعبي العام.

وقد قُوبل قرار فرض حالة الطوارئ بارتياح شعبي في ضوء تنامي التهديدات الإرهابية والاستهداف الممنهج للمواطنين المسيحيين وما يشكله ذلك من تهديد للسلم الاجتماعي للبلاد.

وبينما احتجت بعض جماعات حقوق الإنسان على فرض العمل بحالة الطوارئ، فقد طالبت جماعات حقوقية أخرى بألا يتم استغلال العمل بحالة الطوارئ في غير تدابير مكافحة الإرهاب، وبرزت الدعوات إلى ضرورة تعديل قانون الطوارئ الصادر في العام 1958 على نحو يستجيب لضمانات الحقوق والحريات بموجب الدستور، وضمان خضوع كافة الإجراءات المتخذة بموجب قانون الطوارئ لرقابة قضائية فعالة.

وحتى إعداد التقرير لم يسجل المجلس إشكاليات تُذكر وقعت بموجب فرض حالة الطوارئ.

وفي أبريل 2017، وفي سياق الاستجابة لتحديات الاعتداءات الإرهابية على الكنائس، فقد أجرى مجلس النواب تعديلات جزئية على قانوني الإجراءات الجنائية والطوارئ، وجاءت التعديلات لمعالجة التباطؤ في الفصل القضايا وتحقيق العدالة الناجزة، ومتضمنة لتعديلات طالت ثلاثة قوانين أخرى ذات صلة مباشرة بالمحاكمة الجنائية، وهي تعديل بعض أحكام قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، وقانون تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية، وقانون مكافحة الإرهاب.

وجاءت التعديلات على قانون الإجراءات الجنائية (قانون 11 لسنة 2017) تنتقص من ضمانات المحاكمة العادلة، التى تقوم بالأساس على حق المواجهة بين الخصوم، ومنها حق طلب شهود النفي ومناقشتهم أمام المحكمة، فالتعديلات الاخيرة جعلت حق المتهمين فى طلب وسماع شهود النفي هو حق أصيل للمحكمة، ولم يعد الاستماع للشهود وجوبياً على المحكمة، ومنح المحكمة الحق في رفض الاستماع للشهود بالنسبة للمتهم، وهو الأمر الذى يحرم المتهمين من إجراءات محاكمة عادلة تتساوى فيها إجراءات المحاكمة الجنائية، حيث في الكثير من القضايا تكون أدلة براءة المتهم استنادا لشهود النفي فى مواجهة شهود الاثبات، الواردة بقائمة أدلة الثبوت المقدمة من ممثل الادعاء كما يمثل التعديل إهدارا لحق أصيل من حقوق الدفاع.

ومثَل تعديل قانون "حال الطوارئ" بالقانون 12 لسنة 2017، عصفاً بالحق فى الحرية والآمان الشخصي، حيث أضاف التعديل الأخير نصا جديدا يعطى مزيداً من السلطات لمأمورى الضبط القضائي، ويتجاوز القواعد العامة فى قانون الاجراءات الجنائية بشأن عدم جواز احتجاز الأشخاص لأكثر من أربعة وعشرين ساعة قبل عرضهم على النيابة العامة، حيث أورد نصا يسمح بأن تكون هذه المدة فى حدود سبعة أيام، كما نص القانون على إضافة مادتين برقمى 3 مكرر (ب) و3 مكرر (ج)، منحت الأولى مأمورى الضبط القضائى "متى أعلنت حالة الطوارىء التحفظ على كل من توافرت في شأنه دلائل على ارتكابه جناية او جنحة وعلى ما قد يحوزه بنفسه أو فى مسكنه وكافة الأماكن التى يشتبه اخفائه فيها أي مواد خطرة أو متفجرة أو أسلحة أو ذخائر أو أي أدلة أخرى على ارتكاب الجريمة، وذلك استثناء من أحكام القوانين الأخرى، على أن يتم اخطار النيابة العامة خلال 24 ساعة من التحفظ. ويجوز بعد استئذان النيابة العامة احتجازه لمدة لا تجاوز سبعة أيام لاستكمال جمع الاستدلالات، على أن يبدأ التحقيق معه خلال هذه المدة.

ومنحت الثانية لمحاكم أمن الدولة الجزئية طوارىء بناء على طلب النيابة العامة جواز احتجاز من "توافر فى شأنه دلائل على خطورته على الأمن العام لمدة شهر قابلة للتجديد".

وفي نهاية أبريل 2017، أصدر مجلس النواب القانون رقم 13 لسنة 2017 والذي تضمن تعديلات جزئية على قانون السلطة القضائية في الجانب المتعلق باختيار رؤساء الهيئات القضائية، على نحو يتيح لرئيس الجمهورية تسمية رؤساء الهيئات القضائية من بين ثلاثة مرشحين يسميهم نواب الرئيس السبعة الأقدم في كل هيئة قضائية، وجاء هذا التعديل ليقوض حق كل هيئة قضائية في تسمية رئيسها، والذي كان مستقرا في التطبيق على اختيار الجمعية العمومية للعضو الأقدم على ترتيب الأعضاء.

وقد أثار هذا التعديل حفيظة بعض الهيئات القضائية التي أحاطت البرلمان برفضها لهذا التعديل قبل إقراره، واعتبرته مساساً باستقلال القضاء وتغولاً للسلطتين التنفيذية والتشريعية على السلطة القضائية، وانعقدت اجتماعات جزئية للجمعيات العمومية لنادي القضاة ونادي قضاة مجلس الدولة واللذين قررا الدعوة لعقد اجتماع الجمعية العمومية للاحتجاج في مواجهة القانون، غير أنهما تراجعا عن إجراءاتهما عقب تصديق رئيس الجمهورية على القانون، على صلة بواجب الهيئات القضائية في احترام وتنفيذ القانون، واللجوء للاعتراض على القانون عبر الوسائل القانونية بطعون متوقعة على دستورية هذا التعديل حال تطبيقه.

وبينما يلقى هذا التعديل رفضاً متنوعاً من قبل بعض الهيئات القضائية وجماعات حقوق الإنسان، فإن قضية كيف يمكن حماية استقلال الهيئات القضائية تبقى موضع جدل وتضارب في الآراء والمقترحات، فمن ناحية كان من الأفضل أن يكون هذا التعديل ضمن تعديلات مرتقبة على قانون الهيئات القضائية بموجب الدستور الجديد، وهو التعديل المرتقب الذي لم تتوارد معلومات حول الشروع في إعداده حتى الآن، رغم وجود مشروعات عدة سابقة.

ومن ناحية ثانية، لا يزال أداء الهيئات القضائية في آلية اختيار وتعيين الأعضاء الجدد في الهيئات القضائية موضع جدل وتحفظ مجتمعي، حيث تبقى أولوية التعيينات تذهب لفائدة أبناء القضاة وكبار موظفي الدولة، فضلاً عن إقبال ضباط الشرطة على الالتحاق بالسلك القضائي، مقترناً باستبعاد المتقدمين من الخلفيات الاجتماعية المتواضعة، وهو ما قاد لأزمات سابقة على صلة بتصريحات كلا من وزير العدل السابق، وسبباً في إقالة وزير العدل الأسبق، وكليهما دافع عن التعيينات القضائية مستنداً على استقلال الهيئات القضائية وحريتها في إدارة شئونها.

وقد شكل مسار إصدار قانون الجمعيات الأهلية الجديد باعثاً على القلق بشأن مدى امتثال السلطات لاحترام حرية المجتمع المدني في ضوء الضمانات المتميزة التي وفرها الدستور، حيث أقر مجلس الوزراء في سبتمبر 2016 مشروع قانون جديد وقدمه إلى مجلس النواب، وهو المشروع الذي تحفظت جماعات حقوق الإنسان على ثلاثة نقاط، بيد أنها ما لبثت أن أعلنت مساندتها لهذا المشروع في ضوء المخاطر التي تضمنها مشروع قانون بديل تقدم به بعض النواب وحظي بدعم أكثر من ستين نائباً وباتالي اكتسب أولوية المناقشة البرلمانية.

ولم يستجب مجلس النواب لشتى النداءات والاحتجاجات التي لفتت إليها الجمعيات الأهلية والخبراء، لا سيما في الجوانب الكلية المتعلقة بتأويل النصوص الدستورية، وتبني فلسفة تقوم على المنع بدلاً عن الإتاحة، ومخالفة النص المقترح لأصول سن التشريعات ومقومات القانون، وأقر المجلس مشروع القانون بصورة مبدئية مع إحالته إلى هيئة مفوضي مجلس الدولة لمراجعته، كما أقره في قراءة ثانية بموجب ملاحظات مجلس الدولة، قبل إقراره بصورة نهائية لدى عرضه في المرة الثالثة.

ويُذكر أن مجلس النواب قد أرسل نص القانون المشار إليه قبل إقراره نهائياً إلى المجلس القومي لحقوق الإنسان لإبداء رأيه في التشريع بموجب الدستور، غير أن الإقرار النهائي للقانون جاء دون تبني أي من الملاحظات التي أبداها المجلس.

وشملت قائمة التحفظات على القانون التي تقدم بها المجلس إلى مجلس النواب تقويض الحق الدستوري في تأسيس الجمعيات الأهلية بالاخطار عبر وضع شروط وتدابير إجرائية تصل إلى حد صلاحية الجهة الإدارية في رفض تأسيس الجمعيات، مع إلقاء عبء التقاضي على كاهل المؤسسين، وجاءت صياغات القانون ذات طبيعة فضفاضة قابلة للتأويل، مع تعقيدات تتجاوز مفهوم المجتمع المدني كفضاء حر للتطوع، من خلال فرض شروط صعبة في تدبير مقر الجمعية بشكل يجعله أكثر كلف، فضلاً عن فرض رسوم باهظة على التأسيس، وشروط على تلقي التمويل والهبات، وعلى القيام بجمع التبرعات، مع تكرار اعتبار عدم رد الجهة الإدارية خلال الآجال المحددة بمثابة الرفض في منطق يخالف أصول سن التشريعات التي تتأسس على الاباحة لا المنع، مع فرض عقوبات سالبة للحريات وغرامات مالية باهظة على المخالفين. إضافة إلى تأسيس جهاز قومي يضم عشرة وزارات وجهات أمنية ورقابية للتعاطي مع شؤون المنظمات الأجنبية العاملة في مصر.

ورغم إقرار مجلس النواب للقانون في نوفمبر 2016، إلا أن الآمال تزايدت بالاتجاه لعدم إصدار القانون بعد عدم تصديق رئيس الجمهورية عليه منذ إصداره، والإشارات المتنوعة التي تجلت في تصريحات رئيس الجمهورية خلال فعاليات المؤتمر الشهري للشباب، وقيام لجان مجلس النواب بعقد جلسات استماع حول القانون خلال الربع الأول من 2017، غير أن القانون صدر بموجب تصديق رئيس الجمهورية عليه في 23 مايو 2017 ونشره في الجريدة الرسمية.

ويثير القانون مخاوف عالية على مستقبل العمل الأهلي في مصر، وتتجاوز هذه الآثار قضايا حرية الجمعيات إلى المخاوف على انسحاب غالبية نشطاء المجتمع المدني في شتى القطاعات، وعلى نحو قد يؤدي لإهدار الدور الرئيس للجمعيات التنموية والخيرية في مجالات التنمية الاجتماعية، والتي يقدرها الخبراء بنحو 30 إلى 35 بالمائة من المسئولية الاجتماعية في البلاد.

وفي مايو 2017، أقر مجلس الوزراء مشروع تعديل قانون الإجراءات الجنائية ليشمل نحو 54 مادة من القانون واستحداث نحو 20 مادة جديدة، وهو المشروع الذي يمثل نقلة نوعية في مجال الضمانات لحقوق المتهمين وتدابير المحاكمة العادلة، بالرغم من أنه لم يتبنى كافة مخرجات المؤتمر العام لتعديل قانون الإجراءات الجنائية الذي نظمته اللجنة العليا للإصلاح التشريعي برئاسة مجلس الوزراء والذي جرى خلال شهري ديسمبر 2015 ويناير 2017 بمشاركة المجلس ومؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان.

ويشكل مشروع القانون تلبية للمطالب برد تدابير الحبس الاحتياطي لأصلها كتدبير احترازي وضمان عدم التوسع في تطبيقه، أخذاً في الاعتبار حق المحبوس احتياطياً في التعويض عن أضرار الاحتجاز في حال البراءة، وكذا التدابير المتعلقة بتفعيل الدستور في توفير درجة إضافية للطعن على الجنايات قبل الانتقال إلى الطعن أمام محكمة النقض، وضمان سرعة الفصل في القضايا.

وحتى الانتهاء من إعداد التقرير الماثل، لم يتم الشروع في مراجعة وتعديل قانون العقوبات في ضوء المتغيرات، بالرغم من تقديم ستة مشاريع للتعديل من قبل النواب، وهي مشروعات تعديل جاءت ذات طبيعة متفرقة في مضمونها. وقد انتهت أعمال ورشة العمل الوطنية لتطوير التشريعات العقابية في ضوء الاستحقاقات الدستورية التي شارك المجلس في تنظيمها خلال شهر مايو 2017 إلى أهمية الدعوة لعقد مؤتمر عام لمراجعة قانون العقوبات على غرار المؤتمر العام لتعديل قانون الإجراءات الجنائية الذي نظمته لجنة الإصلاح التشريعي.

وفي مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أصدر مجلس النواب قانون ضريبة القيمة المضافة في سبتمبر 2016 بعد فترة من الجدل العارم حولها، فضلاً عن استغراقه وقتاً طويلاً في المناقشات النيابية مع ممثلي الحكومة، والتي عبر خلالها غالبية النواب عن رفضهم الواضح لهذا القانون لآثاره الاجتماعية السلبية، لكن تم إصداره بأغلبية كبيرة، والرضوخ لتوجهات الحكومة بفرض ضريبة تبلغ 13 بالمائة في العام الأول وتزيد إلى 14 بالمائة بداية من العام الثاني للتطبيق.

وتحل ضريبة القيمة المضافة محل ضريبة المبيعات السابقة، حيث تتوسع لتشمال الضرائب على كل من السلع والخدمات، بينما كانت ضريبة المبيعات تُفرض على السلع وحدها. بينما تتفق الضريبتان في إلقاء عبء الضريبة كاملة على جمهور المستهلكين.

كذلك وافق مجلس النواب على مشروع القانون الجديد للخدمة المدنية، بعد أن كان قد رفض قانون الخدمة المدنية المؤقت في مطلع أعمال دور الانعقاد البرلماني الأول خلال مراجعة القوانين المؤقتة التي كانت أصدرتها السلطة التنفيذية قبل انعقاد البرلمان، وكان القانون السابق هو القانون المؤقت الوحيد الذي رفضه مجلس النواب من بين 240 قانوناً مؤقتاً.

وجاء القانون الجديد مغايراً بصورة كبيرة للقانون المؤقت السابق، بيد أنه أحال غالبية التفاصيل للائحة التنفيذية على نحو أثار المخاوف تجاه تطبيقه، وهي المخاوف التي تأكد بعضها، حيث أغفلت اللائحة التنفيذية الصادرة في أبريل 2017 تنظيم الحق في الإضراب بالمخالفة للدستور.

في المقابل، لا يزال كلا من قانون الضمان الاجتماعي وقانون التأمين الصحي معطلان، على الرغم من الأهمية التي يمثلانها، والآمال التي رافقت محتوى مشروع الضمان الاجتماعي الذي انتهت الحكومة من إعداده منذ منتصف العام 2015، وكذا مشروع قانون التأمين الصحي الذي انتهت الحكومة من إعداده نهاية العام 2016، وإتاحة كلا المشروعين للتشاور المجتمعي في حوارات متعددة.

وعلى صعيد الآليات المؤسساتية التي تتولد عن دستور 2014، لم يتم التطرق بعد إلى قانون العدالة الانتقالية، وقانون مكافحة التمييز. بينما تم إقرار قانون تأسيس الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات في نهاية دور الانعقاد البرلماني في مطلع يوليو 2017.

وقبل الانتهاء من إعداد التقرير الماثل للطبع، أقر مجلس النواب تعديل قانون المجلس القومي لحقوق الإنسان بعد ثلاث سنوات من الحوارات الشاقة بين المجلس والحكومة، والتي حرص خلالها المجلس على إقناع الوزارات المتعاقبة بأهمية ترسيخ استقلال المجلس بوصفه المؤسسة الوطنية المعنية بحقوق الإنسان في مصر، والفروق التي تضع فواصل بين كونه مؤسسة دولة رسمية وبين علاقته بالسلطات، وصلاحياته فيما يتعلق بدوره الدستوري في تبني القضايا والتدخل في الشكاوى وتفقد مراكز الاحتجاز.

وتضمن القانون الصادر تمديد ولاية المجلس إلى أربعة سنوات بدلاً من ثلاثة سنوات في القانون السابق، مع الإبقاء على التشكيل العددي للمجلس، وتأكيد دور المجلس وصلاحياته بموجب القانون السابق، وكرس من استقلال المجلس فنياً ومالياً وإدارياً، ووضع إطار لتلقي الترشيحات لعضوية المجلس من المجالس القومية المتخصصة والمجلس الأعلى للجامعات والمجلس الأعلى للثقافة والنقابات المهنية وأن يكون بينهم أساتذة قانون دستوري بالجامعات، ويتم اختيارهم من ذوي الخبرة في مجال حقوق الإنسان شريطة ألا يكونوا من أعضاء سلطات الدولة الثلاث، مع التغيير الدوري لثلث الأعضاء عقب التشكيل الأول، وأن تقتصر العضوية بحد أقصى على دورتين لكل عضو، وتسمي اللجنة العامة المرشحين لعضوية المجلس، والتي يقرها مجلس النواب مع اختيار الرئيس ونائب الرئيس.

غير أن القانون لم يستجب لمقترح المجلس القومي لحقوق الإنسان بمنحه الحق في زيارة السجون ومراكز الاحتجاز بموجب الإخطار، كما لم يتضمن المجتمع المدني كجهة لتلقي الترشيحات لعضوية المجلس، وأتاح قيام فصل الأعضاء بموجب قرار من مجلس النواب من دون توضيح الأسباب الموجبة لمثل هذا القرار، مع ربط حق المجلس في تلقي منح أجنبية بموافقة ثلثي الأعضاء في مجلس النواب ما يرقى للقوانين المكملة للدستور، ,أخضع مراجعة ميزانية المجلس للجهاز المركزي للمحاسبات، وهي عناصر تستدعي إعادة النظر فيها باعتبارها قد تخل باستقلال المجلس.

القسم الثاني: الحقوق الأساسية

شكلت ضغوط الجرائم الإرهابية تحديات ذات طابع مزدوج على السلطات خلال الفترة التي يغطيها التقرير، فمن ناحية واصلت السلطات تشديد إجراءاتها الأمنية والتي لا يزال بعضها يشكل انتهاكاً للحقوق الأساسية التي لا يجوز المساس بها في سياق الأزمات والطوارئ، ومن ناحية ثانية فاقمت التهديدات الإرهابية من الميل العام إلى القبول بالإجراءات المشددة بما في ذلك في بعض الأطر غير الضرورية على ما نحو ما سبقت الإشارة إليه في التطور التشريعي، أو مثل الارتفاع المتكرر للدعوات لتنفيذ عقوبة الإعدام بحق المحكوم عليهم، وإحالة المتهمين بالإرهاب إلى القضاء العسكري.

وفضلاً عن مئات القتلى والمصابين جراء الجرائم الإرهابية، فقد تواصلت أزمة الحبس الاحتياطي، وتزايدت الاتهامات للأجهزة الأمنية بمارسة الاختفاء القسري بمعزل عن الضمانات القانونية، كما تواصلت محاكمة المئات المتهمين في جرائم الإرهاب إلى المحاكمات العسكرية جنبًا إلى جنب مع محاكمة المئات بتهم الإرهاب أمام المحاكمات المدنية.

على صعيد الحق في الحياة، استمر الإرهاب يشكل المصدر الرئيسي لانتهاكات الحق في الحياة، لا سيما من خلال استمرار التطور النوعي في قدرات التنظيمات الإرهابية وتطور أنماط الجرائم الإرهابية المرتكبة، والتي تستهدف تقويض مقومات الدولة المصرية من خلال محاولات الإضرار بالاقتصاد وبالنسيج الوطني للمجتمع.

وقد تواصلت العمليات الإرهابية في شمالي سيناء رغم الجهود والإجراءات الأمنية والعسكرية المتخذة بما دلل على مستويات النمو المذهل في أنماط الجرائم الإرهابية، والتي نالت بشكل رئيسي من رجال الشرطة والجيش وعناصر من أهالي شمال سيناء الذين يتعاونون مع السلطات أو يؤيدون الدولة في مواجهة الإرهابيين.

وكان الهجوم على 16 نقطة أمنية جنوبي مدينة رفح في 7 يوليو 2017 مؤشراً على الطفرة الهائلة في قدرات التنظيمات الإرهابية، حيث هاجم ما لا يقل عن 150 إرهابياً المواقع الستة عشر، ما أسفر عن استشهاد 10 من عناصر التأمين على الفور، والذين ارتفع عددهم لاحقاً إلى قرابة 20 جندياً، فيما سقط أكثر من 40 إرهابياً في الهجمات بعد قيام القوات الجوية بقصف تجمعاتهم ومركباتهم.

وقد ترافق هذا الهجوم مع هجمات أخرى في عمق البلاد، حيث جرى اغتيال ضابط في جهاز الأمن في الوطني في نفس اليوم في محافظة القليوبية شمالي القاهرة أثناء توجهه لأداء صلاة الجمعة بالقرب من مسكنه، كما تلت هذه العملية هجمات في محافظة الجيزة جنوبي القاهرة أدت لاستشهاد 10 رجال أمن ومواطنين وإصابة 4 آخرين.

وكانت قوات الشرطة والجيش قد طورت مجهوداتها في شمالي سيناء، لا سيما في المحور الواقع بين مدينة العريش ومدينة رفح الحدودية مروراً بمدينة الشيخ زويد، وهي المنطقة التي تنشط فيها الجماعات الإرهابية، والتي لا تزيد مساحتها عن 1200 كيلو متر مربع.

وكان هذا التطوراً سبباً في نمو نشاط أجنحة إرهابية أخرى مثل حركة "حسم" التي تعد أحد الأجنحة العسكرية لتنظيم الاخوان، والتي أعلنت مسئولياتها عن عدد من الجرائم النوعية في عمق البلاد، ومنها الاعتداء على كمائن في طريق الإسكندرية ومدينة نصر شرقيس القاهرة، ومحاولات اغتيال مفتي الجمهورية السابق الشيبخ "علي جمعة" ومدير الأمن بمحافظة دمياط.

غير أن أخطر الظواهر الإرهابية خلال الفترة التي يغطيها التقرير تجسد في الاستهداف المنهجي والمنظم للمواطنين المسيحيين، والذي استهدف دور عباداتهم ومناطق سكناهم، وذلك بهدف التأثير في اللحمة الوطنية.

ففي ديسمبر 2016 جرى استهداف الكنيسة المرقسية بالعباسية وسط القاهرة بتفجير إرهابي من خلال أحد الانتحاريين، وهو ما أدى لاستشهاد 27 مواطناً وإصابة العشرات.

وتلى ذلك موجة من اغتيال المواطنين المسيحيين في شمالي سيناء واستهداف كنائسهم خلال الربع الأول من العام 2017، وهو ما أدى إلى نزوح قرابة مائة أسرة، والتي تم استيعاب أغلبها في مدينة الإسماعيلية الجديدة شرقي القناة، وجرى تشكيل لجنة وزارية مشتركة للنهوض بالأعباء والمسئوليات المتولدة عن نزوح العائلات، بما في ذلك إصدار الأوراق الثبوتية وتوفير مساكن بديلة ومساعدات مالية ووظائف مماثلة لحين تمكين هؤلاء النازحين من العودة، وقد شرع بعض الأسر بالفعل في العودة إلى مدينة العريش في بداية شهر يونيو.

وخلال أبريل 2017 أثناء الحتفالات بعيد القيامة المجيد، وقع هجومين مزدوجين على كنيسة ... بمدينة طنطا شمالي القاهرة ما أسفر عن استشهاد نحو 35 مواطناً، تلاه هجوم على كنيسة ... بمدينة الإسكندرية شمالي البلاد ما أدى إلى استشهاد قرابة 15 مواطناً، كما سقط في الحادثتين نحو 100 جريح.

وقادت هذه الجرائم إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد لمدة 3 أشهر بموجب الدستور، وهي التي جرى تجديدها لفترة مماثلة في مطلع يوليو 2017.

كما تم استهداف حافلتين تقلان العشرات من المواطنين المسيحيين في المنيا إلى دير الأنبا "صمويل" في مايو 2017 في الصحراء الغربية وقتلهم بدم بارد ما أدى لاستشهاد 29 بينهم نساء وأطفال وإصابة 24 آخرين، وهو الأمر الذي حدا بالدولة لشن هجمات جوية على معاقل التنظيم الإرهابي في ليبيا، قبل التوصل لعدد من الجناة في مناطق الواحات ومحافظة أسوان خلال الأسابيع اللاحقة.

كذلك، واصلت الجماعات الإرهابية في شمالي سيناء استهداف رموز القبائل والسكان على صلة بتأييدهم للسلطات في جهودها لمكافحة الإرهاب، وتشير التقديرات إلى استشهاد ما يقارب من 270 مواطناَ خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بينهم 255 شخصاً على يد جماعات الإرهاب، والبعض الآخر قد سقط خلال المواجهات بين القوات النظامية والإرهابيين.

ومن ذلك مقتل الشاب "جمعة القدوة" في رفح وإلقاء جثته في عرض الطريق في نهاية فبراير 2017.

وتشير المصادر المستقلة في شمال سيناء إلى أن قرابة 200 من الضحايا قد قتلوا بطريقة بشعة شملت قطع الرؤوس وأشكال أخرى متنوعة تستهدف إثارة فزع السكان ومنعهم من الإبلاغ عن تحركات الإرهابيين والإفصاح عن ملاذاتهم وأماكن تحركاتهم.

وقد دعت هذه الجرائم إلى قيام أربعة من كبريات القبائل السيناوية وستة من كبريات العائلات إلى تشكيل تحالفاً قبلياً لدعم جهود الدولة ومحاربة الإرهابيين خلال شهر أبريل 2017، ورغم أهمية مثل هذه المبادرات في تأمين العمق الشعبي الداعم لجهود مكافحة الإرهاب، إلا أن هذه المبادرة شملت لجوء القبائل للعمل المسلح ضد الإرهابيين وهو ما يثير المخاوف على سلامة الجهود النظامية في مكافحة الإرهاب في شمالي سيناء بصفة عامة، حيث عادة ما تختلط جريمة الإرهاب بجرائم منظمة أخرى كالمخدرات والسلاح والإتجار في البشر خلال الهجرة غير الشرعية.

وتشير وقائع قيام قبيلة الترابين بمحاصرة مناطق في محيط مدينة رفح وتفتيشها للقبض على بعض الإرهابيين الذين فروا بعد قيامهم بهجمات على مضارب قبيلتهم نموذجاً في إمكانية وقوع تباينات غير صحية بين السكان، وكان واضحاً أن السلطات قد طلبت من القبيلة سحب رجالها المسلحين الذين غادروا فجأة بعد عدة ساعات من الشروع في الحصار والتفتيش.

ومن ناحيته، شرع المجلس القومي لحقوق الإنسان لتبني مبادرات متنوعة لمكافحة الفكر المتطرف والتطرف العنيف ضمن وسائل إسهاماته في مكافحة الإرهاب، وكان من أبرزها عقد المؤتمر الدولي حول "دور ومسئوليات مؤسسات التوعية في مواجهة التطرف العنيف والحض على الكراهية"، والذي شارك في أعماله بالقاهرة ممثلين عن المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان العربية والأفريقية ومؤسسات المجتمع المدني ووكالات الأمم المتحدة ورجال الدين وخبراء وأكاديميون، والذي صدر عنه "إعلان القاهرة" الذي تناول توصيات شملت دور مؤسسات التعليم، ودور مؤسسات الإعلام والدراما، ودور رجال الدين. (أنظر الفصل الثالث: نشر ثقافة حقوق الإنسان).

وعلى صعيد ضحايا ظاهرة التعذيب، ورغم التراجع الذي شهدته الظاهرة على صلة بإجراءات المحاسبة والمحاكمات التي شهدتها جرائم القتل جراء التعذيب خلال العامين 2014 و2015، إلا أن واقعة مقتل السيد "مجدي مكين" في قسم شرطة الأميرية بالقاهرة في منتصف نوفمبر 2016 سجلت مؤشراً على استمرار ظاهرة التعذيب في الاحتجاز أثناء التحقيقات والحاجة الماسة لاتخاذ إجراءات وقائية أكثر، لا سيما في ضوء التعديلات التشريعية المتوقعة بموجب الدستور.

وكانت المحاكمات الجارية بحق ضباط وأفراد شرطة متهمين بالتعذيب في الحوادث الفتي جرت خلال العامين 2014 و2015 قد تواصلت، وانتهت محكمة النقض لتأييد العقوبات المقضي بها على المسئولين عن مقتل محتجزين جراء التعذيب في قسم شلرطة المطرية بالقاهرة، وتنظر محكمة النقض حالياً في الطعون على أحكام الإدانة والعقوبات المقضي بها بحق ضباط وأفراد شرطة في الوقائع التي شهدها العام 2015 في كل من الأقصر والاسماعيلية (أنظر التقرير السنوي السابق للمجلس).

وعلى صعيد الحق في الحرية والآمان الشخصي، لا يزال التوسع في الحبس الاحتياطي يشكل باعثاً رئيسياً على القلق، سيما وأنه بات يشكل أحد التدابير الأساسية لا الاستثنائية الاحترازية في سياق التحقيقات، على النحو الذي دعا المجلس في وقت سابق لوصفه بـ"العقوبة" غير القانونية، وكان مثار اهتمام المشاورات حول تعديل قانون الإجراءات الجنائية، خاصة فيما يتصل أيضاً بالبطء في إجراءات التحقيقات والمحاكمات، وهو ما قاد إلى بقاء بعض المتهمين قيد الحبس لفترات جاوزت العامين والثلاثة.

وبينما يشكل تدبير الحبس الاحتياطي أحد أدوات السلطات في مكافحة الجريمة من خلال التوسع في احتجاز المسجلين جنائياً كوسيلة غير مباشرة للوقاية من ارتفاع معدلات الجرائم العامة، إلا أنه يؤدي إلى اكتظاظ مراكز الاحتجاز الأولية بما يفوق طاقتها، ويقود إلى مخاطر صحية متراكمة، ورغم اتباع أقسام الشرطة لإجراءات ذات طبيعة غير تقليدية لمعالجة أية أزمات صحية للمرضى للحيلولة دون وقوع وفيات على النحو الذي شهده العامين 2014 و2015 وحتى ربيع 2016، غير أن هذه الإجراءات لا تزال تحول دون تدهور صحة المحتجزين بشكل خطير.

ويحول الاكتظاظ في السجون التي تتحمل أعباء ناتجة عن الاكتظاظ بما يفوق طاقتها الاستيعابية، إلا أن الأوضاع تبقى أفضل في ضوء توافر الخدمات الصحية الأساسية والتريض ومقومات المعيشة والتغذية. وتتركز الشكوى في السجون من الانتقاص من حقوق زيارة الأسر لذويهم والذي أحد أحد نتائج الاكتظاظ ممزوجاً بالمخاوف من اعتداءات إرهابية على السجون، كما تواصلت الشكاوى من قلة التوسع في فترات التريض

خارج غرف الاحتجاز رغم إمكانية التوسع فيه.

وعلى صعيد الاحتجاز غير القانوني للعناصر المشتبه في علاقتهم بالتنظيمات الإرهابية، فقد واصلت الأجهزة الأمنية بداية من يوليو 2016 احتجاز العشرات من المشتبه بهم دون الإفصاح عن أسباب توقيفهم ومكان إيداعهم، وهو ما أدى لتجدد الاتهامات بممارسة جريمة "الاختفاء القسري" مرة أخرى، بعد أقل من 5 شهور على معالجة القضية بالتعاون بين المجلس القومي لحقوق الإنسان ووزارة الداخلية في الفترة من ديسمبر 2015 وحتى مارس 2016.

ومنذ يوليو 2016 وحتى يونيو 2017، جرى احتجاز أكثر من مائة مشتبه به دون إفصاح في وقائع ترافقت مع وقوع هجمات إرهابية في عمق البلاد، وبقي أغلبهم دون اتصال بأسرته ومحاميه لفترات تراوحت بين 10 أيام و50 يوماً، وبينما جرى الإفراج لاحقاً على قرابة النصف، فقد تبين احتجاز الباقين بناء على قرارات النيابة العامة لاستكمال التحقيقات وقيد المحاكمات.

ويدعم سلوك الأجهزة الأمنية الاتهامات الموجهة للبلاد بممارسة جريمة الاختفاء القسري، والتي تعمل عديد من المؤسسات وثيقة الصلة بتنظيم الاخوان على توجيهها مجدداً، وهو ما دعا لتجديد المجلس لمطالبه بضرورة التوقف عن هذا السلوك، والبحث عن سبل أكثر تيسيراً في إخطار الأسر والمحامين بالقبض على المشتبه فيهم وبالإجراءات المتخذة بحقهم وأماكن إيداعهم.

ورغم أن المجلس يأخذ بعين الاعتبار مخاوف السلطات إزاء التهديدات الإرهابية باقتحام مقرات التحقيق والاحتجاز، فإنه يدعو السلطات لاستيعاب خطورة هذه الممارسات على توجيه الاتهامات للبلاد ببمارسة جريمة الاختفاء القسري التي تعد واحدة من أبرز الجرائم الخطيرة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي.

وعلى صعيد المحكوم عليهم في قضايا لم تشضمل جرائم عنف وإرهاب، فقد رحب المجلس بمبادرة السيد رئيس الجمهورية لتشكيل لجنة مستقلة للنظر في التماسات المحكوم عليهم تمهيداً للعفو عنهم ضمن مخرجات المؤتمر الوطني لشباب في نوفمبر 2016.

وكان السيد "محمد عبد العزيز" عضو المجلس قد طرح القضية للنقاش خلال إحدى جلسات المؤتمر بحضور السيد رئيس الجمهورية الذي تبنى المبادرة، وساهم المجلس مع العديد من الجهات الأخرى في مراجعة وتزويد اللجنة المستقلة بأسماء المحكوم عليهم تمهيداً للعفو عنهم، وجرى بالفعل الإفراج عن المئات من المحكوم عليهم بموجب قانون التظاهر من غير المتورطين في أعمال العنف، وتراوحت العقوبات المقضي بها بحق نحو 4 بالمائة من المعفو عنهم بين السجن عشر سنوات والسجن المؤبد، وهو مؤشر على مدى ضرورة إعادة النظر في التشريعات والتدابير المتخذة.

وكان قانون التظاهر المعيب سبباً مستمراً في إدانة ومعاقبة المتهمين بمخالفته، وتنامت هذه الظاهرة في سياق الاحتجاجات التي وقعت خلال إبريل/نيسان 2016 على صلة باتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، حيث تم احتجاز العشرات في المسيرات باعتبارها مسيرات غير مرخصة، كما تمت ملاحقة العشرات من الداعين إلى تظاهرات جديدة، واعتقال المزيد خلال مسيرات متجددة.

وقد تمت محاكمـة ثلاث مجموعات من المحتجزيـن، وتم إدانة جميـع المتهمين في مجموعتين بتعداد نحو 150 محتجزًا، وبراءة المحتجزين من المجموعة الثالثة، وتراوحت العقوبات المقضي بها بالسجن بين عامين إلى خمسة أعوام وغرامة مالية باهظة بلغت 100 ألف جنيه بحق نحو 100 محتجز، و50 ألف جنيه بحق 50 محتجزًا آخرين.

وقد انتهت محكمة الاستئناف إلى إسقاط العقوبات السالبة للحرية، بينما أبقت على الغرامات المالية الباهظة، وهو ما تزامن مع إعلان الحكومة النية لتعديل قانون التظاهر ومواءمته مع الدستور، وتم الإفراج عنهم بعد سداد الغرامات.

وعلى صعيد الحق في المحاكمة العادلة، شكلت التعديلات التشريعية في أبريل 2017 لقانوني الإجراءات الجنائية وقانون السلطة القضائية باعثاً على القلق (أنظر قسم التطور التشريعي)، فضلاً عن استمرار إحالة المتهمين بجرائم الإرهاب إلى القضاء العسكري، وصدور أحكام بالإعدام على العشرات من المتهمين بجرائم الحق العام وجرائم الإرهاب أمام المحاكم المدنية والعسكرية.

واستمرت محكمة النقض في لعب دور الضامن الأساسي للعدالة في مصر، حيث قبلت المحكمة الطعون المقدمة عل العشرات من القضايا والتي شملت أحكاماً مغلظة بما في ذلك عقوبتي المؤبد والإعدام في قضايا الجنايات بصفة عامة وفي قضايا الإرهاب بصفة خاصة.

وقد أبطلت محكمة النقض العقوبات المقضي فيها بإعدام المئات من الأشخاص خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، بينما أيدت الأحكام الصادرة بإعدام بضعة أفراد حتى نهاية العام 2016، وأبطلت الأحكام بحق قرابة 700 متهم آخرين، وجرى تخفيض العقوبات المقضي بها في عدد من القضايا خلال إعادة المحاكمة، ومن أبرزها قضية "مذبحة كرداسة 2013"، حيث قضت محكمة الجنايات بإعدام 20 متهماً، فيما كانت المحاكمة الأولى قد انتهتا إلى إعدام 180 متهماً، طعن من بينهم 156 متهماً بالنقض على الحكم وقبلت محكمة النقض الطعن وأعادت المحاكمة.

لكن محكمة النقض أيدت الحكم بإعدام العشرات من المتهمين خلال النصف الأول من العام 2017 بعد إعادة محاكمتهم، ومن أبرز تلك القضايا المعروفة إعلامياً باسم "مذبحة بورسعيد 2012"، واغتيال حارس القاضي، وأحداث القائد إبراهيم 2013.

وشملت الأحكام التي أيدتها محكمة النقض الإعدام عشرة متهمين في قضية مذبحة بورسعيد التي راح ضحيتها 73 من مشجعي كرة القدم في المصادمات التي وقعت في استاد بورسعيد، والإعدام لإثنين في قضية أحداث ميدان القائد إبراهيم بالاسكندرية والتي شهدت أحداث عنف ومصادمات مسلحة بادر إليها مؤيدو تنظيم الاخوان، كما أيدت الحكم بإعدام ستة متهمين من تنظيم الاخوان بعد إدانتهم بقتل حارس أحد القضاة خلال محاولتهم الوصول إلى القاضي في إطار الموجة التي استهدفت النيل من القضاة الذين ينظرون القضايا بحق قيادات تنظيم الاخوان.

وبالتوازي مع ذلك، واصلت محاكم عسكرية النظر في الاتهامات بارتكاب جرائم إرهابية وجرائم عنف خلال الأحداث التي شهدتها البلاد، وصدر عن بعضها أحكام بالإعدام، ومن ذلك الحكم النهائي الصادر في منتصف يونيو 2017 بإعدام 4 متهمين بعد رفض محكمة اللنقض العسكرية الطعن المقدم منهم على أحكام الإعدام الصادرة بحقهم من محكمة الجنايات العسكرية.

وبينما يسمح الدستور بمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم بحق القوات المسلحة ومنشأتها أمام القضاء العسكري، إلا أن ذلك كان بهدف تضييق الإحالة إلى القضاء العسكري مقارنة بالدساتير السابقة 1971 و2012 ولا يعني ذلك ضرورة إحالة المتهمين إلى القضاء العسكري كلما توافرت الشروط، وكان من المأمول ألا يتم توظيف هذه الاتاحة

وبينما تذهب هذه المحاكمات إلى المتهمين بارتكاب جرائم إرهاب وعدوان على القوات المسلحة، إلا أن العديد من الإحالات كان يمكن فيه الاكتفاء بالإحالة إلى القضاء المدني. فضلاً عن أن خضوع الأحكام الصادرة عن المحاكم العسكرية لمحكمة النقض العسكرية إلا أنه كان من الأفضل إتاحة المجال للطعن على الأحكام أمام محكمة النقض المدنية لتوفير المزيد من الضمانات.

ويثير قلق المجلس أن الدعوات لإحالة المتهمين بالإرهاب إلى القضاء العسكري تترافق بصورة أساسية مع موجات الاعتداءات الإرهابية الجسيمة على البلاد وبما يحقق هدف الرأي العام في تحقيق العدالة الناجزة، غير أن هذا الهدف لا يتحقق فقط عبر الإحالة إلى القضاء العسكري، بل يجب إعادة النظر في سلسلة القوانين المتعلقة بالعدالة الجنائية على نحو يحل إشكاليات بطء المحاكمات والتقاضي، والذي بلا شك سيصب في خدمة المتهمين وفي الوقت نفسه تلبية أهداف المجتمع في تحقيق العدالة الناجزة.

ويدلل على صحة ذلك مؤشرين، أولهما أنه لا يوجد معيار واضح لإحالة بعض قضايا الإرهاب إلى محاكم مدنية أو عسكرية، حيث أن بعض القضايا التي تنظرها محاكم عسكرية كان يمكن للمحاكم المدنية الفصل فيها، وأن بعض القضايا التي تنظرها محاكم مدنية كانت على قدر من الجسامة والخطورة لإحالتها لمحاكم عسكرية وتتوافر فيها الشروط القانونية لإحالتها إلى القضاء العسكري، أخذاً في الاعتبار أنه من صالح البلاد داخلياً ودولياً النأي بالقضاء العسكري عن نظر هذه القضايا كلما أمكن ذلك.

وخلال العام 2016، رصد المجلس تنفيذ أحكام بالإعدام بحق 16 شخصاً بينهم إرهابي واحد هو "عادل حبارة" المسئول عن قتل العشرات من رجال الشرطة والجنود في شمال سيناء بدم بارد، بينما تنوعت الاتهامات الموجهة للآخرين بين القتل المترافق مع السطو المسلح أو اغتصاب الأطفال وجرائم البلطجة.

وخلال النصف الأول من العام 2017 رصد المجلس تنفيذ أحكام بالإعدام بحق 15 محكوما مدانين بجرائم القتل المترافق مع السطو المسلح واغتصاب أطفال وجرائم بلطجة.

وكانت مصادر محلية ودولية قد أشارت إلى أن السلطات نفذت أحكام الإعدام بحق نحو 40 شخصاً خلال العام 2016 دون عرض أي توثيق، وهو ما قاد لاهتمام المجلس بمتابعة معدلات التنفيذ، لا سيما وأن المحكموم عليهم نهائياً بالإعدام يتجاوز تعدادهم 500 محكوم، وتعود أحكام أغلبهم إلى الفترة بين 1999 والعام 2010.


مواضيع متعلقة