بشائر مجتمع «الذكاء الاصطناعى»
- ألعاب الأطفال
- ألعاب الموبايل
- أهم الأسباب
- إعادة تشكيل
- الأخلاق والقيم
- الأسبوع الماضى
- التطور الصناعى
- الحاسب الآلى
- الحزب الحاكم
- الدروس الخصوصية
- ألعاب الأطفال
- ألعاب الموبايل
- أهم الأسباب
- إعادة تشكيل
- الأخلاق والقيم
- الأسبوع الماضى
- التطور الصناعى
- الحاسب الآلى
- الحزب الحاكم
- الدروس الخصوصية
فى الأسبوع الماضى نُشر خبر صغير لم يلفت انتباه الكثيرين، مفاده أن شركة كبرى على مستوى العالم لبيع ألعاب الأطفال أعلنت إفلاسها فى ولاية فرجينيا الأمريكية لأن ديونها وصلت إلى مليار دولار، فى حين خسرت الشركة بكل فروعها البالغة 1800 فرع ما يقرب من 8 مليارات دولار فى السنوات الثلاث الماضية. الخبر يبدو عادياً، فإفلاس شركة أمر معتاد فى عالم التجارة والاقتصاد، ولكنه بالنسبة لهذه الشركة وأمور أخرى فإنه يتجاوز عالم التجارة والاقتصاد إلى ما يمكن أن نسميه الآن بعوامل إعادة تشكيل العالم على نحو جذرى، وأساسه مجتمع «الذكاء الاصطناعى»، الذى يتعدى سلوك الدول والقيادات السياسية إلى سلوك الأفراد والمجتمعات وطبيعة الحياة ذاتها.
أحد أهم الأسباب التى قيلت لإفلاس هذه الشركة الشهيرة للعب الأطفال هو أن الأطفال أنفسهم تغيروا، فلم تعد تجذبهم تلك القطع البلاستيكية الملونة مهما كانت تقوم بحركات غريبة أو تصدر أصواتاً وموسيقى لطيفة. الأطفال الآن باتوا أبناء ألعاب الموبايل والتابلت والحاسب الآلى والإنترنت، إنهم جيل يتعلم بطريقة مختلفة عن تلك الطريقة التى تعلم بها آباؤهم، وكل ما حولهم يؤشر إلى أن هناك ثورة صامتة تحدث فى كل المجتمعات بدرجات مختلفة وفقاً لمدى التطور التقنى فى كل مجتمع على حدة.
والشىء الآخر ذو الدلالة فى إفلاس الشركة يتعلق بتغير نمط الشراء، الذى بات يمس كل السلع تقريباً، فلم تعد المخازن الكبرى هى طريق الشراء الوحيد، فالمواقع الإلكترونية باتت الآن طريقة محببة للشراء من مخازن افتراضية أو حتى حقيقية ولكنها تبعد عنا آلاف الأميال. وكمثال، فآخر الإحصاءات فى مجال التسويق للطعام الجاهز أنه حقق إجمالى 71 مليار دولار فى العام 2016، ومتوقع أن يصل إلى 90 مليار دولار فى العام الحالى، وترتب على ذلك ظهور نمط جديد من صناعة الأطعمة المُعدة للبيع، وهو الإعداد فى المنزل، والبيع عن طريق موقع إلكترونى لا يكلف سوى مبلغ زهيد.
تغير ألعاب الأطفال يعنى أساليب جديدة فى التعليم وفى التنشئة الإنسانية. وفى مصر الآن حديث عن المدارس اليابانية، فى محاولة للاستفادة من طريقة التعليم اليابانية لعلها تُحدث نقلة فى مجتمعنا. وفى الحوار المصرى اليابانى الذى عُقد السبت الماضى بمشاركة مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والمعهد اليابانى للشئون الدولية، وفى نقاش حول تعميق العلاقات بين مصر واليابان، قال السفير ناجومى، رئيس المعهد، إن التعليم فى اليابان مهمته الأساسية تعليم الأخلاق للأطفال منذ الصغر، وإن الهدف هو تأكيد الشعور بوجود منظومة قيم واحدة تحمى التجانس المجتمعى. وللتذكير فإن اليابان مجتمع يعيش بالفعل بدايات مجتمع الذكاء الاصطناعى. فهل نحن مستعدون لمثل تلك الفلسفة التعليمية القائمة على الأخلاق والقيم، فى مجتمع يقدس الدروس الخصوصية على نظام المدرسة المنضبط رغم المعاناة من التكلفة المالية الهائلة لتلك الدروس الخصوصية؟
الأخلاق والقيم أمران متكاملان، ولكنهما لا يحولان دون التقدم العلمى والتطور الصناعى، بل يدفعان إليه دفعاً، ففى تلك المنظومة القيمية يبرز العمل الجماعى كأساس للنجاح. وكل قصص الاختراعات الكبرى قائمة أساساً على مجموعات بحثية تتكامل فيما بينها ووراءها مجموعات تطبيقية، ودون اقتناع كامل بقيمة العمل الجماعى فلن يحدث التنسيق المحكم بين كافة المجموعات الفرعية، وبالتالى فلن يحدث شىء. ومثل هذه القيم المصحوبة بأخلاق راقية، تُعد رافداً أساسياً للتقدم والانضباط والدقة والإتقان، وهى عناصر رئيسية لأى نجاح. العمل الجماعى أساسه ليس جديداً على البشر، ولكنه يبدو عسيراً للمجتمعات المختلفة، التى تستمتع بتخلفها ولا ترضى بفراقه.
الأخلاق والقيم أساسيان فى عالم يتجه بقوة نحو انتشار، ثم سيادة ما يعرف بـ«الذكاء الاصطناعى»، الذى يجعل من الآلات المعروفة باسم «الروبوت» ليست فقط جزءاً من حياتنا اليومية بل يجعلها عنصراً رئيسياً يشكل حياتنا ويحدد اختياراتنا أيضاً. وفى كثير من الأخبار حولنا نلمح بدايات تلك المعضلة التى ستواجه الأجيال المقبلة فى غضون عقدين أو أقل. فمن السيارات ذاتية القيادة ومروراً بالسيارات الكهربائية، التى هى فى الحقيقة عبارة عن حاسب آلى كهربائى بالغ الذكاء، إلى «الروبوت المؤنسن» ومنه المنزلى أو الذى يقوم بالترفيه وتقديم المشروبات والترحيب بالضيوف والعناية بالأطفال عند غياب الوالدين، والذى يبيع لك فى المحال ما تريد بعد أن يعرف ما الذى يدور فى ذهنك، إلى «الروبوت» الذى يصف لك الدواء المناسب لمرضك، إلى «الروبوت» المقاتل فى المعارك والمتعدد المهام، و«الروبوت» الذى يقوم بمهام مدنية لا يتحملها البشر، و«الروبوت» الذى يساعد الشرطة فى اعتقال المتهمين والمجرمين، وروبوت «جيا جيا» الصينى الشبيه بالبشر، ونهاية بـ«الروبوت الأكثر ذكاءً» الذى يصوّت بالنيابة عنك فى الانتخابات. والأخير أعلن عن نماذجه الأولى قبل ثلاثة أشهر ويعرف باسم «نايجل»، وهو يعمل بمعادلات أو خوارزميات تحاكى الذكاء البشرى الطبيعى، وهو «روبوت» قابل للتعلم من خلال الاحتكاك بالبشر الذى يزودها بالمعلومات والبيانات عن السلوك البشرى العادى، ومن ثم تتطور سلوكياتها لتصبح أكثر تعقيداً مما كانت عليه عند صنعها.
مثل هذا العالم «الروبوتى» موجود بيننا فى البلدان المتقدمة صناعياً ولكنه ليس منتشراً على نطاق مجتمعى واسع، وهو الأمر القابل للتحقق فى السنوات المقبلة، فى حين ما زالت غالبية الدول الأخرى قانعة بأن تكون مستهلكة ومغمضة العينين عن كل تلك التغيرات الرهيبة، ويكفيها أن تبحث أو بالأحرى تعبث فى كتبها القديمة عن أحكام ومقولات بالية لتحكم بها على واقعها المعاصر وكأن الحياة لم تتحرك طوال ألف أو ألفين من الأعوام. وذلك على عكس ما يدور فى مجتمعات الذكاء الاصطناعى قيد التشكل، ففى هذه الآونة تثور أسئلة كبرى لدى تلك المجتمعات تتعلق بنوعية الحياة التى ستذهب إليها. صحيح أن العنصر البشرى سيكون موجوداً، ولكن فكرة المزاحمة مع الآلة للعمل والترفيه والاختيار السياسى من شأنها أن تغير تماماً نمط الحياة، وهو المتوقع أن يحدث فى غضون خمسة عقود من الآن. فإذا عمل «الروبوت» فى مصنع لإنتاج السيارات فأين سيذهب العاملون به؟ وإن تغيرت سبل الترفيه والترحيب بالضيوف فما الذى يقوم به البشر؟ وإن اختار «الروبوت» الحزب الحاكم، فماذا سيفعل المواطن؟ إنها بعض أسئلة التقدم الذى لا يتوقف أبداً، ومهما كانت أسئلة صعبة فهناك بحث دائم عن إجابة مصحوبة بالأخلاق والقيم والتجانس المجتمعى.