مساعد وزير الخارجية الأسبق: العلاقات بين «واشنطن والقاهرة» لا تتوقف عند المساعدات.. وتجميد «المعونة» غير مرتبط بضغوط الإخوان

كتب: سيد جبيل ومحمد الدعدع

مساعد وزير الخارجية الأسبق: العلاقات بين «واشنطن والقاهرة» لا تتوقف عند المساعدات.. وتجميد «المعونة» غير مرتبط بضغوط الإخوان

مساعد وزير الخارجية الأسبق: العلاقات بين «واشنطن والقاهرة» لا تتوقف عند المساعدات.. وتجميد «المعونة» غير مرتبط بضغوط الإخوان

قال السفير حمدى صالح، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن الأزمة المصرية مع إثيوبيا على خلفية بناء الأخيرة لسد النهضة الإثيوبى، والأوضاع المتدهورة فى ليبيا فى ظل الدعم القطرى- التركى للميليشيات المسلحة هناك، وكذا الأوضاع فى اليمن وغزة، أكثر ما يقلقه على الأمن القومى لمصر. وأضاف «صالح»، الذى سبق أن كان قنصلاً عاماً لمصر فى الولايات المتحدة الأمريكية، وسفيراً لها فى بلدان أفريقيا وأمريكا اللاتينية، فى حواره لـ«الوطن»، أن القرار الأمريكى الأخير المتعلق بخفض وتجميد جانب من المعونة الأمريكية لمصر غير مرتبط بدور الإخوان فى الولايات المتحدة، لافتاً إلى أن التأثير الإخوانى فى دوائر صنع القرار الأمريكية محدود، وأن «العلاقات بين مصر وأمريكا لا تقف عند حدود المعونة، فمصر دولة مهمة لأمريكا فى المنطقة، وعلاقاتنا مع الولايات المتحدة استراتيجية».. إلى نص الحوار.

باعتبارك دبلوماسياً سابقاً لمصر فى الولايات المتحدة الأمريكية، ما تفسيرك لقرار «واشنطن» الأخير بخفض وتجميد جانب من المساعدات الأمريكية لمصر؟

- هذه القصة مرتبطة ببعدين أساسيين، أولهما بُعد أمريكى مرتبط بما يحدث فى الولايات المتحدة، والثانى ما يحدث فى مصر، المشهد الأمريكى يشهد صراعات وتناقضات داخل الإدارة الأمريكية، حيث إن البيت الأبيض ودونالد ترامب لديهما علاقات طيبة ومؤيدة للرئيس عبدالفتاح السيسى، ولكن هناك أجنحة أخرى فى الكونجرس وبعض مراكز الأبحاث الهامة لها مواقف مختلفة، لكنها ليست مرتبطة بالإخوان كما يعتقد البعض هنا، لأن دور الإخوان وتأثيرهم محدود للغاية داخل الإدارة الأمريكية، لكن هذه المؤسسات لديها تصورات بأنها بذلك تدافع عن حقوق الإنسان، وهم فى حقيقة الأمر غير متفهمين لطبيعة الصراع الموجود فى المنطقة ككل، وهو ما دفعهم إلى المطالبة بخفض المعونة الأمريكية لمصر.

{long_qoute_1}

هل هناك قصور لدى المسئولين المصريين فى شرح حقائق الأمور فى مصر للأمريكان؟

- للأسف ليس لدينا عدد كبير من الناس يفهم العقلية الأمريكية. والاعتماد فقط على قيام مؤسسات بيروقراطية تكتفى بتقديم مذكرات «مينفعش». نحن بحاجة إلى كادر تكون لديه القدرة على فهم تلك العقلية وكيفية التعامل معها، ومصر لديها عدد من شركات العلاقات العامة التى تفهم طرق التعامل مع العقلية الأمريكية، لكن هذه الشركات محدودة، والأزمة الأخيرة بدأت منذ فترة، حينما تم عقد جلسة استماع فى الكونجرس فى أبريل الماضى، وبدا واضحاً من أجواء الجلسة وجود تحيز رهيب ضد مصر، والخط كان واضحاً، أما النقطة الثانية التى تتعلق بالمشهد المصرى فهى أنه لا يمكن تغيير المشهد الأمريكى دون تغير المشهد المصرى أولاً، أى أن نعدل من بعض الأخطاء التى تفتح علينا باباً لا داعى له لانتقادات الآخرين لنا.

كم حجم المساعدات الأمريكية حالياً بعد القرار الأخير؟

- المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر كانت تصل إلى 1.3 مليار دولار، بدأت بانتظام منذ 1987، قبل أن يتم خفض هذا المبلغ قليلاً مؤخراً، بتجميد 195 مليون دولار منه، وهنا التجميد لا يعنى الإلغاء، وعودة هذه الأموال المجمدة مرهونة بأمور بعينها، لأن التجميد جاء بتوصية من الكونجرس الأمريكى، وفيما يتعلق بالمساعدات الاقتصادية فكانت نحو 185 مليون دولار قبل أن تخفض إلى نحو 100 مليون دولار، وهذا الخفض جاء بتوصية أيضاً من لجان الكونجرس، مبررة ذلك بعدم التزام مصر بحقوق الإنسان، ووزارة الخارجية لا تستطيع مخالفة قرارات الكونجرس لأن الأخير هو المسيطر على الميزانية، حتى إن الرئيس الأمريكى لا يستطيع أن ينفق دولاراً واحداً دون موافقة الكونجرس.

لكن بعض التقارير الخاصة بمراكز بحثية أمريكية أشارت إلى أن التجميد جاء لعلاقات مصرية مع كوريا الشمالية!

- مسألة علاقة مصر بكوريا الشمالية أضيفت بعد ذلك لأسباب ومبررات القرار الأمريكى، لأن أزمة كوريا الشمالية لم تكن قد تطورت خلال الستة أشهر الماضية كما هى الآن، وبالتالى علاقة مصر بكوريا الشمالية لم تكن عنصراً أساسياً فى مهمة تقييمهم للمعونة، لكن بعد القرار قالوا إن مصر لها علاقة ما بكوريا الشمالية، وهى علاقة تاريخية محدودة. العنصر الأساسى للقرار الأمريكى يتعلق بتحفظاتهم على طريقة تعامل مصر مع المنظمات الأهلية بشكل سلبى، وللأسف نحن غير قادرين على توضيح حجم وأبعاد المشكلة التى نعانيها، كما أن الأمريكان ينظرون إلى العملية الديمقراطية باعتبارها انتخابات فقط، والانتخابات ليست العنصر الوحيد للعملية الديمقراطية، التى تشمل أيضاً الوعى السياسى والقدرة على تنظيم الجماهير، وبدون هذا الوعى السياسى والقدرة على تنظيم الجماهير يمكن لمجموعات متطرفة السيطرة على أعداد كبيرة من الناخبين وتذهب بالدولة فى اتجاهات تتناقض مع مصلحة الشعب. هذه القضية تحتاج منا أن نوضحها للإدارة الأمريكية غير القادرة فى بعض الأحيان على استيعاب ما يحدث بالمنطقة.

إلى أى حد تعبّر المعونة الأمريكية عن صعود وهبوط علاقات الولايات المتحدة بمصر؟

- العلاقات بين مصر وأمريكا استراتيجية ولا تقف عند حدود المعونة، فمصر دولة مهمة لأمريكا فى المنطقة، وهو ما يعنى ضرورة وجود نوع من التوافق والتعاون بين البلدين على كل المستويات، ولا ينبغى أن ننظر للمعونة باعتبارها العنصر الحاسم فى العلاقة، لأن العنصر الحاسم هو المصالح المشتركة بين مصر كدولة كبيرة فى مساحتها ومحيطها وبين الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى لها مصالح كثيرة فى المنطقة. {left_qoute_1}

لكن البعض لا يزال يربط بين المعونة وبين مدى قبول الولايات المتحدة الأمريكية لمجمل السياسات المصرية؟

- هناك دائماً أخذ وعطاء بين الدول، خاصة إذا ما كانت هذه الدول قوة عظمى كأمريكا ودولة محورية إقليمياً كمصر، وموقفنا من القضايا الإقليمية ينبع من مصالحنا ومن فهم أعمق لطبيعة المناطق المحيطة بنا، وهو ما قد يختلف بطبيعة الحال مع النظرة الأمريكية للأوضاع، لكن دوماً يمكن التفاهم حول كثير من القضايا. ومؤخراً عاد «الحوار الاستراتيجى المصرى الأمريكى» مجدداً بعد انقطاع لسنوات. وهذا الحوار يكون على مستوى وزارتَى الخارجية والدفاع فى البلدين، ويساعد كثيراً فى تقريب المواقف ووجهات النظر بشأن القضايا المختلفة، وهذا أمر مطلوب الآن فى ظل حساسية الولايات المتحدة من تطوير مصر لعلاقاتها مع منافسيها الدوليين روسيا والصين.

وما أبرز نقاط الخلاف الآن بين البلدين؟

- تتعلق بما تثيره مجموعة فى الكونجرس حول قضايا حقوق الإنسان والجمعيات الأهلية فى مصر، وهؤلاء يستقون معلوماتهم من «لوبى مصرى» داخل الولايات المتحدة، أحد مكوناته الإخوان المسلمون، بالإضافة إلى أن أعضاء الكونجرس هؤلاء، ومنهم السيناتور جون ماكين والسيناتور ليندسى جراهام، يبنون وجهات نظرهم على لقاءاتهم بجماعات مختلفة عند زياراتهم المتكررة لمصر.

بعيداً عن الملف الأمريكى.. كيف تفسر الخلاف المصرى الإيرانى وهل هو مرتبط فقط برغبة مصر فى عدم إغضاب دول الخليج؟

- لدينا على الأقل من وجهة نظرى أسباب جوهرية للخلاف مع إيران بعيداً عن دول الخليج، فمصر دولة مدنية منذ ما يزيد على 200 عام، ومن الصعب عليها أن تكون لها علاقات دافئة مع هذه الدولة «الخومينية» التى تقوم على ولاية الفقيه، وهناك تنافس حقيقى فى المصالح بين القاهرة وطهران فى سوريا، خاصة أن إيران باتت تحظى بنفوذ كبير هناك، وهذا النفوذ ليس فى صالح مصر ولا العالم العربى، كما أن وجودهم فى اليمن والعراق ولبنان يسبب مشكلات حقيقية لمصر وأمنها القومى، تماماً مثل الخطر المتمثل فى تغلغل تركيا فى سوريا. تزايد نفوذ البلدين فى الإقليم ليس من مصلحة مصر والعرب عموماً. وهنا أود الإشارة إلى أن العلاقات مع إيران ينبغى أن تُحسب بشكل دقيق، وأن تعى طهران أن تغلغلها فى الإطار العربى غير مقبول، وأن تهديدهم لأمن الخليج يمثل تهديداً لمصر.

ما أكثر الملفات التى قد تقلقك كدبلوماسى وترى أنها ينبغى أن تحظى باهتمام أكبر؟

- معظم الملفات تحظى باهتمام كبير، ولكن أكثر ما يقلقنى ملف علاقاتنا مع إثيوبيا، فى ظل بنائها سد النهضة، وما قد يترتب عليه من آثار سلبية لمصر، وهنا أشير إلى أن التحرك المصرى فى هذا الملف كان إيجابياً، كما أن ملف ليبيا هو الآخر من أكثر الملفات خطورة على الأمن القومى المصرى، وأيضاً ملف غزة، وهناك تحرك مصرى على الصعيدين فى الحقيقة لكن ينبغى أن يكون هناك اهتمام بالغ بالتحرك فى ليبيا لأنها تمثل خطراً على أمننا فى ظل الدعم القطرى والتركى للميليشيات المسلحة هناك. هناك أيضاً ملف حماس وغزة، ينبغى النظر إليه باهتمام هو الآخر. كذلك ملف اليمن ينبغى أن يحظى أيضاً باهتمام مصرى بالغ، خاصة أن اليمن مؤثرة على حركة التجارة العالمية عبر قناة السويس بسبب سيطرتها على باب المندب.

برأيك، لماذا تفاقمت أزمة سد النهضة؟

- لأننا للأسف تأخرنا فى التعامل مع مع هذا الملف، وكان بالإمكان التعامل معها بشكل مختلف قبل نحو 15 عاماً، تحديداً فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وأصبحنا حالياً أمام الأمر الواقع.


مواضيع متعلقة