فتنة «الفيس بوك»

سحر الجعارة

سحر الجعارة

كاتب صحفي

كارثة أن تتسبب صورة على موقع «فيس بوك» فى إشعال فتنة طائفية، فى عزبة الشيخ نجيم التابعة لقرية طوة، لكن الكارثة الأكبر أن الدولة تناصب مواقع التواصل الاجتماعى «العداء»، رغم أن «فيس بوك وتويتر» فى كل أنحاء العالم عبارة عن «هايد بارك» يعبر فيه الإنسان عن أفكاره وقناعاته، وكأنه «برلمان شعبى» أو «إعلام موازٍ» ينفجر فيه البشر غضباً من واقعهم المأزوم، لينطلقوا إلى عالم أكثر رحابة.

ما حدث فى عزبة «الشيخ نجيم» أن خلافات اجتماعية نشأت بين شاب قبطى وآخر مسلم، بسبب «الصراع على فتاة»، أدت إلى قيام الشاب المسلم بالبحث على صفحة التواصل الاجتماعى «فيس بوك» للشاب القبطى، فتم العثور على صورة لشيخ وسيدة مدون أسفلها عبارات تسىء لبعض الشيوخ.. مما أدى إلى قيام الشاب المسلم باستغلال تلك الصورة، ومحاولة إثارة أزمة بين الأطراف، وذك بحسب تحريات البحث الجنائى بمديرية أمن المنيا.

وكانت النتيجة حالة تجمهر وإحداث إصابات بمسيحيين وحرق عدد من السيارات وإتلاف محلين تجاريين لمواطنين مسيحيين، كما وجَّهت النيابة تهمة إثارة الفتنة لقبطى يدعى «كيرلس.ا» (22 عاماً، عامل).

كما شمل قرار النيابة ضبط وإحضار شابين مسيحيين هما باسم عبدالملاك فهيم، تم القبض عليه، ومينا يونان صموئيل، لقيامهما بنشر صور وكتابة عبارات مسيئة للشيخ «محمد حسان»، وعدد من رموز الدين الإسلامى، على صفحات التواصل الاجتماعى «فيس بوك».. كما قررت النيابة حبس 19 متهماً من أهالى عزبة الشيخ نجيم التابعة لقرية طوة، 15 يوماً على ذمة التحقيقات.

الكارثة أن «المباحث» لا تهتم -مثلاً- بالفتنة التى يشعلها رجل مثل الداعية الكيوت «عبدالله رشدى» على (فيس بوك وتويتر) الذى يتعمد دائماً تكفير الأقباط والتشكيك فى عقيدتهم تحت شعار «#الأزهر-قادم»، ولا تحقق فى التحريض على إسقاط الرئيس الذى يتزعمه «حازم عبدالعظيم» على تويتر وهو موثق بالفيديو «صوت وصورة».. ولا ترى الصفحات المسيئة للأقباط، والصفحات التى تروج للإرهاب (بمعناه الحرفى) وتستقطب الشباب وتجندهم عبر الإنترنت.

الدولة لا تهتم كثيراً إلا بمراقبة «الشباب» لتحاصر أى دعوة محتملة للتظاهر، لتستبق الأحداث وتجهضها، فالنشر على الإنترنت يفترض أنه غير مؤثم قانوناً -حتى الآن- ولا يعامَل مثل النشر بالجرائد والمواقع الإخبارية.. وبالتالى لا تتحرك الدولة إلا حين تخرج الفتنة من «العالم الافتراضى» لتصبح جريمة!

الشبكة العنكبوتية هى «جمهورية مستقلة»، ويجب التعامل معها على هذا الأساس، ولو حاسبنا المسلمين أنفسهم على تعليقاتهم على فتاوى صبرى عبدالرؤوف، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، بإباحة تصوير العلاقات الجنسية بين الزوجين، ونكاح الزوجة المتوفاة.. وما قالته الدكتورة سعاد صالح، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، من أن بعض الفقهاء أباحوا معاشرة البهائم من الحيوانات جنسياً.. لو حاسبنا المسلمين على تعليقاتهم الساخرة ولعناتهم لكل الفتاوى التى تسىء إلى الإسلام.. لتحول المجتمع بأكمله إلى سجن كبير بوابته هى «فيس بوك وتويتر»!

قطعاً يجب أن يحاسب كل من تجمهر أو أتلف ممتلكات الغير بعمد، وكل من أشعل الفتنة الطائفية بعزبة «الشيخ نجيم»، ولكن أخرجوا ما نشر على الفيس بوك من التهم.. لأن الدولة أصلاً لا تملك أن تحمى الأقباط مما يتعرضون له من إساءة على الإنترنت بأكمله، خصوصاً أن التحريات أكدت عدم وجود صور أو فيديوهات تسىء إلى الرسول الكريم محمد «ص»، أو إلى المشايخ المسلمين، وأن ما نشر صورة «بوست»، لشيخ مع امرأة مدون أسفلها عبارات تسىء لبعض مشايخ بعض التيارات الإسلامية.

أنا لا أدرى -حتى الآن- كيف سيخرج قانون «مكافحة الجرائم الإلكترونية» إلى النور، وكيف ستكون صورته النهائية بعدما اعتبره الكثيرون نوعاً من تقييد الحريات.. ومن المفترض مناقشته فى الدورة التشريعية الثالثة التى ستعقد خلال شهر أكتوبر المقبل.

لكنى أدرك جيداً أن البعض مصاب بهوس أن (ثورة 25 يناير كانت «ثورة الفيس بوك»، وأن ثورة 30 يونيو كانت «ثورة الإعلام»)، ولهذا تطلق صواريخ التشريعات للقضاء على «مواقع التواصل الاجتماعى».. والتى كان آخرها اقتراح النائب «أحمد رفعت»، عضو لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بالبرلمان، بغلق مواقع التواصل الاجتماعى أثناء الانتخابات الرئاسية المقبلة فى مصر والمزمع عقدها العام المقبل!

بدلاً من أن تحاربوا «السوشيال ميديا» حاربوا التطرف الذى يحاصرنا من كل وسائل الإعلام التى تخضع للدولة، وإن أردتم القضاء على الفتنة والتطرف والإرهاب؛ فتشوا فى كتب التراث وفتاوى وطء البهيمة!