الثورة الصناعية الرابعة.. النداء الأخير

ما الثورة الصناعيّة الرابعة إلّا تلك الحقيقة التى تجرّ عالماً بأسره إلى طريقَين لا ثالث لهما، من يجاريها ويلحقُ بركبها يصعد حيث القمم، ومن يتخلَّف عنها يهوى إلى جرف سحيق، إنها المتغيّر الدؤوب فى زمن التطوّر السريع، إنها الطوفان الذى أعلَن عنه منتدى دافوس فى دورته الـ46 عام 2016، إنها التحوّل القياسى من الابتكارات المنفردة والتكنولوجيا البدائية والريبوت الصناعى والرقمنة البسيطة حيث الثورة الصناعيّة الثالثة إلى أساس رقمىّ متين يقوم على مزيج من التقنيات المبتكرة والاختراعات الخلاقة التى غيّرت ملامِحَ المِهن وحلّت محلّ الإنسان وحصرَت مهامه فى المراقبة والمتابعة والإشراف، وأنتجت ما لم يتخيّله عقلٌ بشرىّ من قبل.

بدأت معالم الثورة تظهرُ فى عالمنا العربى عبر مبنى شُيّدَ فى دبىّ بتقنية الطباعة ثلاثيّة الأبعاد، وشوارع ذكيّة عُبّدت بتقنية V3 لتوليد الطّاقة وإنارة الشوارع، وحواسيب خارقة الأداء تمّ تصنيعها بتقنيّة النانو يمكن تركيبها على رؤوس الأقلام، و«كمبيوتر يسيرُ على أربع عجلات»، الوصفُ الذى أطلقه الخبراء على السيارة ذاتيّة القيادة لأن 40% من مكوناتها إلكترونية، كما تظهرُ الثّورة فى الخطة الخمسية الـ13 للصين التى استعدّ لها حتى اليوم أكثر من نصف شعبها، وأكد استطلاعٌ للرأى نشره كلاوس شواب، مؤسس المنتدى الاقتصادى العالمى (دافوس)، أنّ 86% من أصل 800 رئيس تنفيذى يتوقعون توظيف التكنولوجيا الحديثة فى شركاتهم قبل حلول عام 2025، وسيستخدم 10% منهم النظارات الذكية، أو بمعنى أدق تلك الشاشات الذكية الصغيرة المعلّقة على الرأس.

اليومَ تقفز دول نامية إلى المقدّمة بعصاةِ الثورة السحريّة، لتذهِلنا رواندا الأفريقيّة التى تفتقر إلى شبكة طرق آمنة وسكك حديديّة لازمة لنقل مستلزماتها إلى المناطق النائية، بتَشييد مطارات لطائرات بدون طيّار بتكلفة منخفضة وكفاءة عالية وسعة شحن تصل إلى 10 كجم وتطير مسافة 100 كم. أما البرتغال فقد أطلقت منصّة «ابتكارات المرضى» ليس لتداول المعلومات التوعويّة حول الأمراض النادرة والمزمنة، بل أيضاً لمشاركة الابتكارات التى توصّل إليها مرضى آخرون، فساهمت المنصّة بخفض تكاليف رعايتهم وزيارتهم لأسرّة الطوارئ بنسبة 60% وتحسين حالتهم الصحيّة العامّة بنسبة 30%. وفى تجربة فريدة من نوعها تطلق البرازيل منصّة البيانات المفتوحة DataViva التى تضع بين يدى المستخدمين 700 مليون عرض تفاعلى يتوصّلون إليه بـ11 طريقة، وتتيح لهم قواعد بيانات ضخمة تغطى واردات وصادرات وزارة الخارجيّة كافّة، إضافة إلى بيانات القوى العاملة فى أكثر من 425 قطاعاً حكومياً وخاصاً، وبيانات التعداد السكانى وتعداد الطلبة الخرّيجين والعاطلين عن العمل ليوظفها أصحاب الاختصاص فى المكان المناسب، وتتيح للمواطنين خاصيّة التصويت على القرارات أو المشاركة فى استبيان حكومى دون وساطة أو محسوبيّة. واليوم تتضمّن رؤية الحكومة المصرية 2030 تطويراً شاملاً ومستداماً للمناطق الصناعية بما يتماشى مع التكنولوجيا الصناعية المتقدمة، وتدعو الجميع للاستعداد للثورة الصناعيّة الرابعة بدعم التحوّل الرقمى فى مؤسساتها الحكومية، فهل ستلحقُ مصر بركب الثورة؟

الآن ولم يتبقّ إلا النداء الأخير للحاق برحلة الثورة الصناعية الرابعة، لا بدّ أن ندرك عواقب فواتها الوخيمة، والهوة الزمنية الكبيرة التى ستفصِل بين التخلّف والحضارة، والتقدُّمِ والتقادُم، والصعود والانحدار. فيا غربة المجتمعات حين تستفيق لتجد أدواتها متهالكة وبضاعتها منتهية الصلاحية، وقد أصاب وعيها الخمول وفكرها الشرود وهمّتها الفتور، لتصرخ واجمة أو مشدوهة ليتنا استجبنا للنداء الأخير؟

يقول «شواب»: «هذه الثورة لم تغير مهام عملنا وطرق الاتصالات بيننا فحسب، وإنما غيّرت هويتنا وملامح مجتمع بأسره».