تحيا جمهورية مصر العربية!

فى البداية ينبغى أن أقر أننى كنت وما زلت عاشقاً لتحية العلم حتى الآن.. فرغم ذلك الشيب الذى خطّ رأسى.. إلا أننى لم أنس بعد هيبة تلك اللحظات حين يقف الجميع فى حزم وقوة تبدو واضحة للعيان.. بينما يتصاعد الهتاف ليرج المبانى المجاورة فى كل صباح خلال مراحل الدراسة المختلفة بأن «تحيا جمهورية مصر العربية».

إنه الحب الفطرى الذى ينمو داخلنا نحو هذا الوطن.. والذى نعبّر عنه بشكل رمزى ونحن نقف تحية لرمز الوطن.. العلم..!

إننى أحد هؤلاء الذين تخرّجوا فى تلك المدارس الثانوية -شبه العسكرية- التى قدّمتها ثورة يوليو للمجتمع.. تلك المدارس التى خرّجت أجيالاً تقدّر قيمة الحياة العسكرية.. وتقدّر جيداً تلك اللحظة التى نقف فيها جميعاً بفخر وعزة.. فى لحظات ثبات وصرامة.. بينما يرتفع العلم مرفرفاً على طبول النشيد الوطنى..!

لقد كانت لحظات تحمل من الهيبة ما يجعلها غير قابلة للنسيان.. وتحمل من الاحترام للعلم ما يجعلنا جميعاً نعرف قدره.. ونقدّر رمزيته للوطن نفسه!

ورغم كل ما سبق.. فإننى تعجّبت كثيراً من ذلك القرار الذى اتّخذه السيد الأستاذ الدكتور وزير التعليم العالى بشأن إقرار تحية العلم فى الجامعات المصرية بأكملها هذا العام.. فالقرار غريب وفريد من نوعه، ربما فى تاريخ الجامعات المصرية!!

وتحفّظى الشخصى على القرار لا يتعلق بالتحية نفسها.. فمن الذى لا يرغب فى تقديم الاحترام للعلم.. رمز الوطن ولواء الأمة.. إنه فخر لنا أن نقف تحية للعلم كل صباح.. لكن تحفّظى ربما يتعلق بكيفية تنفيذ ذلك القرار الجديد من نوعه!!

الفكرة أن الدراسة الجامعية لها طابعها الخاص.. فلا يمكن توحيد ميعاد بداية اليوم الدراسى لكل الكليات.. ولا حتى لكل كلية على حدة.. بل إن نسبة الحضور والغياب نفسها تختلف عن الدراسة ما قبل الجامعية.. فالطلبة يذهبون إلى كلياتهم فى مواعيد متباينة.. وجداول المحاضرات تختلف من يوم إلى آخر.. بل من قسم إلى آخر.. ولهذا ففكرة تحية العلم صباحاً ربما كانت غير قابلة للتطبيق.. بل إنها قد تنتقص من جلال الفعل نفسه.. حين تكتشف أن الكثير من الطلبة قد يصلون إلى الكلية متأخرين كى «يهربوا» من لحظات تحية العلم!!

ولعل أكثر ما ساءنى أن الأمر قوبل باستهجان وسخرية على وسائل التواصل الاجتماعى من فصيل من الشباب أقل ما يُقال عنهم إنهم معدومو المسئولية الوطنية.. فاختلافك أو اتفاقك مع ذلك القرار.. أو حتى تحفّظك عليه -مثلى- لا يستوجب أى نوع من السخرية من وجهة نظرى المتواضعة.. إن كنت تعترض عليه لأسباب موضوعية حقاً.

وربما كان هذا هو السبب الأساسى الذى جعل البعض يتردّد كثيراً قبل أن يعلن عن تحفّظه المسبب!

سيدى الوزير..

ربما نُقدّر لسيادتك رغبتك الحقيقية فى زرع الانتماء بين طلبة الجامعات المصرية.. لكننى أعتقد أنه كان من الأفضل أن يتم تفعيل التربية العسكرية فى الجامعات بشكل أكثر جدية.. فيتم تدريب الشباب على أساسيات الحياة العسكرية حقاً.. أو حتى يتم إقرار فرق تدريبية لشباب الجامعات بواسطة القوات المسلحة.. فيخرج الطالب وهو مدرك لقيمة الوطن.. ولجلال العلم!

سيدى.. أخشى أن يتحول القرار إلى مجرد احتفالية فى بداية العام، ثم يتم إهمالها.. أو أن تتحول «تحية العلم» إلى حدث روتينى تقليدى غير منضبط.. وأفقد تلك الهيبة التى ما زلت أشعر بها حتى الآن.. وأنا أهتف بحماس وفخر.. أن «تحيا جمهورية مصر العربية»..