الحرب الإسرائيلية المقبلة «الوشيكة»

خالد عكاشة

خالد عكاشة

كاتب صحفي

ربما الإجماع الذى بدأ يتشكل لدى معظم المراقبين داخل المنطقة وخارجها، جعل تساؤل الحرب التى تستعد إسرائيل لخوضها، يتجاوز محطة احتمالية نشوبها إلى مرحلة البحث وراء الساحة التى ستشهد وقائعها، فضلاً عن التدقيق فى موعدها التقريبى. حتى يمكن وضع تصور مع ما ستتقاطع معه تلك الحرب من ملفات المنطقة، فالبعض منها يوشك على الانتقال إلى فصول جديدة بها قدر معقول من الحسم.

الحرب الإسرائيلية المعلن خصمها بـ«حزب الله» اللبنانى، نفّذ الجيش الإسرائيلى بعضاً من ضرباتها التمهيدية، عبر الغارات الجوية والقصف، مستهدفاً غالبيته مواقع ومطارات عسكرية سورية، لإجهاض نقل الأسلحة، وبالأخص «الصواريخ» من إيران إلى مخازن «حزب الله» السرية بجنوب لبنان. هذا حسب المعلن من بيانات الجيش الإسرائيلى؛ والمسكوت عن تنفيذ أى من أشكال رد الفعل من الجانب السورى الرسمى، تجاه الغارات التى استخدمت المجال الجوى السورى، أو حتى عندما تم استخدام القصف الصاروخى المباشر، الذى انطلق من شمال بحيرة طبرية وأصاب مطار «المزة» العسكرى بالعاصمة دمشق فى يناير 2017م.

هناك ثمة تنويعات أخرى من «الصمت» جُوبهت به الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية. فكان هناك صمت لبنانى عن الغارات وقت احتاج البعض منها لأن يعبر المجال الجوى اللبنانى، فوفق معادلات الداخل اللبنانى «السياسيين، والجيش» قد يكون تقويض قدرات «حزب الله» التسليحية، مما يُعد جيداً الصمت بشأنه، صمت إيرانى مشابه يتميز بكثير من التعقل، كان يصاحب دوماً تلك الفصول الإسرائيلية الخشنة، فطهران لم تكن لتخسر مكاسبها التى تتحقق فى مساحات السيطرة على مقاليد القرار السورى، من أجل بعض أداءات الممانعة أو المقاومة، كما يتسمى محورها.

حتى بدا المشهد (الإسرائيلى/ الإيرانى) وقد ارتضى معادلة تتلخص فى سعى «طهران»، لنقل الأسلحة وتعويض مخزون «حزب الله» الاستراتيجى فى السر، بشرط النجاح فى المرور بمناطق الظلام التى يسدل عليها النظام السورى ستائره، وفى حال أضاء أحدهم الضوء ورصد الجرم المشهود، يرتضى الجميع، صاغرين، العدوان الإسرائيلى، انتظاراً للتعويض فى ظلام آخر. ويبقى فى الخلفية صمت استراتيجى «أمريكى، روسى»، لم يتداخلا من قريب أو بعيد فى هذا السجال الاستخباراتى العسكرى، بل كلاهما يعد نتائجه مما قد يفيد فى المحصلات النهائية.

استجلاء ردات فعل المحيطين بمسرح العمليات والفاعلين الرئيسيين فيه، مهم فى فصل التمهيد النيرانى، بالنظر إلى ما نشره موقع «ستراتفور» الاستخباراتى الأمريكى مؤخراً، فى تعليقه على «مناورة الشمال» العسكرية الضخمة التى نفّذتها إسرائيل قبل أيام. حيث نشر المركز تقريراً يشير فيه إلى أن إسرائيل تحرّكت سريعاً فى الآونة الأخيرة؛ وتستعد من أجل خوض حرب جديدة، فى الوقت الذى شارفت فيه الحرب فى سوريا على نهايتها. رغم أن «ستراتفور» أشار إلى أن التدريبات العسكرية تم التخطيط لها منذ عام مضى؛ لكنه لم يغفل أن توقيتها لا ينفصل عن تطور الوضع الميدانى فى سوريا، فكسر الحصار عن «دير الزور» من قبل الجيش السورى بمساعدة روسيا، والاقتراب من طرد تنظيم داعش منها، يعد تطوراً وصف بأنه الأكبر فى تاريخ المواجهات فى سوريا. ولفت الموقع الأمريكى الانتباه إلى أن التدريب يُعد الأكبر لإسرائيل منذ عام 1998م، حيث شارك فيه نحو (10 آلاف جندى)، وانصبت غالبية تكتيكاته على التدريب الهجومى، استعداداً لخوض حرب مع «حزب الله» على طول الحدود الشمالية لإسرائيل.

احتوى التقرير الاستخباراتى أيضاً على رصد دقيق لمكامن القلق الإسرائيلى، فذكر أن قادة إسرائيل العسكريين يشعرون مع نهاية الحرب السورية، بأن القوات الموالية لـ«حزب الله» لن تكون منخرطة فى أى معارك، ولن يكون أمامها سوى النظر إلى إسرائيل. كما أن تل أبيب تخشى من أن مشاركة الحزب فى الحرب السورية؛ جعلته أكثر خبرة وأكثر قدرة على إعادة نشر قواته فى لبنان، علاوة على امتلاكه اليوم أسلحة حديثة تحصل عليها من دمشق وطهران، بصورة قد تشكل تهديداً حقيقياً من وجهة نظر إسرائيل. نقطة القلق الميدانية التى أطلقت صافرات إنذار جدّية فى غرف الرصد الإسرائيلى، هى أن فك حصار «دير الزور» التى لا تبعد سوى (100 كم) عن الحدود العراقية من جهة الشرق، سيُسهم فى عودة خط «الإمداد اللوجيستى» القادم من إيران عبر العراق تجاه «حزب الله»، والذى انقطع لسنوات بسبب حصار «داعش» لتلك المنطقة الاستراتيجية.

تلك المنطقة التى وصفها تقرير «ستراتفور» بالمهمة جداً، هى فى الحقيقة، فضلاً عن موقعها، تحتوى على عدد كبير من حقول الغاز الطبيعى والنفط، لذلك يتسابق عليها الجميع فى حصاد النهاية وميراث «داعش». التقرير أشار إلى أن أى محاولات لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكيا، من التقدم جنوباً فى «دير الزور»، ستواجه بقوة من القوات السورية المدعومة من إيران وروسيا، وفى النهاية سيؤول الأمر إلى سيطرة دمشق على حقول الطاقة والوصول إلى الحدود العراقية، وهى نتيجة تسبّب الرعب الرئيسى لإسرائيل.

السؤال الذى يطرح نفسه حالياً: ما سبب تعجّل تل أبيب فى خوض حرب جديدة ضد «حزب الله» فى الوقت الحالى، والحرب فى سوريا لم تضع أوزارها بعد؟ التقرير الاستخباراتى الأمريكى يقدر أن «قادة إسرائيل العسكريين سيرون أن خوض تلك الحرب حالياً بشكل مباغت قبل نهاية الحرب فى سوريا، سيكون الخيار الأفضل، خصوصاً أن حزب الله لا يزال منشغلاً بالتزاماته فى الحرب السورية». هذا بمعنى شنّ غارات مكثفة على مواقع حزب الله العسكرية فى سوريا، وهو خيار محفوف بمخاطر الدخول فى خضم لوغاريتمات ترتيب الأوضاع النهائية. البديل أن تكون هناك عملية عسكرية خاطفة فى لبنان «الأكثر هشاشة»، تستهدف القضاء على مستودعات الصواريخ الخاصة بـ«حزب الله». وفى هذه الحالة هل ستقابل إسرائيل «المستنقع» الجنوبى المعدّ جيداً؟ أم ستنجح أمام أطراف مرهقة، ولتجابه حينها بـ«الصمت» الذى لن تخدشه أصوات الموافقين؟