ميراث المرأة «الفريضة الغائبة» فى الصعيد

ميراث المرأة «الفريضة الغائبة» فى الصعيد
- أهل الصعيد
- القرى والنجوع
- فى القرى
- آباء
- أبناء
- أجداد
- أهل الصعيد
- القرى والنجوع
- فى القرى
- آباء
- أبناء
- أجداد
رغم أن الميراث أنزله المولى عزّ وجلّ مفصلاً ولم يتركه لنبى أو رسول ليبينه، وحرص الله جلَّ شأنه على بيان قسمته بين الورثة مع الوضع فى الاعتبار حقوق وواجبات الأفراد فى المجتمع من الجنسين حتى لا تقوم النزاعات بين البشر، ويرتضى كل وارث بنصيبه الذى قسمه الله له، لكن أهل الصعيد لهم كلام آخر غير الذى نزل من السماء، فالمرأة فى الصعيد محرومة من الميراث، وفق التقاليد السائدة فى المجتمع، وعندما تحصل المرأة على حقوقها التى شرعها الله لها يكون ذلك هو الشىء المستغرب، وتصبح المرأة التى تحصل على ميراثها حديث الساعة فى القرى والنجوع، وأصبح عدم حصول المرأة على حقوقها موروثاً يتوارثه الأبناء من الآباء، ويتذرّع من يستولون على الميراث بحُجج كثيرة، منها أنهم يحافظون على ثروات آبائهم وأجدادهم التى تركوها لهم ويمنعون انتقالها إلى أشخاص آخرين من خارج إطار الأسرة، ومن النادر أن تلجأ المرأة إلى المحاكم للحصول على حقوقها، فهى تعرف جيداً أنها ستقضى سنوات بين أروقة المحاكم، وينتهى بها المطاف إلى مقاطعة أشقائها للأبد، فتضطر المرأة إلى التزام الصمت.
{left_qoute_1}
لا تخلو قرية أو نجع فى كافة محافظات الصعيد بصفة عامة، ومحافظتى سوهاج وقنا بصفة خاصة، من حالات عديدة من النساء لم يحصلن على نصيبهن من الميراث، أغلبهن يفضلن الصمت بدلاً من الدخول فى منازعات مع أشقائهن، وفى النهاية يرتضى معظمهن بخسارة ما فرض الله لهن، وقليلات تلجأ إلى القضاء، ولكنهن فى الغالب يقضين سنوات بين أروقة المحاكم.
وفى أغلب الحالات، لا تفلح محاولات الوسطاء إلا نادراً، فى اقتطاع جزء يسير من «التركة»، التى يستولى عليها الذكور من شقيقاتهم، فيما يعرف باسم «الترضية»، بل وهناك حالات عديدة يكون سبب حجب الميراث عن المرأة فيها هو «الأب» نفسه، حيث يقوم بتسجيل ما يمتلكه من أراض وعقارات، باسم أبنائه الذكور، فيما يعرف باسم «التقريد»، حتى الزوجة، التى شاركته حياته، قد لا ينالها نصيب من التركة بعد وفاة الزوج.
وساعدت بعض قوانين «الإصلاح الزراعى» فى ارتكاب نفس الجرم، فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فعندما كان يتم مصادرة الأراضى من الإقطاعيين وكبار الملاك، ومنحها للفلاحين من عامة الشعب، فكان يتم منح الأسرة قطعة أرض، يتم تسجيلها باسم الزوج والزوجة والأبناء الموجودين على قيد الحياة وقت التسجيل، ويتم حرمان كل من يولد بعد تلك الفترة، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً من الميراث، وأصبح ميراثهم قاصراً على الأب والأم فقط، مثلهم مثل أشقائهم، الذين سجلت الدولة الأرض لهم.
عضو لجنة «مصالحات العسيرات»: إنهاء خصومات الثأر أسهل من المطالبة بميراث النساء.. ومعظم السيدات يلتزمن الصمت بدلاً من الدخول فى منازعات
وعن ظاهرة حرمان المرأة من الميراث فى محافظة سوهاج، قال «شريف أبورحاب»، عضو لجنة المصالحات بمركز العسيرات، إن «اللجنة يمكنها بكل سهولة، التوسط فى حل الخصومات الثأرية والخلافات بين العائلات، ولكن العقبة الكبرى التى يصعب حلها، هو كيفية إقناع الأشقاء بمنح شقيقاتهم حقهن الشرعى فى الميراث»، مؤكداً أن «هناك رفضاً تاماً فى قطاع عريض من مجتمع الصعيد، لمبدأ توريث البنات»، مشيراً إلى أنه فى بعض الحالات «يتم ترضيتهن بمبلغ مادى لا يسمن ولا يغنى من جوع»، بحسب وصفه.
واعتبر عضو لجنة المصالحات أن نسبة كبيرة ممن يرفضون توريث النساء، تكون ثقافتهم متدنية، ولم يحصلوا على قسط وافر من التعليم، لافتاً إلى أن هناك أيضاً فئة من بعض المتعلمين، الذين تشغلهم الدنيا، يرفضون منح شقيقاتهم نصيبهن من الميراث، ويكتفون بمنحهن مبلغاً مالياً على سبيل «الترضية»، وأكد أن «علاج تلك الظاهرة قد يحتاج لسنوات طويلة»، وطالب بضرورة تنظيم ندوات دينية للبسطاء فى القرى والنجوع، لتثقيفهم وتوعيتهم وتعريفهم بشرع الله تعالى، خاصةً فيما يتعلق بأحكام توزيع الميراث.
وأضاف «أبورحاب» أنه «على الرغم من أن القانون المدنى المصرى ينص على أن للمرأة الحق فى امتلاك ممتلكاتها وإرثها، واستخدامه بشكل مستقل على قدم المساواة مع الرجل، فإن العديد من النساء، لا سيما فى المناطق الريفية، محرومات من ميراثهن»، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة تنتشر بكثرة فى محافظتى سوهاج وقنا، وأوضح أن الظاهرة كانت ظاهرة للعلن قديماً، بسبب قلة عدد السكان، ووجود مساحات كبيرة من الأراضى فى حيازة العائلات، وكانت كل عائلة تريد أن تحتفظ بأرضها ولا يتم التفريط فيها بسهولة، ولكن بعد تفتت الملكيات، وتراجع مساحات الأراضى الزراعية، بدأت الخلافات بين الأشقاء والشقيقات تنتقل إلى العقارات والمحلات والأموال المنقولة، ورغم تعدد مسميات الخلاف، إلا أن «الخلاف على الميراث» يظل له مسمى واحد فقط، وهو «أكل حقوق الناس بالباطل»، على حد قوله.
ومن جانبه، أكد «علاء سعد»، محامٍ بالنقض، أن عدد قضايا المواريث المنظورة أمام المحاكم بمحافظة سوهاج، والتى تطالب فيها النساء بحقوقهن فى الميراث، ليست كثيرة، لأن أغلبية السيدات يفضلن السكوت، أو حل الخلافات ودياً، ونادراً ما يلجأن للمحاكم، لعدة اعتبارات، منها أنهن يراعين سمعة عائلاتهن، كما يعرفن أن المحكمة لن تفصل فى حقوقهن بين يوم وليلة، وأن الأمر قد يستغرق سنوات عديدة، وأضاف أنه «رغم قسوة كثير من الأشقاء على شقيقاتهم وجحودهم ونكران حقوقهن، إلا أن غالبية السيدات فى النهاية، يرتضين ما يمنحه أشقاؤهن لهن.
كما أشار «سعد» إلى أن الأشقاء الذكور عادةً ما تنشب بينهم خلافات على الميراث أيضاً، بعد الاستيلاء على حقوق شقيقاتهم، حيث إنه «فى بعض الحالات، نجد الشقيق الأكبر يريد أن يستحوذ على التركة، أو أن يكون له النصيب الأكبر منها، باعتبار أنه الأكبر سناً، وفى حالات أخرى تحدث جرائم قتل، ارتكبت بسبب الطمع وحب النفس»، موضحاً أن «ثقافة ظلم النساء» وعدم إعطائهن حقوقهن، أصبحت «عادة» تتوارثها الأجيال، ويصعب تغييرها، خاصةً فى مجتمعات الصعيد.
{long_qoute_1}
لم تتخيل «هناء» وشقيقتها «فاتن»، المقيمتان بإحدى قرى مركز «أخميم» بسوهاج، أن «الدماء» التى تجرى فى عروق شقيقهما الأصغر «محمد»، يمكن أن تتحول إلى «مياه» بين عشية وضحاها، رغم أنهما قامتا بتربيته، بمشاركة والدتهم، لأنهما تكبرانه بأكثر من 15 سنة، فبعد أن توفى «الأب»، قبل نحو 17 عاماً، تحول الشقيق الأصغر إلى شخص آخر، حيث استولى على ميراث شقيقتيه، بمباركة «الأم»، التى أبدت رغبتها فى عدم انتقال تركة زوجها الراحل إلى آخرين غير أولادها الذكور، البالغ عددهم 4 أبناء، أكبرهم «محمد»، البالغ من العمر 40 سنة. ونظراً لأن الميراث الذى تركه الأب يكفى جميع أفراد الأسرة للعيش فى حياة كريمة، عبارة عن عمارة مكونة من 5 طوابق، وبرج مكون من 11 طابقاً، ومزرعة مساحتها 14 فداناً، فقد حاولت الشقيقتان مع «محمد»، مرات عديدة، أن يمنحهما ميراثهما، وفق ما أقره الشرع، ولكنه رفض محاولاتهما، وتضامنت معه والدته ضد ابنتيها، رافضة تطبيق شرع الله، إلى أن تطور الأمر بقيام الأخ الأصغر بالتعدى على شقيقتيه بالضرب، وطردهما من منزل والدهما، بسبب مطالبتهما المتكررة بنصيبهما من الميراث، ولم تجدا أمامهما خياراً سوى اللجوء للقضاء، للحصول على حقهما فى ميراث والدهما، وانتقل النزاع بينهم إلى ساحة محكمة سوهاج، التى أحالت الدعوى إلى «الخبير»، لحصر تركة الأب، وتحديد أنصبة الورثة.
الأخت الصغرى «هناء»، معلمة، تبلغ من العمر 55 سنة، تحدثت لـ«الوطن» عن همومها التى أثقلت كاهلها وهى فى هذا العمر، وقالت إنها نشأت فى أسرة مترابطة، فوالدها كان موظفاً بسيطاً، إلا أنه كافح طويلاً لتأمين مستقبل أبنائه، وأضافت أن والدها ووالدتها أنجبا بنتين و4 أولاد، وترتيبها فى الأسرة الثانية، بعد شقيقتها الكبرى «فاتن»، البالغة من العمر 57 سنة، أما أشقاؤها من الذكور، فأكبرهم «محمد»، وأشارت إلى أنها تزوجت وأنجبت بنتين وولدين، أنهوا جميعهم دراستهم الجامعية، كما أن شقيقتها تزوجت هى الأخرى، وأنجبت 3 أولاد وبنتين.
وتابعت أن والدهم توفى سنة 2000، بعد صراع مع المرض، وبدأت معاملة شقيقها «محمد» تتغير بشكل كبير، حيث «بدأ يتحدث عن الميراث وكأنه ملك خاصة له ولأشقائه الذكور، ومرت السنوات ولم يكن يخطر ببالنا أن الشقيق يريد الاستيلاء على الميراث لنفسه، ومع مرور الأيام، وكثرة الأعباء المالية، بسبب مصاريف الدراسة، بدأت أطالب بمبالغ مالية من شقيقى، لكى تساعدنى فى تربية أبنائى، إلا أنه أخبرنى بأن ما تركه الوالد هو ميراث فقط لأولاده الذكور، ولا يحق للبنات الحصول على أى شىء منه»، وأضافت أن «رد شقيقى أصابنى بالصدمة، ولكن الصدمة الأكبر كانت بسبب رد فعل والدتى، التى أعلنت رفضها منحنا أى شىء من الميراث، وأنها لن تسمح بأن تذهب تركة والدنا إلى أشخاص أغراب».
وأضافت «هناء» أنها بكت كثيراً، هى وشقيقتها «فاتن»، بسبب ما وصفتها بـ«قسوة» شقيقها ووالدتهم، ولفتت إلى أنها أبلغت عدداً من أفراد العائلة، وطلبت منهم التدخل لدى شقيقهما، للحصول على حقهما فى الميراث، إلا أن شقيقها رفض إعطاءهما أى شىء، كما رفض جميع الوساطات، بل ورد على كل من حاول التحدث إليه بأن «هذا الأمر ليس فيه نقاش، ولن يترك أشخاصاً غرباء يتمتعون بثروة والدهم»، وأوضحت أن والدها ترك لهم ميراثاً عبارة عن عمارة مكونة من 5 طوابق مؤجرة، وبرج سكنى مكون من 11 طابقاً، ومزرعة فى محافظة المنيا مساحتها 14 فداناً، وقالت: «بعد وفاة والدنا لم يمنحنا شقيقنا مليماً واحداً من الميراث»، مشيرةً إلى أن شقيقتها «فاتن» مريضة وتحتاج لعلاج بمبالغ كبيرة، وأن نصيبها وشقيقتها، لو تم تقسيم «تركة» والدهم بين جميع الأبناء بالعدل، يبلغ نحو 10 ملايين جنيه. وأكدت أنها وشقيقتها لم تجدا خياراً أمامهما سوى اللجوء للقضاء، للحصول على حقهما بالقانون، وبعد أن رفعا دعوى قضائية أمام محكمة سوهاج، استشاط شقيقها «محمد» غضباً، ووصل الأمر إلى التعدى عليهما بالضرب، وطردهما من منزل والدهم، وهددهما بأن «من تتجرأ وتأتى للمنزل مرة أخرى، لن تخرج إلا جثة هامدة»، وأضافت أنه «مع شعوره بأن المحكمة فى النهاية ستنتصر للحق، وسنحصل على حقوقنا بالقانون، أرسل إلينا مع أحد الوسطاء، يطلب منا التنازل عن القضية، ومنحنا 500 ألف جنيه، فرفضنا، بعدها عرض علينا مليون جنيه، إلا أننا أبلغناه بأننا لا نريد إلا ما قرره الشرع، وسنأخذ حقنا بالقضاء».
وأشارت إلى أن المحكمة قررت إحالة الدعوى إلى «الخبير»، لحصر وتقدير تركة الأب، ونصيب كل وريث من الورثة، وأكدت أنها ستستمر فى السير بإجراءات القضية للحصول على حقها، مؤكدةً أن هذا حق أبنائها عليها، ولن تفرط فى ميراث والدها.
{long_qoute_2}
كشفت دراسة بحثية بجامعة قنا عن «الواقع المرير»، الذى تعانيه معظم النساء فى محافظات الصعيد، وخاصةً فى محافظتى سوهاج وقنا، حيث أكدت الدراسة، التى أعدتها الدكتورة سلوى محمد المهدى، مدرس علم الاجتماع بكلية الآداب، أن نسبة تقترب من 95.5% من النساء فى كلتا المحافظتين «محرومات من الميراث»، بسبب الثقافة السائدة بأن الميراث سينتقل إلى أشخاص أغراب عن العائلة، فى حالة منح النساء حقوقهن فى الميراث. واعتبرت الدراسة، التى جاءت بعنوان: «ميراث المرأة فى الصعيد بين الواقع والمأمول»، أن المرأة فى «المجتمع الصعيدى» تعانى الظلم والقهر، بسبب ما تتعرض له من ممارسات «العنف الاقتصادى»، والتى تتمثل فى حرمانها من الميراث، ولفتت إلى أن هذه المعاناة قد تطول لفترة من الوقت، بسبب العادات الموروثة بين أبناء المجتمع. وتحدثت الدكتور سلوى المهدى لـ«الوطن» عن نتائج دراستها، وأكدت أنها أثناء دراستها لظاهرة حرمان المرأة من الميراث، اكتشفت أن هناك عدداً من القضاة ورجال الدين أكلوا حقوق شقيقاتهم، ورفضوا إعطاءهن نصيبهن فى الميراث، وأوضحت أنه عندما تحدثت لإحدى السيدات، وحثتها على رفع قضية للحصول على ميراثها، أخبرتها السيدة بأن شقيقها قاضٍ، فلمن تكون الشكوى، وهو المخول بإعطاء حقوق الناس، ولا يعطى شقيقته حقها.
وأضافت أنها التقت إحدى الحالات، رفض شقيقها وهو «رجل دين»، منحها نصيبها من الميراث، معتبرةً أنه «أمر فى منتهى الخطورة».
وأشارت «المهدى» إلى أن دراستها شملت محافظتى سوهاج وقنا، لأن نسب «المرأة المعيلة» فى هاتين المحافظتين من أعلى المعدلات على مستوى الجمهورية، حيث تصل نسبة «المرأة المعيلة» فى سوهاج إلى 24%، بينما تصل فى قنا إلى 22%، كما لفتت إلى أن هناك دراسة أخرى عن «التعداد الزراعى فى مصر لعام 2000»، أظهرت أن النساء لا يمتلكن إلا نسبة ضئيلة من الأراضى، مقارنة بالرجال، حيث تبلغ نسبة النساء المتملكات 7.5% من إجمالى النساء، وتبلغ جملة ممتلكاتهن 432 ألف فدان، بنسبة 5.1% من إجمالى الأراضى الزراعية، بينما يبلغ إجمالى ما يمتلكه الرجال نحو 8.4 مليون فدان.
وتابعت أن دراستها اعتمدت على «عينة عشوائية»، شملت 200 امرأة عاملات وغير عاملات، حاصلات على مؤهلات، ممن لهن ميراث، وتبين أن 92% منهن لديهن أبناء، وأظهرت الدراسة أن الأب هو «المورث الأول»، بنسبة 67%، بينما حصلت 20% على ميراثهن من الزوج، كما كشفت الدراسة أن 4.5% فقط من النساء اللائى شملتهن الدراسة، أخذن ميراثهن دون المطالبة به، وأن 59.5% تم حرمانهن من الميراث، بينهن 57% طالبن بميراثهن، مقابل 43% لم يطالبن به. وأثبتت الدراسة أن نسبة تُقدر بنحو 38% لديهن يقين بأنه من المستحيل حصولهن على ميراثهن، فى حين أن 29% اعتبرن أن تقاليد العائلة تمنعهن من المطالبة بميراثهن، و23% لم يطالبن بالميراث أساساً حتى لا يخسرن أهلهن، و10% جاءت إجاباتهن مختلفة، حيث أجابت 3 سيدات بأن مطالبتهن للميراث ترتبط بـ«العيب»، وأن «الناس حتقول علينا إن أهلنا ماعرفوش يربونا، وفتحنا عنينا فيهم، وتجرأنا لنطالب بالميراث»، بينما أجابت 5 بأنهن اكتشفن أن والدهن كتب أملاكه لأبنائه الذكور فى حياته، حتى لا يقتسم معهم البنات بعد وفاته.
وحاولت الدراسة الإجابة عن تساؤل: «ماذا حدث بعد أن طالبت 57% ممن تم حرمانهن من الميراث بحقوقهن؟»، فكانت النتيجة «صادمة»، حيث تبين أن 48% منهن لم يحصلن على شىء على الإطلاق، مقابل 34% أخذن جزءاً من حقوقهن، أما من استطعن أن يأخذن ميراثهن كاملاً، فكانت نسبتهن نحو 18%، مما يؤكد على أن «الموروث الثقافى الخاطئ فى الصعيد، وبالتحديد فى محافظتى سوهاج وقنا، لا يميل لتوريث الإناث»، وهذا ما برهنت عليه الدراسات التى اعتمدت عليها الدراسة، بارتفاع نسبة معدلات النساء الفقيرات مقارنة بالرجال.
كما تساءلت الباحثة عن كيفية تصرف عينات الدراسة، اللاتى لم يأخذن شيئاً على الإطلاق من الميراث، فجاءت نسبة 35% منهن بأنهن قطعن علاقتهن مع الأهل، بعد رفضهم إعطاءهن ميراثهن، بينما فضلت 42% «التزام الصمت وتفويض الأمر لله»، وقال عدد منهن أثناء المقابلة: «ما باليد حيلة»، فيما أعربت 13% عن أنه مازال لديهن أمل فى الحصول على ميراثهن، بعد أن قمن بدعوة عدد من الأصدقاء والمقربين، ليقوموا بدور الوساطة عند الأهل، وكانت نسبة من تصرفن بجرأة، وأقدمن على إقامة دعاوى قضائية أمام المحاكم، لا تتعدى 10% فقط.
وأثبتت الدراسة وجود فروق بين المستويات التعليمية المختلفة فى المطالبة بالميراث؛ فكلما زادت درجة تعليم المرأة حرصت على المطالبة بميراثها بل وتصر على الحصول عليه كاملاً وترفض «الرضوة»، وهى فتات من الميراث يعطى للمرأة إذا ما طالبت بميراثها كترضية لها، ولابد أن توقع على مستندات رسمية بعدها بأنها حصلت على ميراثها كاملاً.
واختتمت الدكتور «سلوى المهدى» حديثها لـ«الوطن» بقولها إنه «رغم تزايد الهتافات فى الفترة الأخيرة، التى تنادى بدور المرأة فى التنمية، إلا أن المرأة الصعيدية محرومة من الحصول على حقها الشرعى فى الميراث، بفضل الموروث الثقافى، الذى يُجرم على المرأة المطالبة، وإن فعلت فقد ارتكبت جرماً شديداً.
{long_qoute_3}
«كانت المرأة، قبل الإسلام، تُعد من متاع البيت، تورث مثل المتاع، ولا يتم منحها شيئاً من الميراث، بحجة أنها لا تقاتل ولا تدافع عن العشيرة»، بهذه الكلمات بدأ وكيل المنطقة الأزهرية بمحافظة سوهاج، الشيخ عمر مصطفى يونس، حديثه لـ«الوطن» عن حق المرأة فى الميراث، مؤكداً أن الإسلام أنصف المرأة، وأعطى لها حقوقها، إلا أن بعض المسلمين يصرون على إجحافها حقها، بالمخالفة لتعاليم الدين، إما عمداً، أو جهلاً بالتشريع.
وأشار «الشيخ يونس» إلى أن العرب قديماً كانوا يقولون: «كيف نعطى المال لمن لا يركب فرساً، ولا يحمل سيفاً، ولا يقاتل عدواً»، لتبرير عدم توريث المرأة، مثلها فى ذلك كالوليد الصغير، ولكن عندما نزلت آيات المواريث، كبُر ذلك على العرب، لأنه جاء مخالفاً لما اعتادوا عليه وألفوه»، مؤكداً أن الإسلام هو الذى رفع الظلم عن المرأة، فيما يتعلق بإرساء حقها فى التوريث.
وأوضح أن سبب نزول آيات المواريث أن امرأة «سعد بن الربيع» جاءت إلى رسول الله بابنتيها من «سعد»، وقالت: «يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قُتل أبوهما معك فى أُحد شهيداً، وعمهما أخذ مالهما، فلم يدع لهما مالاً، ولا تُنكحان إلا بمال»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقضى الله فى ذلك»، فنزلت آية المواريث «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِى أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ»، فأرسل رسول الله إلى عمهما أن «أعط ابنتى سعد الثلثين، وأمهما الثمن، وما بقى فهو لك». وتابع وكيل الأزهر بسوهاج قائلاً إن «المال من متطلبات الحياة، التى لا غنى عنها، فقد حرص الله على بيان قسمته بين الورثة، مع الوضع فى الاعتبار حقوق وواجبات الفرد فى المجتمع من الجنسين، حتى لا تقوم النزاعات بين البشر، ويرتضى كل وارث بنصيبه، ما دام منزّلاً من عند الخالق عز وجل». وأضاف أن «ما جاء فى النصوص القرآنية من فروق بين الرجل والمرأة فى الميراث، لم يأت جزافاً، لكن طبقاً للواجبات المنوطة بكل منهما فى المجتمع»، لافتاً إلى أن «الميراث نظام اقتصادى أقره الإسلام على أسس عادلة واضحة الأحكام»، للحفاظ على المجتمعات، إذ يعتبر الإرث أحد أهم مصادر تملّك الأموال، التى تدور حولها معاملات الناس فيما بينهم، وجدد تأكيده على أن «الإسلام كرّم المرأة وأعلى من شأنها، لكن بعض المسلمين هم من أهانوها، واستولوا على حقوقها الشرعية، بحجب الإرث عنها».
وأوضح أن كون المرأة تأخذ فى الميراث نصف نصيب الرجل، وذلك لحكم كثيرة، من بينها أن المرأة لا تُكلف بالإنفاق على أحد، بخلاف الرجل المكلّف بذلك، كما أن المرأة «مكفية المؤنة والحاجة»، فنفقتها واجبة على الرجل، والإسلام هو من أنصف المرأة ورفع عنها كامل الظلم، وورثها وكرمها، وأصبحت تأخذ فى الميراث فى بعض المسائل، أكثر من الرجل.
وأكد «الشيخ يونس» أن «ما نراه فى هذه الأيام من ظلم للمرأة فى الإرث، ومخالفة شرع الله، من الأمور التى يجب أن نتوقف عندها جميعاً، وخاصةً علماء الدين من الأزهر والأوقاف»، ودعا إلى ضرورة تنظيم حملات توعية فى المساجد، ودواوين العائلات، كما «على الإعلام تسليط الضوء على تلك الظاهرة التى لا يقرها الإسلام، وإنما هى من عادات الجاهلية».