زومبى التواصل الاجتماعى

نهى جوده

نهى جوده

كاتب صحفي

قارئى العزيز، تعرف فلان؟ طبعا ده حبيبى، عامل له follow  متابعه على السوشيال ميديا؟ لأ، يبقى متعرفوش، فى عالم التواصل الاجتماعى يعيش الكثير من الأشخاص متخفيين فى شخصية افتراضية لا تمت لحقيقتهم بآى صلة -وربما تمت- بدافع تحقيق شهرة أو شفقة افتراضية وفقا لرغبة الشخص ذاته، مما يغرقك فى حيرة لاختيار الطريقة المثلى للتعامل مع هذا الشخص المفترض أنه صديق وأنك تعرفة جيدا، هل كان يخدعك طوال تلك الأعوام أم أنه يخدع المتابعين؟ فتأخذك دوامات التفكير إلى تفسيرات سيكوباتية علمية عميقة وأسئلة فزلكية وجودية سخيفة، فتتساءل هل السوشيال ميديا مرآة الحقيقة تكشف الجانب الغامض المظلم فى جوانب شخصية الإنسان نتيجة الجرأة المكتسبة من الكتابة خلف "التاتش سكرين" الشاشة؟! مهلاً.. ماهذا التفسير؟!  أعتقد أن السبب أتفه بكثير وأقل شأنا من كل هذا العمق.

إنها اللعبة.. لعبة التواصل الاجتماعى، لعبة التظاهر والقرع الاجتماعى، لعبة الفشخرة الافتراضية، إنه التسابق على تحصيل أكبر قدر ممكن من الإعجابات likes، والمتابعين followers، إنه الانتشاء بأكبر score كم من الاهتمام الافتراضى والشعور بالأهمية الرقمية الغائبة فى العالم الواقعى، إنها تعويض افتراضى للنقص الحقيقى فى الواقع، خاصة إذا كنت فى بيئة تقدر أهميتك من صفحتك، لأن ببساطة إذا كنت تعيش واقع سعيد فلماذا تحتاج لإضاعة ثانية من هذا الوقت فى واقع افتراضى؟!

فلندع هؤلاء المدعين يفعلوا ما يحلوا لهم ولترقد منشورتهم فى الجحيم الافتراضى، ولنقف لحظة تأمل لتكريم خاصية unfollow، إنها الفردوس فى جهنمهم، إنها الغاية والوسيلة للحفاظ على استمرارية العلاقات بكل أنواعها فى الواقع الذى نحياه، بسبب تلك الإضافة الصغيرة أصبح من السهل الحفاظ على صداقاتك دون الاضطرار إلى تحمل هُرائهم وسخافتهم ونفاقهم الافتراضى، أو حتى الاضطرار إلى وقف حساباتك على كل تطبيقات السوشيال ميديا، ولكن عليك أن تستخدمها بحذر وبانتقائية، وإياك أن تخشى استخدامها على الجميع لأن الضرورات تبيح المحظورات، لا تضع أى شخص مهما كانت مكانته فى قلبك فوق الـ unfollow، ومن الضرورى لصحتك النفسية أن تتخذ هذا القرار إذا كنت مزنوق وسط مجموعة من الحسابات لشخصيات تتصف بما يلى:

• شفاط الطاقة

إنه الشخص الذى يمثل المنبع الرئيسى لخام الطاقة السلبية، والتى تنتشر بمجرد ظهور اسمه أمامك أثناء تصفحك المعتاد، هذا النوع من الحسابات قادر أن يضرب بإيجابيتك المكتسبة عرض الحائط الافتراضى ونوافذه وشقوقه، إنه الأستاذ ممتاز فى فيلم فول الصين العظيم، إنه إله السلبية فى العالم الافتراضى، وقد يكون فى الواقع بالعكس تماما، ولكنه اختار أن يجعل من نفسه مصدرا لرزاز السلبية المتناثر فى الهواء، بل ويستمتع باستنشاقك له وبظهور آثاره الجانبية على حياتك كفيروس لعين، إنه غراب السوشيال ميديا ناقل عدوى الأخبار المشؤومة، أرجوك احمى نفسك من التعرض له يوميا والتقاط العدوى، واختر القضاء على تأثيره بالـ unfollow، وتذكر أن الوقاية خيرا من العلاج .

• مدعى الحسد

دائما أشفق على هذا النوع من الأشخاص وأسخر من تفاهته، ليس لإيمانه بالحسد، ولكن لتصوره أن هناك من يحسده على حياته التى يُخيل له أنها مثالية ويتمناها الجميع، ويعتقد أنه قام بإنجازات اجتماعية عظيم، علمياً سبقته إليها جميع الفصائل الحيوانية، هذا النوع هو متسول الاهتمام ولفت الانتباه إلى حياته التى فى واقعها قد تكون بائسة ومملة للدرجة التى جعلته يصور مصائبه ويكتب منشورات يومية يطلب فيها من الأصدقاء الكف عن التركيز فى حياته والنظر الى غنائمه، لاعتقاده أن هذا المنشور post  الجهنمى سيدمر تأثير العين الشريرة التى تلاحقه، إن لم يكن هو العين الشريره التى تلاحقه وتلاحق من حوله، على اعتبار "ما يحسد المال إلا أصحابه"، لا أعتقد أن هذه العين تتمتع بنفس القدر من البلاهة ليجعلها تلاحق هذا الشخص بعينه وتترك العظماء وأثرياء هذا الكوكب، هذا الحساب يستحق الـ block وليس الـ  unfollow.

• الناقد الافتراضى

فلنرحب بالجهبذ والعلّامة صاحب الرأى الراجح والبصيرة الثاقبة فى الـtrend ، حقيقة لا أعلم دون هذا النوع من الشخصيات ماذا سيكون مصير الرأى الافتراضى، إنه الشخص الذى يقحم رأيه فى كل وأى تعليق خطر لك أن تكتبه، إنه المحلل الاستراتيجى للترندات، صاحب النظريات الفلسفية والفزلكية لكل ما يثار ويكتب على السوشيال ميديا، إنه ممثل النخبة المثقفة وصاحب الرأى الذى لا يخلو منشور لدى أى شخص فى العالم دون رأيه، والذى لم يطلبه جنس مخلوق على وجه الأرض، هذا الرجل حمل على عاتقه وضع رأيه الذى لا يثرى البشرية بشيئ فى ما لايعنيه، ونصّب نفسه ناقداً افتراضياً لأنه ليس أكثر من نكرة واقعيا لم يأخذ أى شخص بأراءه فى شيئ فقرر أن يفرضها علينا افتراضيا.

• مقصوده ومشتاقتها

هذا الشخص أتفه بكثير من أن يأخذ من وقتى فى الكتابة ووقتكم فى القراءة لكى نفكر فى الظاهرة المفسرة لوجوده، كما يتضح للجميع هذا الشخص يعانى من مشاكل فى القدرة على مواجهة مشاكله ومصارحة الآخرين بما يكتمه فى قلبه من ردح وسب ولعن.. وإلخ، فلتدعى له بالشفاء العاجل ونتمنى له أن يجد الشجاعة الكافية لمواجهة أعداءه بعد أن تضغط على unfollow.

إن كنت لا زلت تتذكر عنوان المقال فلابد أنك تتساءل ما علاقة عنوان المقال بمحتواه؟! أولا عليك أن تعيد قراءة العنوان مرة أخرى للتتذكر ولنتفكر سويا، "الزومبى" كما شاهدناه فى أفلام الخيال العلمى هو مخلوق مرعب مفترس آكل للحوم وعقول البشر، يولد بعد موت الإنسان نتيجة لعدوى تصيب البشر وتحولهم لموتى أحياء تحركهم غرائزهم الأساسية، عند مقارنة جميع ما سبق بتعريف "الزومبى" تجد أن الإنسان الطبيعى بعد تعرضه لفترات طويلة للسوشيال ميديا تصيبه عدوى افتراضية تلتهم عقله وكيانه وتحوله "لزومبى" يتغذى على طاقات وعقول البشر الآخرين ليحولهم لتابعين followers، يؤثر فيهم وفى حياتهم تأثيرا مباشرا أو غير مباشر، ليصابوا جميعا فى النهاية بهوس أو مرض التواصل الاجتماعى، ويبدأ كل منهم ينقسم إلى نوع من الأنواع السابق ذكرها.

لكى تحمى نفسك من عضات "زومبى التواصل الاجتماعى" عليك أن تستخدم درع unfollow، إنه تطعيم واقى وعازل ضد الآثار الجانبية المحتملة لمتلازمة التواصل الاجتماعى.