هاربون من التعليم الأزهرى: نرسب رغم التفوق لعجزنا عن الفهم.. واخترنا «العام» بحثاً عن النجاح

هاربون من التعليم الأزهرى: نرسب رغم التفوق لعجزنا عن الفهم.. واخترنا «العام» بحثاً عن النجاح

هاربون من التعليم الأزهرى: نرسب رغم التفوق لعجزنا عن الفهم.. واخترنا «العام» بحثاً عن النجاح

مع تزايد حالات الهروب من التعليم الأزهرى، عاماً بعد آخر، وضع الأزهر قيوداً تعجيزية على حركة الانتقال من المعهد للمدرسة، وأقام حاجزاً من التكتم والسرية الشديدة على معدلات الانتقال منه إلى مدارس التربية والتعليم، وحينما أراد الشيخ جعفر عبدالله، رئيس قطاع المعاهد السابق، أن يكون أكثر شفافية من قيادات المشيخة وأعلن فى جرأة أنه فى العام 2015 انتقل أكثر من 50 ألف طالب من الأزهر إلى التربية والتعليم، وأن الأسباب التى أبداها أولياء الأمور والطلاب كأسباب للانتقال قيد البحث والدراسة لتفاديها، كلفته شفافيته منصبه فأقيل بعدها بأسابيع قليلة، وعقب إقالته أخذت قيادات المشيخة المسئولة عن التعليم الأزهرى وعلى رأسها الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر، المسئول الأول عن التعليم بالأزهر، وضع ضوابط عديدة لمنع انتقال الطلاب وهروبهم من التعليم الأزهرى.

«الوطن» عايشت حالات العديد من طلاب الأزهر الهاربين أو من يحاولون الهروب ويسعون له، للتوقف على أسباب تركهم للتعليم الأزهرى، ويقول أحمد هنا، ولى أمر «أسماء» التى انتقلت من الأزهر للتعليم العام: «الدراسة الأزهرية شديدة الصعوبة، فقد أدخلت ابنتى الأزهر لحفظ القرآن والالتزام بالدين، فنحن أبناء عائلة ريفية محافظة وعريقة تعيش بمحافظة الشرقية، لكن صدمنى تعدد المواد وتشعبها وصعوبة الدراسة، فابنتى كانت تدرس بالصف الأول الإعدادى أكثر من 12 مادة، وكلها مواد حشو لا فهم فيها، مهما حاولت فهى مواد حشو وحفظ، وعانت ابنتى كثيراً فى الصف الأول الإعدادى ثم انهارت درجاتها بشدة فى الصف الثانى، فنقلتها على الفور حتى لا أفاجأ بملاحق أو رسوب، وأضاف: وأحضرت لها مدرس قرآن كان يحفظها بالمعهد ليحفظها بالبيت، والآن هى مستقرة فى التعليم العام وحالتها النفسية هادئة بعد صراع طويل لعامين مع مناهج الأزهر، فقد لاحظت على ابنتى الانطواء التام والانعزال عن المجتمع المحيط بها، نظراً لكثرة ساعات المذاكرة وتعدد المواد، وكان هذا أكثر ما خشيت منه على ابنتى فقد صارت منطوية ومعزولة وهذا أمر مرعب لطفلة فى عمرها، فقد شعرت أن ابنتى فى حالة ضعف نفسى وذهنى بسبب كثرة المواد تلك، لذا نقلتها من التعليم الأزهرى وتحسنت حالتها بشكل كبير».

{long_qoute_1}

وقال إسلام عبدالله، طالب بالصف الأول الثانوى، أحاول بشتى الطرق الهروب من التعليم الأزهرى ولكن بلا جدوى، فقد أغلق الأزهر باب الانتقال منه فى وجهى بمنعه الانتقال بعد الصف الثانى الإعدادى، ويضيف «استطعت تحمل صعوبات التعليم الأزهرى طوال المرحلتين الابتدائية والإعدادية، لكن فى المرحلة الثانوية الأمر بات مختلفاً، فالمدرسون سيئون وإدارة المعهد أسوأ منهم، وأضطر لأخذ دروس فى جميع المواد التى تبلغ 14 مادة، وهو ما يرهق كاهل والدى»، ويقول عبدالعظيم أحمد من المنوفية: «أحاول نقل ابنى من الصف الخامس الابتدائى للتعليم العام، وعلمت أنهم سيعيدونه عاماً إلى الوراء، أى يمكن أن يعود للصف الرابع مرة أخرى، ومع ذلك أتمنى نقله لكنهم يرفضون بسبب شرط الكثافة الذى وضعته مشيخة الأزهر حجر عثرة حتى لا يستطيع أحد الانتقال من الأزهر، هم يوهموننا أن شرط الكثافة سيتم إلغاؤه ثم يفاجئونا أنه لن يتم إلغاؤه، وحينما نغضب ونثور أمام قطاع المعاهد، يؤكدون أنه سيتم إلغاؤه ثم يعودون فى وعودهم، وبين وعودهم المكذوبة والعودة فيها نعيش نحن أولياء الأمور الراغبين فى نقل أبنائهم فى عذاب، فأبناؤنا لن يستطيعوا الاستمرار فى الأزهر، وقد أدخلته الأزهر لقرب المعهد من البيت لا أكثر، على أمل نقله بعد ذلك، ويبدو أننى أخطأت فى حق ابنى، وأضاف: نبحث عن مسئول كبير ليتدخل ويحل لنا أزمتنا، وقبل توفير هذه الواسطة لن نستطيع نقل أبنائنا بحسب من نقلوا أبناءهم من قبل».

ومع فتح باب التحويل من التعليم الأزهرى إلى العام فى مدينة المنصورة، شهد مركز استقبال الطلبات زحاماً ومشاجرات بين المواطنين، بسبب الخلافات على أولوية التحويل، بعد تقديم جميع الأوراق المطلوبة، وقال ولى الأمر محمد على، «ابنى حصل على 60% فقط فى الصف السادس الابتدائى الأزهرى، رغم أن مستواه العام جيد، لهذا قررت تحويله إلى التعليم العام، فعدد المواد فى التعليم الأزهرى ضعف العدد فى العام»، وأضاف «المدرسون فى التعليم الأزهرى عددهم غير كاف، كما أن مستواهم ضعيف، بالإضافة إلى أن ابنى يدرس مواد شرعية بجانب كل مواد التعليم العام»، موضحاً «كنت مقتنعاً بالتعليم الأزهرى، لكن فوجئت بأننى لا أجد أى مدرس أو شيخ للمعهد حتى الساعة 12 ظهراً، عندما كنت أزور ابنى أثناء اليوم الدراسى، وشكوت هذا الأمر أكثر من مرة دون جدوى، كما أننى لا أستطيع أن أعطى ابنى دروساً فى كل المواد، لأنه يدرس ما يزيد على 20 مادة».

وقالت ربة المنزل سلوى عبدالمقصود، «الميزة الوحيدة فى التعليم الأزهرى هى قبوله الأطفال فى سن أقل من التعليم العام، فابنى بدأ الدراسة قبل أقرانه بسنة كاملة، إلا أننى فوجئت به يرسب فى المرحلة الإعدادية، فقررنا نقله إلى التعليم العام حرصاً على مستقبله، خاصة أن أمامنا نماذج شديدة السوء فى بعض المعاهد، فلا تدريس ولا انتظام»، مشيرة إلى أن «إجراءات النقل شديدة الصعوبة، وتتطلب الحصول على العديد من الموافقات والتوقيعات، لكن رغم هذه الصعوبات إلا أننى قررت استكمالها إلى النهاية».

وشكا ولى الأمر سامى خليل من سوء تعامل الموظفين المكلفين بتسلم أوراق التحويل، موضحاً: «أنهينا جميع الإجراءات فى الأزهر، ورغم أن دور المدرسة يقتصر على تسلم الأوراق، إلا أننا نعانى من البطء الشديد فى تسلمها، كما أن تجميع المحافظة كلها فى مدرسة واحدة أثار العديد من المشاجرات بين أولياء الأمور على أولوية التقديم، وفوجئنا بضياع الأوراق الخاصة ببعض المتقدمين».

ولم تختلف شكاوى أولياء الأمور فى الغربية كثيراً عنها فى الدقهلية، مثلما لم تختلف الدوافع للتحويل من «الأزهرى» إلى «العام»، وهى صعوبة المناهج وكثرة عددها، ما يؤدى إلى حصول الطالب على مجموع منخفض، حسبما قالت الممرضة صباح صابر، مبررة قرار نقل ابنتها إلى التعليم العام، موضحة «نقلت أوراقها بسبب صعوبة المناهج، رغم أن الأزهر متميز فى العلوم الشرعية، لكن مواده الدراسية صعبة».

واعتبر ولى الأمر محمد عبدالستار أن «الثانوية العامة أفضل كثيراً من الأزهرية، بسبب قلة عدد الكتب، وسهولة المناهج، لهذا نقلت أوراق ابنى فور نجاحه فى الصف الثالث الابتدائى»، موضحاً «طالب الثانوية الأزهرية يدرس ما يزيد على 15 مادة، بينما زميله فى الثانوية العامة يدرس 6 مواد فقط»، وأشار العامل سعيد الحبشى، أحد أهالى مركز قطور، إلى أن «العادة جرت فى بعض القرى على أن تلحق كل أسرة واحداً أو اثنين من أبنائها بالتعليم الأزهرى، إلا أن هذه العادة بدأت فى الاختفاء تدريجياً خلال السنوات الأخيرة، مع ارتفاع معدلات التحويل إلى التعليم العام»، موضحاً «بعد خروج ابنتى من المرحلة الابتدائية، فوجئت برسوبها فى الصف الأول الإعدادى الأزهرى، فقررت نقلها إلى التعليم العام، نظراً لعدم قدرتها على استكمال الدراسة الأزهرية، ورفضت زوجتى إلحاق شقيقها الأصغر بالأزهر، حتى لا تتكرر المأساة معه».

ويبرر محمد على، الطالب فى معهد زهرة الأزهرى بالمنيا، رغبته فى التحويل من «الأزهرى» إلى «العام» بصعوبة المناهج، موضحاً «أدرس 17 مادة سنوياً، تشمل جميع المواد الأساسية الأخرى الخاصة بالتعليم العام، مثل العربى، والرياضيات، والجغرافيا، والتاريخ، والإنجليزى، بالإضافة إلى المناهج الشرعية، مثل السيرة، والفقه، والحديث، والشريعة، والتفسير، وأصول الدين، وحفظ القرآن»، وأضاف «يواجه التلاميذ صعوبة كبيرة فى حفظ القرآن بالأحكام والتجويد خلال المرحلة الابتدائية، ما يدفع الكثير منهم إلى التحويل».

وقال حسن مصطفى، الطالب فى معهد صفط اللبن الأزهرى، «كل مشكلتنا هى وجود مواد يصعب استيعابها، مثل الفقه والتفسير، ورغم أن المعلمين يبذلون جهوداً شاقة فى الشرح، إلا أن المحتوى شديد الصعوبة كماً وكيفاً، كما أن الكثير من المدرسين يرفضون إعطاء دروس خصوصية، ولا يوجد اهتمام بالأنشطة الرياضية أو الترفيهية داخل المعاهد الأزهرية، ما يصيب الطلاب بالجمود، ويصعب عليهم تحصيل الكم الهائل من الدروس».

واعترف مسئول فى منطقة طنطا الأزهرية بارتفاع معدلات التحويل إلى التعليم العام خلال السنوات الأخيرة، ما أدى إلى انخفاض كثافة الفصول فيها، موضحاً «عدد الطلاب فى بعض الفصول لا يتجاوز الـ25، بعدما كان يزيد على 40 طالباً فى بعض السنوات، لكن نسبة التحويلات منخفضة فى العام الحالى، مقارنة بالأعوام السابقة، فمع قرب غلق باب التحويل لم تتعد النسبة 10%، ما يرجع إلى إدراك أولياء الأمور لما تشهده المناهج الأزهرية من تطوير»، وأشار إلى أن «الدافع الأكبر وراء رغبة الطالب فى التحويل من الأزهرى إلى العام ليس صعوبة المواد الدراسية فحسب، وإنما بسبب التشديدات من جانب القائمين على العملية التعليمية فى التعليم الأزهرى، وصعوبة الامتحانات، وهى أمور الهدف منها تخريج شباب مؤهل وقادر على مواكبة العصر».

وفى مواجهة انتقادات أولياء الأمور والطلاب، شدد الشيخ جمال عبدالحميد، وكيل معهد المنيا الأزهرى، على أن «التعليم الأزهرى لا مثيل له، وهو لا يقبل التهريج أو إضاعة الوقت، ولا توجد فيه أى مساوئ، كما أن الكثير من العمالقة تخرجوا فى شتى المجالات، ويكفى أن به شعبة إسلامية يلتحق بها الطلاب بعد الصف الثالث الإعدادى، ويتلقون فيها التعليم باللغتين الفرنسية والإنجليزية، حتى يكونوا مؤهلين للسفر فى بعثات دعوية إلى الخارج»، وأرجع «عبدالحميد» ارتفاع معدلات التحويل من التعليم الأزهرى إلى العام لكثرة المواد، وعدم استيعاب البعض لها، موضحاً أن «17 مادة مقررة على كل الفصول الدراسية سنوياً»، وأشار إلى أن «عدم وجود فرع لجامعة الأزهر فى المنيا من أهم أسباب سعى الطلاب للتحويل من التعليم الأزهرى».


مواضيع متعلقة