المناهج.. حشو وتكفير وتعقيدات فقهية وتقارب مع «الإسلام السياسى»

كتب: عبدالوهاب عيسى

المناهج.. حشو وتكفير وتعقيدات فقهية وتقارب مع «الإسلام السياسى»

المناهج.. حشو وتكفير وتعقيدات فقهية وتقارب مع «الإسلام السياسى»

يعيش طلاب الأزهر مأساة حقيقية وصعوبات متزايدة من عام لآخر، وتتمثل الصعوبات فى التعامل مع مقررات دراسية كثيرة تصل لـ14 مادة موزعة على 20 كتاباً، فطلاب مدارس الأزهر منذ نعومة أظفارهم يتعاملون مع كتب عتيقة يفرضها الأزهر عليهم ولا تعى عقولهم البسيطة شيئاً منها، وهو ما يزيد من نسب الرسوب بالأزهر، التى بلغت فى سنة حاسمة كالثانوية الأزهرية أكثر من 30% من الطلاب.

الصعوبات التى يعانى منها طلاب الأزهر تصل إلى القمة حينما يدرس الطالب أموراً متعارضة مع الزمان والمكان وأسلوب الحياة المعاصر، فالطالب يدرس أن الحدود الشرعية كحد الزنا والسرقة أمر واجب وحتمى، ثم يصطدم بتجاوز الحياة للعقوبات البدنية واستبدالها بعقوبات أخرى سالبة للحرية كبديل مناسب، ففى كتب الأزهر يدرس وجوب الحدود وضرورتها، وهذا فى حد ذاته تسليم من الأزهر لأبنائه إلى جماعات الإسلام السياسى ويجعلهم فرائس سهلة ومستعدة للتطرف فى أى وقت. مجموعة من المتخصصين أبدوا اعتراضهم الشديد على الحشو الموجود فى المناهج الأزهرية، حيث قالت د. آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، لـ«الوطن» إن مقررات الأزهر ما هى إلا حشو دون إبداع وتطوير، وتقوم على الحفظ والدش فقط، لذا يجب أن يكون هناك تجديد للخطاب الدينى لدى الطلاب أنفسهم، مؤكدة أن التعليم الأزهرى يعيش مأساة حقيقية، لأنه إذا كانت المؤسسة الرئيسية بقياداتها عاجزة عن تجديد الخطاب الحالى فكيف سيكون هناك إبداع فى الكتب والمقررات التى يدرسها الطلاب؟ وأضاف عبدالغنى هندى، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أن التعليم الأزهرى فى غرفة الإنعاش وإذا لم يكن هناك تحرك قوى سنقرأ الفاتحة عليه، فهناك تقارير لدى الإمام الأكبر تؤكد عزوف المواطنين وأبنائهم عن التعليم الأزهرى والتحويل للتعليم العام، لذا يجب إحداث تغيير حقيقى من خلال تطوير المناهج وإزالة الحشو وإقصاء التفاسير المرتبطة بزمانها ومكانها، فالتجديد والتغيير ضرورة للتوافق مع الزمان والمكان الحاليين.

{long_qoute_1}

وأكد حسين القاضى، الباحث فى شئون الحركات الإسلامية، أن المناهج الأزهرية تحتاج لتغيير جذرى فيما يتعلق بالحشو الزائد فى المناهج، وإقصاء الرؤى الشاذة والمتطرفة والتنبيه على الطلاب أن كل ما جاء فى التراث غير واجب الالتزام به، فهناك فتاوى حياتية ووقتية ومنها الذمى، وهناك مبدأ المواطنة الآن ولا يجب التعامل بالمسميات القديمة، مشدداً على ضرورة تفنيد الفكر المتطرف، حتى ننتقل سريعاً إلى إعادة تثبيت أركان وأعمدة قيم الإنسان المصرى وشخصيته.

وفى إطلالة سريعة على مقررات الأزهر للعام الدراسى 2016/ 2017 والموجودة على موقع الأزهر الرسمى، توجد العديد من السقطات العلمية والمعرفية المثيرة للحيرة والتساؤل حول المسئول عن اختيار هذه الدروس وجعلها مقررة على الطلاب، فالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الذى كان وما زال من أعظم أبواب الفتن فى العصر الحديث وتستغله جميع الجماعات المتطرفة وتنطلق منه فى استباحة المال والعرض، نجده فى كتب الأزهر أمراً واجباً دونما تحديد لمن عليه القيام بهذا الواجب وهو الحاكم الذى يوكل له ويكلف به شرطة ونيابة للقيام عليه، فتجد فى كتاب العقيدة الأزهرية المقرر على الصف الثالث الثانوى وجوب الأمر بالمعروف دونما تحديد لمن يقوم بهذا الدور، وهو ما يفتح باب الفتن على مصراعيه، ويكفر ذات الكتاب من ينكر المعلوم من الدين بالضرورة دونما تحديد لهذا المعلوم الضرورى وحدوده وأوصافه، ليظل باب الإسهاب فى التكفير مفتوحاً ولا يمكن إغلاقه بتحديد واضح لهذا المعلوم الذى يكفر منكره، لمنع الجماعات المتطرفة من استغلال هذا الباب فى نشر فتنها، كل هذه السلبيات فى مقررات الأزهر تؤكد أن الحديث عن التطوير كان مجرد كلام دون واقع ملموس.

{long_qoute_2}

تبدأ معاناة الطالب الأزهرى ومأساته من الصف الأول الإعدادى، فالتلميذ ابن الـ10 سنوات يفاجأ بمقررات كثيرة وغريبة بالنسبة له، حيث يجد 14 مادة بانتظاره، منها مواد يسمع عنها لأول مرة مثل أصول الدين والفقه، الذى يتفرع لأربعة مذاهب يختار منها التلميذ المذهب الذى سيستمر عليه طوال حياته، إضافة للقرآن والتجويد وهما مادتان منفصلتان، والمواد العربية التى تنقسم إلى نحو ومطالعة وخط، ويدرس التلميذ ابن العاشرة فى الفقه أحكام الطهارة كاملة ويقع تحتها 30 عنواناً ثم أحكام الصلاة المفروضة والمسنونة فى 20 عنواناً آخر، تليها أحكام الزكاة من أموال ومواشٍ وزروع وعروض وتجارة وصدقات، ثم أحكام الصيام ويقع تحتها 26 عنواناً، تجد فيها أحكام صيام الحامل والمرضع والشيخ الكبير والمريض، وينتهى كتاب الفقه لابن العاشرة بأحكام الحج والعمرة التفصيلية وسننهما.

وفى كتاب أصول الدين يدرس التلميذ 4 علوم دينية فى كتاب واحد، وهى التوحيد والتفسير والحديث والسيرة النبوية، ويشمل الكتاب مبادئ علم التوحيد والحكم العقلى وأقسامه ثم الإلهيات والواجب لله تعالى والصفات النفسية والصفات السلبية، ويدرس منها تحديداً صفات القدم، صفة البقاء والمخالفة للحوادث والقيام بالنفس والوحدانية وصفات المعانى، ومنها القدرة والإرادة والعلم والحياة والسمع والبصر والكلام، ويدرس التلميذ أيضاً الجائز فى حق الله والمستحيل والآثار المترتبة على الإيمان، يضاف إلى ذلك مقررات 3 مواد أخرى داخل ذات الكتاب وهى التفسير والحديث والسيرة. وتستمر معاناة الطالب خلال المرحلة الإعدادية مع كل هذا الكم من المواد وهذه العناوين والموضوعات الثقيلة على عقل وذهن طفل ينتقل من طفولة إلى مراهقة، وفى المرحلة الثانوية يستقبل هذا الطفل، الذى صار مراهقاً تتنازعه الأهواء والرغبات، 14 مادة مقسمة على قرابة 20 جدولاً، مناهج ينشرها الأزهر على موقعه الرسمى كمقررات ومناهج الصف الأول الثانوى أدبى، حيث تنفك مادة أصول الدين إلى 4 مواد، ويزيد على الطالب مواد البلاغة والثقافة الإسلامية ويتعامل مع كتب تراثية بعضها مؤلف منذ قرابة الألف عام، ففى النحو تجد كتاب شرح ابن عقيل وفى التفسير يدرس كتاب الإمام النسفى المتوفى 710هـ وفى الفقه الحنفى يدرس الطالب كتاب الاختيار لتعليل المختار للإمام مجد الدين أبوالفضل الحنفى المتوفى 683هـ.

وتعد مناهج الفرقة الثالثة من التعليم الثانوى هى الأكثر صعوبة، حيث تزيد موضوعات الكتب بشكل كبير، ومن أول مطالعة للمناهج تفاجئك الموضوعات، فيدرس الطالب فى الفقه المالكى مثلاً النكاح والطلاق والرجعة والخلع والظهار والرضاع والميراث، وأحكام القضاء والشهادة وأحكام البغاة، وتأتى كتب الفقه بالتعليم الأزهرى متقاربة كثيراً مع فكر جماعات الإسلام السياسى، حيث الانفصال التام عن الواقع المعاش، حيث يدرس طالب الصف الثالث الثانوى «الحدود» كعقوبات رغم التوقف التام للعمل بها فى جميع الدول، وهو رأس ما تطالب به جماعات الإسلام السياسى، ويشمل درس الحدود بكتاب المختار من الإقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع فى الفقه الشافعى، العديد من الألفاظ التى لا تليق بأن يدرسها مراهق، حيث الوصف الكامل للعملية الجنسية التى فى ضوئها تكون العقوبة، فالوطء يكون بغيبوبة الحشفة بقُبُل ولو لم تزل بكارة وغيرها من الألفاظ التى لا يحتملها مقام المراهقة ولا التعليم المعاصر. ويشمل كتاب تيسير جوهرة التوحيد المقرر على الصف الثالث الثانوى العديد من مواطن التكفير، فيجب تكفير منكر المعلوم من الدين بالضرورة، بدون توضيح لهذا المعلوم المتفق عليه، فالكتاب لم يورد سوى معلومين اثنين كأمثلة، وهى الصلاة وحرمة الزنا، رغم العلم التام بالخلاف الكبير بين المذاهب والجماعات حول هذا المعلوم من الدين بالضرورة، وأنه باب فتن كبيرة خاصة بعد غياب العلم الشرعى عن الكثير من أبناء المجتمعات الإسلامية، وأنه الباب الأول لداعش لاستباحة التكفير ومن ثم القتل للمسلمين.

ويأتى باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الموجود بكتاب التوحيد وكأنه نقل من المشيخة من كتب داعش وجماعات الإسلام السياسى، حيث يفتح الدرس باب الفتن على مصراعيه بالحديث عن أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أمر واجب، مثلما يؤكد الدواعش دونما توضيح، لأنه واجب يقوم به ولى الأمر، وأن العامة من الناس لا وجوب عليهم إغلاقاً لباب الحسبة وممارسة الناس سلطة على بعضهم البعض وتكفير وسفك الدماء باسم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، خاصة أن ذلك السبب الرئيسى لكل العمليات الإرهابية التى يشهدها العالم الإسلامى، فهم يقتلون ويقطعون البشر أحياء لوجوب الأمر بالمعروف والنهى على كل مسلم ومسلمة.


مواضيع متعلقة