الرقابة و«شارع مصر» و«الفساد فى مصر»

نشوى الحوفى

نشوى الحوفى

كاتب صحفي

لم يعد دور الرقابة الإدارية مقتصراً على مكافحة الفساد المتوغل فى سلوكيات المصريين أو تفاصيل العمل فى مؤسسات الدولة أو حتى مناحى العمل غير الرسمى، تعدّت الرقابة هذا الدور لتتخطاه إلى تفاصيل جديدة تقود فيها ريادة الأعمال وتحطيم البيروقراطية والربط بين مؤسسات الدولة، والرقابة على تنفيذ المشاريع التى يتم الانتهاء منها، وحل مشاكل المستثمرين، وغيرها من الأدوار التى لم تعد خافية عن أعين المواطن البسيط الذى بات مدركاً لحجم ما تقوم به الرقابة فى مناحٍ عدة، إلى حد قول البعض إن الرقابة ظهرت للعيان مع تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى منصبه فى العام 2014. وهو قول يحمل بعضاً من دقة بعد أن هُمّش دور الرقابة فى عهد مبارك وما تلاه من فترة حكم الإخوان.

ويستوقفك فى دور الرقابة الإدارية العديد من المشاريع التى حملت بصمتها، ولكننى أتوقف أمام مشروع شباب مصرى عانى من عدم العثور على ذاته فى عمل يتعيّش منه فاتجه إلى عمل مشاريع صغيرة على عربات يمكن نقلها من مكان لآخر لتقديم المأكولات السريعة والمشروبات الفورية فى شوارع متعددة. وكان رد المحافظة والمحليات هو مطاردتهم كالباعة المتجولين بدعوى أنهم لا يحملون ترخيصاً. وربما كانت ياسمين رحيم التى انتشر لها فيديو على الإنترنت فى شهر أبريل الماضى أشهر نموذج لهذا الحال، وبخاصة بعدما تناولها حديث الرئيس فى مؤتمر الشباب بالإسماعيلية مطالباً الدولة بإيجاد حل لمعاناتهم. هنا تتوقف مع مشروع «شارع مصر» الذى أعدت له الرقابة لحل مشكلات ياسمين ومن شابهها من شباب. مشروع تم افتتاح أول نقطة له من بين 82 نقطة منذ أيام مضت، تسعد بمشهد الشباب وفرحته ومكسبه وإقبال الناس عليهم وفى مقدمتهم ياسمين رحيم. ولكن ينتابك السؤال: ماذا يفعل جهاز الاستثمار فى كل محافظة، ولماذا انتظر الرقابة؟ أو: ماذا تفعل وزارة الاستثمار التى بحاجة للتنسيق مع الصندوق الاجتماعى لتفعيل دورها فى مثل تلك المشروعات لخلق كيانات صناعية صغيرة تكون بمثابة صناعات مغذية للصناعات الكبرى فى مناطق الاستثمار الكبرى، وهو الفكر السائد فى اليابان وسنغافورة والصين؟ السؤال: أين هؤلاء؟

وحينما تأتى لدور الرقابة فى مكافحة الفساد لا بد أن تتوقف عند سؤال: وماذا بعد كشف الفساد؟ على سبيل المثال كما حدث فى واقعة المسئولين عن مخازن التموين الطبى بوزارة الصحة التى تم الكشف عنها يوم السبت الماضى وتم فيها ضبط تشكيل عصابى من موظفى الوزارة وخارجها خلال اختلاسهم أحراز المخدرات المُخزّنة بالوزارة لصالح النيابة العامة والتى تقدر قيمتها بأربعة ملايين جنيه، حيث تم ضبط المتهمين خلال تسليمهم مبلغ الرشوة وقيمته مليون جنيه لمشرف الأمن مقابل تسهيل خروج أحراز المخدرات دون إثباتها. فتلك ليست القضية الأولى من تلك النوعية التى تقوم الرقابة بضبطها والكشف عنها، وأنا أعلم كيف يقومون برصد الوقائع والتحرى عنها بما لا يدع الشك فى صحتها أو يترك لثغرات المحامين فرصة للخروج بموكليهم منها، ولكن: وماذا بعد؟ هنا تتبادر للذهن أسئلة أخرى لا بد من التصدى لها مثل: وأين القضاء ودوره عبر محاكمات فعالة ناجزة تقطع يد الفاسدين وتردع من يفكر فى الفساد والإفساد؟ وأين اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية التى تضع ضوابط الرقابة الداخلية فى مؤسسات الدولة بشكل ينظم سير العمل ويوفر العقاب لمن يتجاوز؟ وأين دور الإعلام والثقافة فى نشر مفاهيم الإصلاح المؤسسى والمطالبة به بدلاً من إضاعة وقت ووعى المواطن فى مغازلته بأنه المطحون وفقط بينما هو جزء كبير وضخم فى منظومة الفساد التى باتت دائماً مبنية للمجهول، وكأن من يمارسها ليس نحن!

نعم، تقوم الرقابة الإدارية بدور عظيم فى بلادى فى المرحلة الراهنة، ولكنها بحاجة لمساندة غيرها من مؤسسات الدولة التى لا بد أن تنهض بدورها بجدية وإلا ضاعت مجهودات الرقابة والدولة معاً.