نحو استراتيجية وطنية للخدمات الإلكترونية.. من أجل التنمية (1)

استوقفنى تشديد سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى على ضرورة التوسّع فى تقديم الخدمات الحكومية الإلكترونية للمواطنين للتيسير عليهم وزيادة كفاءة الأداء الحكومى. لأسترجع تقريراًَ قرأته صدر عن الاتحاد الدولى للاتصالات فى مايو 2010، ولاستحضار الفقرة «85» من أجندة مجتمع المعلومات - تونس 2005، حيث عرض التقرير موقف الدول الأعضاء بالاتحاد من الخدمات الإلكترونية فى قطاعات الدولة المختلفة. وأكدت المادة «85» الدور القيادى والرائد للحكومات فى الشراكة مع أصحاب المصلحة الآخرين، بهدف تنفيذ نتائج المؤتمر العالمى لقمة مجتمع المعلومات 2003، وخطة عمل جنيف لوضع خطة شاملة ومستدامة للاستراتيجيات الوطنية للقطاعات المختلفة كجزء لا يتجزّأ من خطة التنمية الوطنية واستراتيجيات الحد من الفقر.

وفى عرض سريع لبعض الإحصائيات التى أشار إليها التقرير، أنه بحلول أبريل 2010 كان هناك نحو 161 بلداً وإقليماً، أى بما يعادل 84.3% من الدول الأعضاء بالاتحاد، لديهم بالفعل استراتيجية إلكترونية وطنية. بينما على النحو الآخر هناك نحو 14 بلداًَ وإقليماً، أى بما يعادل 7.3% فى حالة صياغة واعتماد لهذة الاستراتيجيات، ونحو 6 دول، أى بما يعادل 3.1% لا توجد لديها استراتيجيات. حينما استرجعت كل هذا وذاك تأملت فى مقولة الساسة الشهيرة «السياسى قناص للفرص»، وهنا.. رئيس الدولة يولى الموضوع قدراًَ عالياً وبالغاً من الأهمية للتيسير على المواطنين ورفع كفاءة الأداء الحكومى، ولتحقيق أهداف التنمية المستدامة ما بعد 2015.

وهو أدعى لأن يجعلنا نتساءل جميعاًَ أين نحن.. وماذا نحن فاعلون، فحسبنا سنوات من الفرص الضائعة، فلقد باتت الخدمات الإلكترونية هدفاً وأسلوباً رئيسياً للحياة.

أين نحن من المفاهيم الثلاثة التى استند إليها الاتحاد فى تقريره السابق الإشارة إليه؟ استراتيجية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل عام، وخطة دفع المجتمع واقتصاده إلى الاقتصاد الرقمى. الاستراتيجيات الإلكترونية القطاعية من خلال تحليل لاستراتيجية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ووضع السياسات العامة لقطاعات محدّدة كالصحة والتعليم.. والاستراتيجيات الإلكترونية القطاعية «sectoral e-strategies» وتحديداً القطاعات التى سيتم البدء بها.

أما ماذا نحن فاعلون للوصول الآمن، فى تقديرى يجب وضع منهج استراتيجى للاستراتيجية الإلكترونية الوطنية وتحليلها، ودمجها فى استراتيجيات الحد من الفقر وخطة التنمية المستدامة 2030، وبناء الثقة وتهيئة المجتمع والعاملين بالجهاز الإدارى للدولة، ودراسة وتحليل معوقات التنفيذ. وقطعاً قبل كل هذا وذاك ترابط وتكامل قواعد البيانات القومية، علاوة على التشريعات والقوانين اللازمة لعرضها للحوار المجتمعى، وإدراجها على الأجندة التشريعية لمجلس النواب فى دور الانعقاد المقبل. وإن يسمح المقام هنا أن أدعو مؤسسة الرئاسة لاستحداث مجلس استشارى متخصص تابع لها لوضع خارطة الطريق لإدارة تنفيذ هذا المشروع القومى، على وجه عال من الاحترافية والتكامل. ولأنى قد أمضيت خمسة عشر عاما ويزيد فى قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كنت وما زلت شاهدا فيها على إبداعات وإنجازات هذا القطاع الرائد بالدولة، فلعلى من خلال هذه السطور أستحضر.. وأغازل.. وأناشد.

أستحضر تاريخ وحاضر -الحاضر الغائب- العالم الجليل الدكتور هشام الشريف «مؤسس مراكز المعلومات ودعم اتخاذ القرار»، وأغازل الطيور المهاجرة -علماء مصر الأجلاء- أخص منهم بالذكر الخبير المصرى الدكتور أحمد الشربينى بالاتحاد الدولى للاتصالات، لمد يد العون ما استطاع. وأناشد المهندس ياسر القاضى لمحورية دور وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وصناعتها. وأخيراًَ وليس آخراً، وللتفعيل من منظور حقيقى على المستوى المجتمعى الشامل، لا من منظور تختلط فيه الطموحات بالواقع وتسقط فيها الفواصل بين الدعاية والترويج من ناحية، والمنفذ فعلياً من ناحية أخرى. أدعو الحكومة لأن تطلق من عاصمتها الصيفية ومن منارة شعاع الفكر والثقافة -مكتبة الإسكندرية- المشروع التجريبى لتنفيذ نموذج متكامل للخدمات الإلكترونية الأكثر احتياجاً للمواطنين على مستوى ثلاث محافظات، ليُعمم بعدها على كل محافظات الجمهورية. لنشهد ملحمة وطنية جديدة تعلى شأن الوطن الحبيب، وللحديث بقية..