حكومة الدروس الخصوصية الموازية

سيد العراقى مدرس فلسفة مفصول من التربية والتعليم ولكنه محترف دروس خصوصية، استطاع ليلة امتحان الثانوية العامة أن يجمع آلاف الطلاب فى استاد كلية التربية الرياضية بالهرم لإعطائهم المراجعة النهائية فى مادة الفلسفة!! مدرجات الاستاد لم تستوعب الطلاب فجلسوا على أرض الملعب، الواقعة معروفة ومنتشرة على الإنترنت وما زالت قيد التحقيق لأن مشهد الاستاد كأنه مباراة كرة قدم.

مراكز (سناتر) الدروس الخصوصية حالياً أعداد طلابها بالمئات، وهناك عمارات كاملة مثل مدرجات الجامعة، بل هى أفضل؛ لأنها مكيفة الهواء ومزودة بشاشات عرض ومكبرات صوت وأجهزة حديثة للحضور والانصراف (البصمة)، بعض هذه المراكز لها أكثر من باب ومداخل ومخارج سرية لزوم الهروب وقت الحملات الأمنية، وبعضها يتستر خلف المساجد والجمعيات الخيرية للحصول على تراخيص وهمية بمزاولة أنشطة خيرية، الدروس الخصوصية أصبحت سرطاناً ينتشر فى جسد الوطن وليست هناك حلول جراحية لاستئصاله، وهى منظومة أقوى من الحكومة نفسها، والقائمون عليها أذكى من الدولة، ولا يوجد طالب فى مصر من أولى حضانة حتى سادسة طب لا يأخذ دروساً خصوصية، فى حين أن مدارس الحكومة خالية من الطلاب والمدرسين.

الدولة تنفق أكثر من 80 مليار جنيه على التعليم قبل الجامعى ومع ذلك الدروس الخصوصية تتزايد والمسئولون دائماً يتحججون بالعجز فى الموارد ويطالبون بالمزيد من أجل بناء فصول جديدة للقضاء على الكثافة الطلابية وأصبح التمويل هو شماعة الفشل رغم علمهم بأن المدارس أصلاً خالية والطلاب يكرهونها وكثافتهم فى الدروس الخصوصية أضعاف المدارس، الحكومة أيضاً تنفق أكثر من مليار جنيه سنوياً على طباعة الكتب وهى تعلم أن الطالب لا يستخدمها وأن مصيرها فى النهاية إلى مطاعم الفول والطعمية، فالاعتماد كله على الكتاب الخارجى.

الكارثة الحقيقية فى الدروس الخصوصية أنها قضت تماماً على دور المدرسة وعلى هيبة المدرس لأنه أصبح فى نظر الطالب سلعة يشتريها بأمواله، كما قضت على منظومة القيم والأخلاق التى كانت تغرسها المدرسة فى نفوس الأطفال منذ الصغر ودمرت الأنشطة التى تشكل وجدان الطالب وتكتشف مواهبه، أيضاً الدروس لا تسمح للطالب أن يستمتع بحياته فالعرض مستمر قبل أن ينتهى من الامتحانات يبدأ فى حجز الدروس الخصوصية للعام التالى.

باعتراف وزير التربية والتعليم الدروس الخصوصية تكلف المصريين 30 مليار جنيه سنوياً تذهب كلها إلى أصحاب المراكز وجيوب المدرسين ومعظمهم إما مفصول من التربية والتعليم أو لا ينتمى إلى المهنة أصلاً مثل خريجى كليات الحقوق والهندسة والتجارة أو حتى مؤهل متوسط، كما أن أصحاب مراكز الدروس الخصوصية ليسوا كلهم مدرسين فهناك إعلاميون وصحفيون وضباط وقيادات فى وزارة التربية والتعليم بل وهناك وزراء سابقون فهى تجارة رابحة.

القضاء على الدروس الخصوصية لن يتحقق إلا من خلال إصلاح منظومة التعليم بالكامل؛ مناهج ومدرسة ومدرس، ويتحول من تعليم للحصول على شهادة لا تسمن ولا تغنى من جوع إلى تعليم لبناء الإنسان الذى يبنى الأوطان.

أفقر ولى أمر فى مصر ينفق آلاف الجنيهات على الدروس الخصوصية، وأعتقد أنه لن يمانع بالمساهمة مع الدولة بجزء مما ينفقه على الدروس فى مقابل أن يتلقى أبناؤه تربية وتعليماً حقيقيين فى المدرسة ويرحمهم من الوجود طوال النهار فى الشوارع من درس إلى درس ومن بيت إلى بيت وما يصاحب ذلك من مخاطر كثيرة.

الحكومة أضعف من مافيا الدروس الخصوصية، ووزارة التربية والتعليم حالياً لا تمتلك سوى التصريحات الرنانة لمواجهة المشكلة وتركت أولياء الأمور يخوضون معركتهم بأنفسهم وللأسف هى معركة خاسرة رغم أن الأفكار كثيرة ولكنها تحتاج فقط إلى إرادة حقيقية للقضاء على مافيا الدروس الخصوصية أما بقاء الحال على ما هو عليه فهو تدمير للوطن والمواطن.