«قويسنا».. مدينة بلا أمان.. وأصحاب المصانع: الشوارع مظلمة والصرف متهالك

«قويسنا».. مدينة بلا أمان.. وأصحاب المصانع: الشوارع مظلمة والصرف متهالك
- أحمد مصطفى
- أعمدة الإنارة
- أفراد الأمن الخاص
- أكوام القمامة
- أمن المنطقة
- إدارة الكهرباء
- إشغال الطريق
- إهمال المسئولين
- ارتفاع أسعار
- أبل
- أحمد مصطفى
- أعمدة الإنارة
- أفراد الأمن الخاص
- أكوام القمامة
- أمن المنطقة
- إدارة الكهرباء
- إشغال الطريق
- إهمال المسئولين
- ارتفاع أسعار
- أبل
سيارة تلو أخرى تدخل محملة بأطنان من المواد الخام، بينما تقابلها صفوف أخرى متتالية محملة بمنتجات مصنعة جاهزة للاستهلاك والاستخدام، نشاط محموم تعج به المنطقة الصناعية الفسيحة التى يعمل فيها آلاف العمال والمهندسين والإداريين على مدار اليوم، بنايات لا تبدو مرتفعة إلى حد كبير لا يمكنك أن ترى بناية تعلو على 6 طوابق، بينما تفصلها شوارع وتقاطعات لا تبدو عليها أنها منطقة صناعية، بل حتى على أطرافها قد تشعرك أنك فى أحد شوارع المناطق العشوائية، لما يصيب الأرض من تعرجات وحفر ومناطق غير ممهدة وترابية، بل أحياناً برك مياه صرف صحى قد تعيق حركة السيارات الكبيرة.
وداخل القطعة رقم «167»، وهى مصنع بلاستيك صغير مساحته 200 متر، يجلس «كمال مصطفى»، الشاب الثلاثينى، الذى يعانى الأمرين ما بين ارتفاع أسعار المواد الخام، وإهمال المسئولين بالمنطقة الصناعية للخدمات المقدمة له، وتركه يواجه تجاهل مصانع المواد الخام الحكومية لطلباته بالحصول عليها لمصنعه، وجعله فريسة لتجار السوق السوداء، فبالرغم من قانونية وضعه وحصوله على ترخيص ومسجل بالمنطقة الصناعية، وكافة أوراقه صحيحة، إلا أنه لا يحصل على حصته من مصنعى «سيدى كرير»، و«إثيديكو» حتى يقوم بتصنيع الأكياس والعبوات البلاستيكية، متهماً أصحاب المصانع بتلقى رشاوى لبيع كميات كبيرة لعدد من محتكرى السوق فى هذه الصناعة، حسب قوله، حيث يقول: «أنا دلوقتى بجيب الخامات من السوق السودا، والمفروض أنا ليّا حصة وكل أما أقدم طلب ما يردوش عليّا أُمال هاصنع إزاى يعنى، فبضطر ألجأ إلى السوق السودا، لأنه كله بيمشى بالرشاوى»، مشيراً إلى أنه لو قامت الشركة الحكومية لتصنيع المواد الخام بتوزيع منتجها بالعدل على المُصنّعين لن تكون هناك سوق سوداء ولا متربحون من استغلال نقص هذه المواد، ويتابع «مصطفى»: «الطن المفروض بـ25 ألف و200 جنيه، أنا بروح أشتريه بـ26 ألف و500 جنيه، فلما أنا آجى أصنع وأعمل شنط وعبوات بلاستيكية هل هعرف أنافس الناس اللى بتاخد المادة الخام بالسعر الأصلى، أكيد لا، فإنتاجى يبقى محدود على قد اللى بعرف أجيبه من السوق السودا، مش عارف أدخل فى منافسة مع حد، وأنا إنتاجى كله فى السوق المحلى هنا»، مشيراً إلى أن عدم الرقابة والإشراف الحقيقى على المواد الخام التى تخرج من المصانع الحكومية تضر بالسوق العام المصرى فى هذه الصناعة، معرباً عن ندمه لإقامته المصنع داخل المنطقة لعدم حصوله على أى مميزات من وجوده القانونى الرسمى قائلاً: «أنا من قويسنا وقلت آجى هنا من 4 سنين علشان يبقى عندى مصنع رسمى وشغال صح، لكن أنا ما استفدتش أى حاجة من الترخيص اللى تعبت وقعدت 3 سنين علشان آخده ودفعت 70 ألف جنيه علشانه، ده أنا لو كنت صنعت فى بيتى وبدون ترخيص كان أحسن»، لافتاً إلى أنه اشترى أرض المصنع من الأساس من خلال السوق السوداء، حيث قام بدفع 3 آلاف جنيه على كل متر رغم أن صاحب المصنع قام بشرائها بمبلغ 300 جنيه للمتر، ما يعنى أنه انتظر حتى «سقع» أرض المصنع ثم قام ببيعه، دون أى حماية من جانب الدولة أو جهاز التنمية الصناعية فى المنطقة.
{long_qoute_1}
وعلق «مصطفى» على إعلانات دعم الصناعات الصغيرة بالقروض الميسرة، قائلاً: «ده كله وهم وكلام فى كلام، أنا رُحت هناك فى بنك مصر اللى داخل المنطقة الصناعية اللى هو معمول لينا أصلاً علشان يخدمنا وطلبت قرض لقيته طالب منى جواب إنى مفحوص من الضرائب 4 سنوات وضمان الزوجات والأهل وتعقيدات مالهاش نهاية، وإعلانات التليفزيون دى فشوش»، مشيراً إلى أنه كان يعمل بمصنعه 37 عاملاً لكن بسبب تعطل إحدى الماكينات وارتفاع سعر الدولار وقطع غيارها وقلة المواد الخام بسعرها الرسمى تم إيقافها عن العمل وتسريح العمال الذين يعملون عليها، فبقى فقط 22 عاملاً»، منتقداً حالة المنطقة الصناعية من طرق غير ممهدة وبوابات أمنية مخلوعة وأكشاك أمن فارغة، قائلاً: «مفيش أمن أصلاً دى البوابات متخلعة ومفيش أمن أصلاً الدنيا مفتوحة على الشارع اللى ورانا».
أما أحمد مصطفى الفخرانى، مسئول العلاقات العامة بشركة إيجيبت فودز لصناعة المنتجات الغذائية التى تأسست عام 1999، فيؤكد معاناة شركته بسبب تقاعس الجهاز الإدارى للمنطقة الصناعية عن أداء المهام المنوط بها، ما يدفع الشركة إلى أن تقوم بتخليص كامل أوراقها مع الجهات الحكومية بنفسها، وهو ما يكبدها جهداً وضياعاً للوقت، وبالتالى بطء حركة الإنتاج، مشيراً إلى أن وظيفة الجهاز الإدارى بالمنطقة هى التنسيق بين المصانع والجهات الحكومية لتسريع عملية التصنيع والإنتاج، موضحاً أن الجهاز الإدارى من واجبه أن يكون حلقة الربط بين المصانع وإدارات الكهرباء والمياه والصرف الصحى، متابعاً: «أنا لو عايز أصلح عمود إنارة المفروض ما أروحش إدارة الكهرباء علشان أطلب ده، المفروض أتصل ولا أروح الشارع اللى جنبى للجهاز الإدارى أبلغ بيه، وهما يتصرفوا إنما لا ده أنا لازم أروح بنفسى وأعمل كل حاجة»، مؤكداً أن الشركة لا تأخذ أى مساعدة من الجهاز الإدارى للمنطقة وأن فقط ما يأخذونه منها هو محاضر إشغال الطريق والمخالفات فقط، وإنما فى الواجبات التى على الجهاز لم ينفذ منها أى شىء، متابعاً: «الموضوع يشمل حتى الإشراف الصحى على الأغذية أنا اللى بروح شبين علشان آخد شهادة ولا أعمل أى إجراء».
وعن الحالة الأمنية، انتقد «الفخرانى» الوضع الأمنى داخل المنطقة الصناعية، وعدم وجود أمن بها فى ظل انتشار حالات السرقة والمشاجرات، موضحاً أن عمال الشركة تعرضوا لحالات سرقة فى المنطقة من جانب بعض اللصوص لا يعرف هويتهم إن كانوا من قرية كفور الرمل الملاصقة للمنطقة الصناعية أم من مناطق أخرى بعيدة، قائلاً: «عندى مثلاً أعمدة الإنارة تبوظ فالدنيا تبقى ضلمة أكلم الناس اللى فى جهاز التنمية الصناعية يقولوا هات لمبة على حسابك، فأنا مهما أقدم خطابات هما يجيبوا اللمبات بتاعة الشارع اللى بتكون جودتها عالية وموفرة، هما يطنشوا فأجيب أنا لمبة بتكون طبعاً مش موفرة تستهلك طاقة أكبر وكمان مش بنفس الجودة، وكل شوية تبوظ، فالدنيا تبقى ضلمة، تحصل بقى حالات سرقة للعمال فى المنطقة»، مضيفاً أنه قبل أيام قليلة قامت الشركة بفصل عاملين تشاجرا مع بعضهما وكان أحدهما من القرية الملاصقة للمنطقة الصناعية فقام إثر فصله من العمل باصطحاب أهله وقاموا بالتجمهر أمام المصنع وتعدوا على أفراد الأمن الخاص بالمصنع وأصابوا فردى أمن وتم تحويلهما إلى المستشفى، وأمن المنطقة جاءوا بعدما انتهت التعديات على المصنع وغادر الأهالى المتعدون على المصنع، مضيفاً أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل يأتون بشكل بلطجة ويطلبون أموالاً من المصنع كإتاوات فى ظل الغياب الأمنى.
وعن الصرف الصحى يقول مسئول العلاقات العامة لـ«إيجيبت فودز»، إن «الشركة لجأت لعمل شبكة صرف صحى خاصة بها تقوم بصرف مخلفاتها فى أحد مصارف القرية المجاورة»، موضحاً أن المنطقة بها شبكة صرف متهالكة لا تتحمل أى ضغط عليها، وأن شركته لجأت لعمل شبكة صرف لها مثل بعض الشركات الأخرى، مؤكداً أن «مصنع الشركة تكون مخلفاته سائلة وغير صلبة أو خطيرة، لأنها تكون نتاج مياه غسل الثمار والبطاطس التى تستخدم فى صنع الشيبسى وأغذية منتجات الشركة، والشركة توقفت عن عمل أى مخاطبات للجهاز الإدارى، بسبب اليأس لأن كل الطلبات لا تنفذ، ويقول لك الموظف إن المحافظة لا تدفع أموالاً ويجب أن تنفقوا من أموالكم الخاصة».
وحول قول رئيس جهاز التنمية الصناعية بالمنطقة إن الشركات عليها أن تنفق على ما تحتاجه، وإنه ليس من المنطقى أن الأموال التى أخذتها الحكومة منهم ثمن أرض المصنع يتم إنفاقها على المصانع مرة أخرى فى شكل خدمات، قال «الفخرانى»: «طيب لما هو الشارع بتاعنا بقى والأرض اشتريناها وخدوا فلوسنا، بييجوا يوقعوا علينا مخالفات ليه طالما الشارع مش بتاعهم وهما مالهمش دعوة، أصلاً الشارع ده وعمود الإنارة ده بتوع الحكومة ما أقدرش آجى جنبه ولا أفك أو أركب حاجة فيه، إنما هما سايبينها كده سداح مداح»، مطالباً بوجود جهة تنسيق حقيقية تعمل كوسيط بين المصانع والجهات الحكومية.
عدد من أصحاب المصانع رفض الحديث معنا خوفاً من تنكيل مجلس إدارة المنطقة الصناعية به، وفرض الكثير من الغرامات والمخالفات عليهم، معربين عن استيائهم مما يجرى داخل المنطقة الصناعية من عدم انضباط وإهمال المسئولين وانعدام الخدمات، بينما كان العكس بالنسبة إلى القابعين خلف أسوار المنطقة الصناعية، وهم أصحاب المصانع المقامة خارج سور المنطقة الصناعية، حيث كان لديهم الكثير من الكلام، بل نداءات وصرخات استغاثة وجهوها للمسئولين للتدخل وحل أزمتهم وتقنين أوضاعهم.
كان أبرز هؤلاء الرجال هو زكريا الفارس، 54 عاماً، أحد أبناء مدينة قويسنا، عاد مقبلاً من إيطاليا بعد فترة عمل طويلة أسس خلالها شركة فى مجال المعمار، يتذكر ذلك الرجل الخمسينى ما كان يجرى فى إيطاليا من تأسيس لشركته، الذى استغرق يوماً واحداً فقط من على شباك واحد، هذا الرجل جاء بعد ثورة 25 يناير 2011 إلى مصر ليضخ فيها أمواله ويؤسس لصناعة ذات جودة عالية «فبلده أولى بكفاحه» لكن يفاجأ الرجل بصدمات متتالية من رفض الحكومة إعطاءه ترخيص مصنع، بعد أن قدم فى المنطقة الصناعية الرابعة ليحصل على قطعة أرض بها ولم يأته الرد، ليقيم مثل عدد من صغار المستثمرين مصنعه للمنظفات ويبدأ فى العمل، ويظل منذ إنشائه المصنع فى 2013 حتى الآن مكافحاً للحصول على ترخيص لمصنعه، ولكن محاولات الرجل باءت بالفشل بسبب إلقاء كل جهة ووزارة المسئولية على الأخرى، حتى يأتيه خطاب من وزارة الزراعة بشروط الزراعة على هذه الأرض، التى يقول «إنها لا تصلح للزراعة بدليل المصانع المجاورة»، ويضيف «الفارس» أن لديه 20 عاملاً يخشى أن يأتى اليوم ويقوم بتسريحهم بعد إغلاق المصنع، متمنياً أن تقبل الحكومة طلب التراخيص وتبدأ فى الرقابة والإشراف على مصنعه حتى لا يعمل بعيداً عن رقابة الدولة واقتصادها الرسمى، مشيراً إلى أنه أقام المصنع بكل الخدمات بجهوده الذاتية، حيث قام بتمهيد الأرض وعمل بئر للصرف ويأتى بعربات كسح للصرف يومياً لإزالة الصرف، كما أقام بئراً ارتوازية للمياه المستخدمة فى صناعته، مؤكداً أن الأرض لا تصلح للمعيشة، وأن الدليل هو المنطقة الصناعية التى اختارت هذه الأرض لتقام عليها، قائلاً: «جالى الراجل بتاع مباحث التموين وقالى كل استيكر من عندك فيهم 3 سنوات حبس، حلفت له قلت له والله لو حصل حاجة المصنع هايتقفل والناس اللى شغالة فيه هاتتشرد، ليه يخلونا خايفين كده واحنا عايزين نخدم ونصنع ونفيد البلد، ده فى إيطاليا كان هناك شباك واحد تعمل منه شركتك، وبيشجعوك، أرجع ألاقى بلدى بتعمل كده؟»، مشيراً إلى أن الأوضاع إذا استمرت على هذا الوضع من تجاهل الحكومة لمطالبه بترخيص المصنع سيعود إلى إيطاليا كما كان قبل ثورة 25 يناير.
فى الشأن نفسه يعانى هانى لاشين، 46 عاماً، صاحب مصنع أعلاف دواجن، من نفس الأزمة التى لم يجد لها أى مبرر من جانب الحكومة، مشيراً إلى أنها ترفض ترخيص هذه المنطقة ووضعوا شروطاً لزراعتها فى الوقت الذى قامت فيه الحكومة باستئجار هذا الموقع لجعله مقلب قمامة عاماً، معلقاً: «دلوقتى الحكومة خدت المكان وعملته مقلب قمامة بناء على تقاريرها اللى بتقول الأرض ما تصلحش للزراعة علشان كده حولوها مقلب قمامة أو وقع اختيارهم لهذا المكان، بعد ما تنتهى مدة إيجارهم يقولوا لك ازرع وما تبنيش مصانع»، موضحاً أن مجلس المدينة استأجر قطعة الأرض الكبيرة التى بنيت عليها هذه المصانع وجعلها مقلب قمامة لمدة 8 سنوات، وبعد انتهاء مدة العقد تُركت قطعة الأرض ثم قام بعدها عدد من المستثمرين الصغار بتمهيد الأرض وإزالة أكوام القمامة وبناء مصانع عليها. ويضيف أشرف عبدالستار، صاحب مصنع كارتون، أقامه على مساحة 850 متراً، أن عدداً من أصحاب المصانع تقدموا بطلبات إلى المحافظة أكثر من مرة وتكررت زياراتهم إليها وإلى وزارة الزراعة، حاملين مستندات قيام مجلس المدينة باستئجار الأرض لتخصيصها كمقلب قمامة كبير، إلا أن الجهات كافة ما بين مجلس مدينة وهيئة التنمية الصناعية ووزارة الزراعة لم يتحرك أحدها ليوصى باستخراج التراخيص.
ويقول الدكتور على السلكاوى، أحد أصحاب المصانع غير المرخصة، إن مجلس المحافظة ترك الموقع بعد أن كان مقلب قمامة، لأنه لا يستوعب طاقة القمامة الناتجة من مدينة قويسنا، وإن المالك الأصلى للأرض باعها كمصانع صغيرة منها ما هو نسيج وكتان وكرتون ومصانع أعلاف دواجن وهى مصانع تقوم بالاكتفاء المحلى، مشيراً إلى أن كل مرة يذهبون فيها إلى الجهات الرقابية والهيئات الحكومية المسئولة لتقنين الأوضاع لا تخرج محاولاتهم بأى نتائج، وأوضح «السلكاوى» أن أصحاب المصانع يقومون بالإنتاج والتصدير بالأجر، وهو من خلال شراء اسم منتج لشركة ووضعه على المنتج الذى يصنعه، بمعنى استخدام تراخيص شركات ومصانع أخرى مقابل مبلغ مالى، مناشداً التدخل لحل الأزمة التى تعانى منها عشرات المصانع التى تضم بداخلها نحو 1500 عامل مهددين بالتشرد حال إغلاق هذه المصانع، مناشداً هو وعدد من أصحاب المصانع الرئيس عبدالفتاح السيسى تقنين أوضاعهم.
أكوام من «الردش» داخل شوارع المنطقة الصناعية بقويسنا
مصنع منظفات فى المنطقة الصناعية