عيد الأضحى المبارك
يمر «الأضحى» عاماً بعد الآخر، أعاده الله علينا بالخير والبركة، ويأتى مشهد الوقوف بعرفة بملابس الإحرام البيضاء وبالتكبيرات الخاشعة، وتكتمل الشعائر المقدّسة، لتُذكّرنا سنوياً برسائل إلهية ودروس مهمة.
ومن الدروس:
إن هذه البقاع المباركة، وأعنى هنا مكة بالتحديد، معجزة، كانت الأرض جرداء قاحلة، لا نبت بها ولا زرع، أمر الله نبيه وخليله إبراهيم، عليه السلام، بترك غلامه البكر والابن المنتظر بعد سنين كثيرة مع أمه «هاجر» المصرية بالعراء، «بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ». امتثل نبى الله لأمر ربه، ولم يناقش ولم يجادل، فثقته بربه وبقراره أكبر من حجم تفكيره أو عقده حسابات العقل والمنطق. تركهما نبى الله فى معية الله، ورحل عائداً إلى بلاده، أطاعت الزوجة الشابة الصابرة ابنة الأرض المصرية الطاهرة أمر الله، وانتظرت فرج الله ووعده، وإجابة دعوة «إبراهيم»، عليه السلام، بأن يجعل الله سبحانه وتعالى أفئدة من الناس تهوى إليهما!!
بكى الصغير واحتارت الأم، فلا قطرة ماء ولا نقطة حليب، وحيدة بقفر لا حياة به، ظلت تسعى بين الجبلين، تاركة الرضيع بينهما، لم تكتف بالدعاء والتضرّع إلى الله، بل سعت، ولم تمكث مكانها تبكى منتظرة الهلاك، بعد أن استبد بها وبرضيعها الجوع والعطش، سبعة أشواط من الصبر والعزيمة والمثابرة، والله لا يضيع أجر العاملين ولا أجر الصابرين، ويأتى الفرج بعد الشوط السابع، اختباراً للصبر والعزم والرضا، تنفجر بين يدى الرضيع بئر عذبة يقال إنها من بعض ماء الجنة، بل هى جنة على الأرض، وتزم الأم الطيبة ابنة النيل الخالد المياه المباركة بيديها لعلمها بثراء الماء وبركته ونعمته الكبرى، قائلة: «زم زم»، معلنة اسم البئر المباركة، ويقال أيضاً إنها لو ما قالت كلمتها هذه لفاضت المياه بأرجاء المكان.
ارتوت «هاجر»، عليها السلام، الصابرة الشاكرة وابنها المبارك ابن خليل الله.
كبر «إسماعيل» الطفل الصغير وأصبح شاباً يافعاً، طائعاً ذاكراً، ورأى نبى الله «إبراهيم» بمنامه (ورؤياه الحق) أنه يذبح ولده، ذهب الأبُ إلى ابنه ليخبره، امتثل الصبى لأمر الله، لم يغضب ولم يشكُ ولم يركض من سكين الذبح، كم مرة اختُبر نبى الله فى ولده «إسماعيل»؟! سواء بتركه وأمه بالقفار والرحيل، أو بأمر الذبح العظيم: «يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ»، أجاب الصبى!!!، وتلَّ «إبراهيم» ابنه للجبين استعداداً للذبح، وإذا بالأمر الإلهى يأتى بوقف الذبح، ونزول شاة مباركة تُذبح بدلاً عن «إسماعيل» وفداءً لرقبته.
يبلغ «إسماعيل» السعى مع أبيه، ويرفعان قواعد البيت العتيق، ويدعوان الله أن يريهما مناسكهما بهذا الوادى، وأن يبعث الله رسولاً من أهل المكان يكون منهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وتستجاب دعوة الطائعين لربهما بقدوم خاتم الأنبياء والمرسلين من ظهر «إسماعيل» بعد سنين وسنين، لتُقام الشعائر كاملة مصدقة لجميع ما جاء به «إبراهيم» وأبناؤه، رسل الله وأنبياؤه.
وتمر سنوات أخرى، ونأتى نحن، لنقيم الشعائر ذاتها، مستحضرين جميع أسبابها وذكرياتها وتفصيلاتها، نسعى جميعاً للحج ونتمناه، لكن.. هل نُقيم الشعائر حقاً؟! وهل ما سبق من حقائق ربانية ومقدّسة تتفق مع الصراع على الحج، لدرجة ارتكاب المعاصى؟! أيصح أن يخرج أحدهم إلى الحج برشوة؟! أو بأخذ فرصة غيره؟! أيصح أن يفسق الناس ويرفثوا ويزاحموا بالحج؟! أو أن يفاخروا ويباهوا بعدد المرات التى أدوه بها؟! هدانا الله وإياكم إلى حُسن الخلق وجعلنا ممن يفهم روح الدين قبل اتباع المظاهر.