«فكرى»: مواد «الصحة والتعليم» مكتوبة بـ«نوايا حسنة».. و«الحريات» ثمرة الثورتين

كتب: أحمد البهنساوى

«فكرى»: مواد «الصحة والتعليم» مكتوبة بـ«نوايا حسنة».. و«الحريات» ثمرة الثورتين

«فكرى»: مواد «الصحة والتعليم» مكتوبة بـ«نوايا حسنة».. و«الحريات» ثمرة الثورتين

قال الدكتور فتحى فكرى، أستاذ القانون العام بجامعة القاهرة، عضو لجنة العشرة التى صاغت مسودة الدستور، إن تعديل المواد المحصنة فى الدستور يعنى المساس بالفلسفة التى بنى عليها الدستور كله، وبالتالى وضع دستور جديد، موضحاً أن هناك رأياً يجيز تعديل المواد المحصنة بأن يطرح الأمر على البرلمان باقتراح إلغاء النص الذى يقول إنه لا يجوز تعديل المواد كذا وكذا، ثم يطرح الأمر على الشعب فى استفتاء، وبعد أن يلغى هذا القيد يمكن تعديل أى نص فى استفتاء آخر. وأوضح فكرى فى حوار لـ«الوطن» أن تعديل أى دستور وارد، باعتباره قاعدة قانونية قابلة لإعادة النظر فيها، بشرط أن يكون المجتمع مهيأ لذلك.. إلى تفاصيل الحوار:

فى البداية كيف ترى المطالبات التى خرجت مؤخراً لتعديل بعض مواد الدستور؟

- تعديل أى دستور وارد باعتباره قاعدة قانونية قابلة لإعادة النظر فيها بشرط أن يكون المجتمع مهيأ لذلك، بمعنى أن نشاهد نوعاً من الاستقرار السياسى والاجتماعى والاقتصادى، بما تبدو معه الحاجة للتعديل فى صورة ناضجة وتأتى التعديلات فى ذات الوقت محققة لأهدافها.

{long_qoute_1}

وهل ترى أن الوقت مناسب الآن فى مصر لإجراء تلك التعديلات؟

- بتطبيق ذلك على مصر أرى أن الوقت غير مناسب فى ظل أمرين، الأول حالة الإرهاب التى تهدد كيان الدولة ونلمسها فى حديث رئيس الجمهورية بشكل متتابع، وبالتالى يجعل هذا العامل التعديلات فى غير توقيتها، الثانى أننا نعانى من جمود وركود فى الحياة السياسية، والغريب أنه قبل ثورة 25 يناير كنا نسمع عن بعض الأحزاب التقليدية ولها حركة وإن كانت بغير فاعلية كبيرة، أما الآن فلا نرى أى حراك حزبى وكأن الأحزاب السياسية غير موجودة بالأساس.

وما علاقة ضعف الحراك الحزبى والحياة السياسية عموماً بمسألة دستورية كإجراء تعديلات لبعض المواد؟

- لا شك يؤثر ضعف الحياة السياسية وركود الحراك الحزبى على تقدير الرأى العام لأهمية التعديلات، فهذه أمور تحتاج لمتخصصين، ولكى تصل إلى العامة يجب فتح كافة الآراء للحديث عن التأييد أو المعارضة أو التعديل، وأنا لا أرى الآن مناخاً سياسياً يناسب أن يجرى فيه التعديل بمراعاة هذا الضابط، وهو إعلام الرأى العام بأهمية التعديل فى ظل الركود السياسى الذى نعيشه حالياً، وبما أن التعديل هو إعادة صياغة للعقد الاجتماعى وهو ما يتطلب نوعاً من التوافق فأنا أعتقد فى ظل المعطيات السابقة لن نستطيع أن نحصل على توافق على أى تعديل يمس الدستور.

تم إقرار الدستور قبل 3 سنوات.. هل ترى أن هذه الفترة كافية لإعادة النظر فى بعض المواد بناء على التطبيق الفعلى لها؟

- العبرة ليست بالوقت طال أم قصر، ولكن بأن يكون المجتمع فى حالة تسمح له بتعديل العقد الاجتماعى، إذا اعتبرنا أن الدستور هو نوع من العقد الاجتماعى بين أفراد الشعب، فيمكن أن يعدل بعد سنة لا يوجد ما يمنع عملياً، لكن المهم تحقيق المقصود منه وبالتالى بتطبيق ذلك على مصر نعيد ونكرر أن المناخ الحالى لا يسمح بتعديل. {left_qoute_1}

وماذا عن وصف رئيس مجلس النواب لبعض المواد مثل تصدى محكمة النقض بالفصل فى صحة العضوية بأنها غير منطقية لأنها لا تتفق مع مبدأ وحدة المنازعة؟

- فيما يتعلق بعدم منطقية المادة الخاصة بالفصل فى صحة العضوية لأنها لا تتفق مع مبدأ وحدة المنازعة فهذا مردود عليه بأن مجلس الدولة يفصل فى المنازعات الإدارية التى تتعلق بالأفعال الإدارية التى وقعت أثناء العملية الانتخابية، ويظل مجلس الدولة مختصاً بذلك حتى بعد انتهاء الانتخابات، وهذا هو صحيح القانون ونص الدستور الذى أناط بمجلس الدولة باختصاصه فى المنازعات الإدارية، أما محكمة النقص فانصب اختصاصها على مجريات العملية الانتخابية نفسها مثل التصويت وكيفية التصويت وحساب الأصوات، وبالتالى لا تعارض بين الاختصاصين، وجرى العمل على ذلك ولم نشاهد أى تعارض بين الأحكام الصادرة من محكمة النقض وتلك الصادرة من القضاء الإدارى.

من ضمن المواد التى وُصفت بعدم المنطقية الخاصة بعزل رئيس الجمهورية للوزير على سبيل المثال، إذ يشترط موافقة مجلس النواب.. هل تتفق مع هذا الطرح؟

- نحن يجب ألا نأخذ أو أن نقرأ النص من أطرافه فقط، وإنما ينبغى أن نقرأ النص من أوله إلى آخره، فبداية يجب أن نعلم كيف يعين الوزير، الوزير يختاره رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الوزراء، ويطرح الأمر على البرلمان للموافقة أو الرفض، إذن من الطبيعى حينما نريد عزل الوزير يجب أن نعود لجهة التعيين وهى البرلمان، علماً بأن بعض الدول لا تكتفى بطرح اسم الوزير على البرلمان، وإنما يشترط أن تكون هناك معلومات عن إنجازات الوزير وخبراته، وهو ما لا يحدث فى مصر، الأمر الثانى هو أننا عانينا فى فترات كثيرة من أن الوزير يتم عزله دون معرفة أى أسباب أو ملابسات عملية العزل، هذا هو السبب الذى دعانا أن نقيد العزل وإذا طرح الرئيس أسباباً مقنعة لعزله فلن يرفض البرلمان، وبالتالى يتحقق مبدأ الفصل بين السلطات من ناحية، ونعلن للشعب الذى هو مصدر تلك السلطات السبب فى عزل الوزير من منصبه من ناحية أخرى، فكم من الوزراء عُزلوا فى مصر ولم نعرف حتى هذه اللحظة أسباب إقصائهم من عملهم، لقد اخترنا أن يكون نواب الشعب لهم دور وعليهم أن يمارسوا هذا الدور بما يحقق الشفافية، وهو مبدأ مقنن فى الوثيقة الدستورية.

من ضمن دوافع من يريد تعديل الدستور هو أنه آن الأوان لهذا التعديل بعد استقرار الوطن.. ما تعقيبك؟

- لا أعتقد أن الاستقرار قد حدث سياسياً فى مصر حتى هذه اللحظة، والسبب الرئيسى لذلك الحوادث الإرهابية التى نطالعها بين وقت وآخر، وبالتالى لم نجد على الساحة تيارات سياسية تستطيع أن تعبر عن أطياف الرأى العام، كما هو موجود فى الدول التى استقرت سياسياً، ويكفى لتأكيد ذلك أن الأغلبية البرلمانية ليست لحزب وإنما لائتلاف يجمع بين أفكار شتى واتجاهات متعددة، فأين هو الاستقرار السياسى؟

لكن الدستور كُتب فى مرحلة تخوف كبير من فترة حكم الإخوان المسلمين والرئيس المعزول محمد مرسى، وبالتالى فالوضع تغير الآن؟

- نعم كان هناك تخوف من حكم الإخوان أدى إلى صياغة نصوص للحفاظ مثلاً على حدود الدولة، وهذا النص أنا أعتقد رغم أنه كان موجهاً لتصرفات بدت أنها تمس حدود مصر الدولية فى ظل حكم الإخوان إلا أنه مفيد لكى يفرض نفسه على كل حاكم يفكر بالمساس بأى حد من حدود مصر، وهذه ميزة ينبغى الحفاظ عليها بغض النظر عن أساس وضعها.

هل هذا التخوف هو الذى دفع اللجنة لتحصين بعض المواد خاصة تلك المتعلقة بفترة الحكم ومدته؟

- بخصوص تحصين بعض النصوص من التعديل فهذه قاعدة معروفة فى الكثير من الدول، فعلى سبيل المثال لا يجوز فى فرنسا تعديل الشكل الجمهورى لنظام الحكم، وبالتالى هذه ليست بدعة، ولقد قرر الدستور فى المادة 226 عدم جواز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، لأن المشرع التأسيسى تخوف من أن تتكرر التجربة التى وقعت فى دستور 71 لتسمح ببقاء رئيس الدولة مدى الحياة كما حدث فى تعديلات عام 80 وأدت إلى بقاء الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى الحكم 30 سنة، مما أدى إلى جمود سياسى وفساد كان سبباً من أسباب ثورة 25 يناير، ودائماً لو لاحظنا أن كثرة وجود الحاكم فى السلطة هى علامة على أن الثورة فى طريقها إلى الحدوث فهذه قاعدة، لأن الديمقراطية لم تعد أن يحكم الشعب نفسه بنفسه وإنما أن يتغير الحاكم كل فترة حتى تتجدد الدماء فى هذا المنصب العظيم فى واجباته والخطير فى مهامه، وعلى سبيل المثال فى أمريكا، هل يمكن الرئيس فى أكثر الدول تأثيراً فى العالم البقاء أكثر من فترتين 8 سنوات؟ بل هناك أكثر من ذلك ففى فرنسا مثلاً لا يمنع دستورها البقاء أكثر من فترتين، ومع ذلك لم يستطع رئيس الجمهورية أن يمكث أكثر من فترتين، ودائماً ما يتجدد الطلب بعدم إعادة انتخاب من بقى فى السلطة على فترتين، بل إن فرنسا أنقصت مدة الرئاسة فى الفترة الواحدة من 7 إلى 5 سنوات، وبالتالى تستطيع من خلال هذه القاعدة أن تحاكم رئيس الدولة إذا قدرت أنه لم يكن على مستوى طموحاتها ولم يحقق للبلد آماله، مثلما فعل رؤساء كثر لفرنسا رفضوا البقاء أكثر من فترتين رئاسيتين ومنهم ميتران وأولاند.

هل يمكن من الناحية القانونية تعديل المواد المحصنة؟ وإذا كان ذلك ممكناً ما آليات هذا التعديل والفارق بينها وبين تعديل أى مادة أخرى لم تحظ بالتحصين؟

- هناك رأى يقول إنه يجوز تعديل المواد المحصنة بأن يطرح أمر هذا التعديل على البرلمان ثم الشعب باقتراح إلغاء النص الذى يقول لا يجوز تعديل المواد كذا وكذا، وبعد أن يلغى هذا القيد يمكن تعديل أى نص فى استفتاء آخر.

هل تعنى أن تعديل المواد المحصنة يجب أن يكون فى استفتاء مستقل ثم بعدها يتم إجراء استفتاء ثان على تعديل المواد المرتبطة بتلك التى كانت محصنة؟

- نعم، لكننى أقول إن التعديل ينبغى ألا يمس فلسفة الدستور، لأنك لو قمت بالمساس بفلسفة الدستور فأنت بذلك لم تعدل الدستور ولكن قمت بعمل دستور جديد، وينبغى تشكيل جمعية تأسيسية جديدة لعمل دستور جديد، فتغيير فلسفة الدستور يعنى التغيير شكلياً، ولكنه فى الأساس يعنى عمل دستور جديد.

قال الرئيس عبدالفتاح السيسى فى إحدى المناسبات إن الدستور كُتب بنوايا حسنة.. هل تتفق مع هذا الوصف خاصة أنك كنت عضواً بلجنة الخبراء؟

- نعم هناك بعض المواد فيها نوع من التفاؤل الزائد عن الحد، الذى يصعب تحقيقه واقعياً، ومثال ذلك حدود الموارد المخصصة للبحث العلمى وللصحة وللتعليم، فكلها منسوبة للدخل القومى الإجمالى، أى دخل المصريين فى مصر وخارج مصر، وهو أمر يصعب حسابه، وبالتالى هذا يعبر عن نوع من التفاؤل لن نستطيع تحقيقه فى الوقت الراهن، لكن ليس معنى ذلك أن المواد الأخرى التى أضيفت للدستور الحالى وتبدو أنها جديدة ينسحب عليها هذا الوصف، وهى فى الحقيقة استعادة لضمانات كانت موجودة فى الدساتير السابقة.

ما الفارق بين المدة والفترة الرئاسية.. وما الجائز دستورياً لتعديله والمحصن؟

- مدة الرئاسة هى عدد السنوات التى يقضيها الرئيس فى منصبه عقب انتخابه، وهى محددة فى مصر بـ4 سنوات، والدستور لا يجيز بقاء الرئيس إلا لفترتين، أى ثمانى سنوات، ما يجوز تعديله هو عدد السنوات فى الولاية الواحدة، أى يمكن أن تكون المدة 5 سنوات أو يمكن نقصانها فتكون 3 سنوات مثلاً، أما الفترات فلا يجوز تعديلها فهى فترتان فقط.

أى إنه يجوز دستورياً تعديل المدة الرئاسية، التى نص الدستور على أنها 4 سنوات فقط؟

- هنا لى ملحوظة من شقين، الأول أن بعض الدول كتونس وهى مرت بظروف مشابهة نصت فى دستورها على حظر تعديل المدة أو الفترة، لكننا حظرنا تعديل الفترة لأكثر من فترتين، لكن يجوز تعديل المدة من 4 سنوات لأكثر أو أقل.

لكن الدستور نص فى نهاية المادة 226، على أنه: وفى جميع الأحوال لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية أو المساواة ما لم يكن التعديل متعلقاً بمزيد من الضمانات، هل يعنى ذلك جواز تعديل نصوص إعادة انتخاب الرئيس بمزيد من الضمانات؟

- لا، جملة «مزيد من الضمانات»، تتعلق بمبادئ الحرية والمساواة فقط، ولذلك وُضعت فصلة بعد جملة «لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية» فالفصلة هنا مهمة ولم توجد فى اللغة العربية عشوائياً، إذن فترات الرئاسة لا يجوز تعديلها بموجب المادة 226 من الدستور.


مواضيع متعلقة