«الوطن» مع الفوج الأول من حجاج القرعة.. «زغاريد ودموع وسيلفى»

«الوطن» مع الفوج الأول من حجاج القرعة.. «زغاريد ودموع وسيلفى»
- أداء الحج
- أداء العمرة
- أذان الفجر
- أسماء الحجاج
- إجراءات تسليم
- الأراضى المقدسة
- البشرة البيضاء
- التقاط الصور
- الصور التذكارية
- العيون الزرقاء
- أداء الحج
- أداء العمرة
- أذان الفجر
- أسماء الحجاج
- إجراءات تسليم
- الأراضى المقدسة
- البشرة البيضاء
- التقاط الصور
- الصور التذكارية
- العيون الزرقاء
بملابس بيضاء ناصعة، مزينة بعلم مصر، وبوجوه مغمورة بالفرحة والسعادة، وقف أعضاء أول فوج من حجاج بيت الله الحرام من حج «القرعة»، أمام باب دخول مبنى المواسم بمطار القاهرة، يتبادلون التهانى والدعوات والتقاط الصور التذكارية مع ذويهم، وسط أجواء ومشاعر متباينة، زغاريد وبكاء، وصياح، ودموع فرح. قضى حجاج بيت الله الحرام وقتهم فى التعارف على بعضهم تارة، وفى سماع نصائح الأبناء والأشقاء بضرورة الفوقان تارة أخرى، بعد أن وطئت أقدامهم مطار القاهرة بعد دقات منتصف الليل مباشرة. {left_qoute_1}
مريم عباس، 60 سنة من مركز السنبلاوين، بمحافظة الدقهلية، تقول إنها كانت تتوق لزيارة بيت الله الحرام بعد سفر معظم أفراد أسرتها إلى الأراضى المقدسة فى الأعوام السابقة لأداء العمرة، ولم يخطر ببالها أن الله سوف يكافئها على معاناة العقود الماضية بالسفر لأداء الحج هذا العام، من بين كل أفراد عائلتها الذين تقدموا لأداء فريضة الحج هذا العام بالقرعة تم اختيارها لتدب الفرحة فى نفسها التى نال منها المرض قبل عدة أشهر، بلهجة ريفية أصيلة، تقول مريم صاحبة البشرة البيضاء والعيون الزرقاء: «لحد دلوقتى مش مصدقة إنى هروح أحج بيت الله الحرام، ومفيش أى كلمة هتقدر تعبر عن اللى جوايا، فرحانة أن ربنا كتبها ليّا السنة دى، وحاسة أنه بيعوضنى وبيكافئنى فى نهاية خدمتى لعيلتى الصغيرة والكبيرة، كنت حاسة أن ربنا هيفرّح قلبى، بزيارة مكة والمدينة، يا رب اكتبها لكل قرايبى وأولادى».
لم تذق السيدة الستينية طعم النوم منذ 48 سنة، بسبب توافد الزوار والأقارب على البيت لتهنئتها بالحج، وهى طقوس قديمة يقوم بها أبناء الريف منذ عقود، هى فرحة تشبه الفرح بالزواج عندهم تماماً، مع دقات منتصف الليل بدأ أبناؤها وبناتها فى تجهيز حقيبتها وكتابة اسمها، ووضع علامة ملونة عليها، حتى تتعرف عليها بسهولة بعد الوصول إلى المدينة «خدى بالك من الشنطة وصحصحى واعرفى لون العلامة الحمراء اللى على إيد الشنطة عشان ما تضيعش»، نصائح قالها ابنها الأكبر محمد الذى صحبها حتى المطار مع والده وشقيقاته وبعض الأقارب. {left_qoute_2}
غادرت مريم بيتها بالدقهلية فى تمام الواحدة صباحاً، ووصلت إلى مبنى المواسم فى تمام الثالثة والنصف. تطلب مريم الدخول إلى دورات المياه للوضوء لتأدية صلاة الفجر، لكنها انزعجت بشدة من الزحام الكبير داخل دورات المياه ومن سوء حالة النظافة بداخلها، ومن ثرثرة عاملة النظافة التى كانت تقف بالخارج.
فى تلك الأثناء كان يتجول أحد الحجاج بين ضيوف الرحمن متسائلاً عن أسماء بعض القرى التى تجاور قريته «كفر قنصوف» بالسنبلاوين للتعرف على أقرانه قبل السفر، بالإضافة إلى سؤاله عن سيدة تربطه بها صلة قرابة من قرية أخرى، يجيبه أحد الموجودين «إحنا يا حاج من قرية العزاوى»، فيما يجيبه آخر: «وإحنا من الجلايلة»، ثم يتبادلون الحديث ويتعرفون على أسماء الحجاج المسافرين.
أمام بوابة الدخول جلست سعاد محمد، 57 سنة، من مركز الجمالية بالدقهلية مع ابنها وبعض أفراد عائلتها، ترتدى بطاقة تعريف بها الاسم والصورة، واسم وعلم مصر، تسأل بلهفة: «هما الستات دول لابسين الخمار الأبيض اللى عليه علم مصر من دلوقتى، نطلعه من الشنطة ونلبسه إحنا كمان»، لكن نجلها الثلاثينى يطلب منها الهدوء وعدم القلق، قائلاً: «البسيه هناك، الحكومة سلمتهولكم عشان محدش يتوه هناك بين الجنسيات التانية، إنتى معاكى الكارت وعليه علم مصر واسمك، وما تقلعهوش من رقبتك، وخدى بالك من شنطتك».
السيدة الريفية التى لم يسبق لها السفر لأى دولة فى العالم كانت فى حيرة من أمرها، لعدم معرفتها القراءة والكتابة وتعليمات السفر، ولم تكن تفرق بين تذكرة الطائرة وجواز السفر «خدى بالك من الجواز لو ضاع منك مش هتعرفى ترجعى، هو دا روحك هناك، إوعى تنسيه فى أى حتة يا حاجة» نصائح مشددة كان يقولها ابنها الثلاثينى. تضيف السيدة الخمسينية بنبرة مرتفعة ممزوجة بالفرح: «بنقدم بقالنا 4 سنين أنا وجوزى، لكن جت ليّا أنا والراجل لا، جيت فى ميكروباص واحد أنا وواحدة جارتنا من البلد وهنقعد مع بعض، الناس كلها طيبة وقعدتها حلوة ربنا يمتعنا هناك ويعوّض صبرنا خير».
سميرة السيد، 48 سنة، من مدينة السنبلاوين بالدقهلية جاءت لتوديع شقيقتها الكبرى التى فازت بحج القرعة هذا العام، تقول بنبرة واضحة «ما شاء الله عندنا 7 حجاج طالعين من حى الإيمان اللى إحنا ساكنين فيه فى السنبلاوين، وكلنا جايين فى ميكروباص واحد من هناك، ودى حاجة كويسة عشان ياخدوا بالهم من بعض، أنا سافرت مرتين عمرة قبل كدا، لكن لسه ربنا ما كتبش ليّا الحج، ربنا يكتبها للجميع، متعة ما بعدها متعة وفرحة مالهاش مثيل، وأنا من إمبارح عمّالة أقول لأختى خدى بالك من السرقة ومن العدوى ومن كذا ومن كذا ربنا يرجّعها بالسلامة»، لكن سميرة أبدت غضبها من إجراءات تسليم جوازات السفر للحجاج فى قسم شرطة السنبلاوين قائلة: «رموا كل الجوازات قدام الناس فى الزحمة وكل واحد كان بيشوف جوازه بنفسه، افرض واحد أخد جواز حد غيره ولّا الجوازات اتقطعت، مش كان المفروض نادوا على الأسماء واحد واحد عشان الناس ما تتبهدلش وتتلخبط، إنت عارف ما بيكمّلوش الحاجة الحلوة لآخرها».
ينخفض الزحام رويداً رويداً مع وضوح الخيط الأبيض بعد أذان الفجر، ويختفى الأهالى تماماً مع بداية شروق الشمس وغلق البوابات أمام المسافرين الذين بدأت طائراتهم فى الإقلاع فى تمام السابعة صباحاً، بعد أن قضى المرافقون أوقاتهم فى الصلاة والتقاط الصور «السيلفى»، واللهو بعربات الحقائب أمام صالة السفر، ليعودوا إلى مدنهم وقراهم قبل بزوغ زحام مدينة القاهرة فى الصباح، بعد تأكدهم من مرور ذويهم من بوابات السفر وتفتيش الحقائب والدخول عند صالة الجوازات، فيما اهتمت بعض الأسر بإحياء التقليد القديم الذى يعود إلى عشرات السنين، وهو تعليق الرايات البيضاء على جوانب السيارات التى تنقل الحجيج من وإلى المطار تعبيراً عن الفرحة بالحج، وأكد الكثير من الأهالى على تركيب هذه الرايات المبهجة أثناء عودة أقاربهم من الأراضى المقدسة سالمين بإذن الله، قائلين لهم «حج مبرور وذنب مغفور».