مصر 2017.. البيضة بـ300 لتر ماء
- أرض الواقع
- أزمة المياه
- إدارة المياه
- الآبار الجوفية
- التحديات المائية
- التين الشوكى
- الدكتور محمد
- السلع الغذائية
- الصحراء الغربية
- الطرق الحديثة
- أرض الواقع
- أزمة المياه
- إدارة المياه
- الآبار الجوفية
- التحديات المائية
- التين الشوكى
- الدكتور محمد
- السلع الغذائية
- الصحراء الغربية
- الطرق الحديثة
مع الفقر المائى الذى تعيشه مصر حالياً، (600 متر مكعب للفرد سنوياً)، لا يزال إنتاج كل بيضة يستهلك 300 لتر مياه، فيما يستهلك إصبع الموز 60 لتراً، وكيلو الحليب السائل 1000 لتر، ولتر الزيت 2300 لتر ماء، وكيلو لحم الدجاج 4300 لتر، مقابل 8700 لتر لكل كيلو لحم ماعز، و15 ألف لتر لكل كيلو لحم خنزير، و5500 لتر لكل كيلو زبدة بلدى.
هذا هو معدل إنتاج الغذاء مقابل استهلاك الماء فى مصر، فى وقت نجحت فيه دول، لا تشكو من الفقر المائى، فى تعظيم القيمة المضافة من قطرة المياه، لتجعل تكاليف إنتاج الغذاء أقل من هذه المعدلات بنسبة 90%.
وفى مقالى السابق الذى نُشر هنا بتاريخ 11/7/2017، وبعنوان «20 سؤالاً فى 148 يوماً لوزير الزراعة»، كان السؤال السادس: هل قدمت الوزارة للرئيس دليلاً صادقاً للمشروع (مشروع الـ1.5 مليون فدان)، يتضمن: ندرة المياه الجوفية وضعف جدوى استخراجها، والتركيبة المحصولية النافعة لكل شبر فى المشروع، وهل جرؤ الوزير على التصريح بأن هذا المشروع سيُغنى مصر فعلاً، إذا زُرِعت أرضه بالجوجوبا والتين الشوكى فقط؟
وبعد مرور نحو ثلاثة أسابيع على نشر المقال، لم يصدر عن الوزارة أى تعليق يُفسر شرحاً وافياً لسياسة الدولة عامة فى التعامل مع قطرة المياه، فى ظل أزمة حقيقية يعرفها الجاهل قبل «العالِم»، بدعوى أنه «كلام جرايد» لا يغنى الرد عليه ولا يسمن.
ربما لا يستطيع المستهلك تحريك ساكن فى قضية توفير المياه، لكن صانع القرار قد لا يعلم الحقائق العلمية المرعبة حول استهلاك السلع الغذائية من المياه، على الطريقة المصرية المتبعة حتى الآن، سواء فى الرى، أو فى تطهير عنابر الدواجن، أو فى إنتاج الأعلاف التقليدية، أو حتى فى إنتاج محاصيل من أصناف شرهة للمياه، فى الوقت الذى تتاح فيه إمكانية محاكاة المعدلات العالمية الحديثة، واستنباط أنواع نباتية موفرة للمياه، وأسمدة جديدة تضاعف الإنتاجية من نفس وحدتى المساحة والمياه، وذلك كله فى ظل أزمة المياه الإقليمية والعالمية، والتحديات المائية التى تواجه سكان الأرض عامة فى السنوات القليلة المقبلة.
ومع ما يحيط مصر من تحديات مائية، لا يزال الكثير من المتخصصين وغير المتخصصين، يُغرّد بإمكانية زراعة ملايين الأفدنة الصحراوية، بالزراعات التقليدية، (أشجار وخضراوات وحبوب)، ولا عجب فى أمر غير المتخصصين، لكن «الوكسة» تأتى من تصريحات المتخصصين، الذين من بينهم علماء زراعة، ورى، وجيولوجيا.
وبتجربة عملية، فإن مستوى الماء الجوفى فى الصحراء الغربية، يتراجع تدريجياً، بمستوى يُزعج كل أصحاب الزراعات الجادة، الذين لا يستدعيهم مسئول لسؤالهم عن أحوال الزراعة، وما يمكن عمله تجاه المشروعات المهددة بالتصحر بسبب هبوط منسوب مياه الآبار الجوفية، رغم الزراعات الأقل احتياجاً للمياه.
ومثالاً حياً على ذلك، فإن مشروعاً حجمه 36 ألف فدان، غرب طريق (وادى النطرون - العلمين)، يتبع محافظة البحيرة، كانت المحافظة قد وزعت أراضيه بعقود «استصلاح زراعى» عام 1997، بغرض الزراعة، ومنذ هذا التاريخ، أى منذ 30 عاماً، لم تبلغ نسبة الزراعة الجادة فى هذا المشروع أكثر من 15%، ومع ذلك «غارت» مياه الآبار فى المنطقة منذ 2015، مسافة تتراوح بين 12 و15 متراً، رغم أن الزراعة الجادة لم تبدأ فيه قبل عام 2007، فما بالنا لو أن 50% من أصحاب العقود كانوا قد أوفوا ببند «الزراعة الجادة»؟
ومع تحقق المخاطر المحتملة على الزراعات القائمة، من حلم التوسّع فى زراعة الصحراء بالرؤى المتداولة حالياً، يعتقد الكثيرون من المقربين لصانع القرار (رئيس الجمهورية) أن من يقترب من هذه النقطة الحساسة، سيكون مصيره الإبعاد خارج دائرة الضوء، مفضلين البقاء فيها، حتى لو دخلوا «مذابل» التاريخ بعد انتهاء دورهم.
وللأمانة، فإن وزير الموارد المائية والرى الحالى الدكتور محمد عبدالعاطى، هو الوحيد الذى تجاسر فى هدوء، معلناً عن أن المياه الجوفية فى مصر، ليست بحال يسمح بالرفاهية المأمولة من زراعة الصحراء، حيث أكد فى مذكرة رسمية سابقة، أنه لا يمكن زراعة أكثر من 28% من مساحة الـ1.5 مليون فدان الخاصة ببرنامج الرئيس، وبأسلوب عمرانى حديث، يعتمد على إقامة مجتمعات بشرية مستدامة، تعيش على سياسة الاستثمار الأمثل لقطرة المياه المتاحة، بالزراعة وتصنيع حاصلاتها.
بلدان العالم تقيس الآن مؤشر التحضر، بمقياس التعامل مع قطرة المياه، إذ يحسبون تكلفة استخراجها أو تحليتها، أو تحضيرها للاستخدام الحياتى، كما يحسبون ناتج استخدامها، شرباً، أو رياً، أو تصنيعاً، أو حتى استحماماً وغسيلاً، لكننا نخزن دراساتنا الأكاديمية المتعلقة باقتصاديات إدارة المياه، ولا نطبّقها على أرض الواقع، ومنها على سبيل المتاح، تنفيذ مشروع التسوية بالليزر فى الأراضى التى تُروَى بالغمر، وتعميم الرى الحديث فى أراضى الوادى والدلتا، التى يُهدّدها حالياً مرض «الاستسقاء»، أو «التطبيل».
نحن نغمض عيوننا عن حقائق مرعبة، منها أن كل فدان برسيم من الذى يُروى حالياً بنحو 3200 متر مكعب ماء سنوياً، ينتج فقط 30 طناً من البرسيم الأخضر بنسبة بروتين لا تزيد على 8% فى خمس «حشات» خلال ثمانية أشهر، فى الوقت الذى نستطيع فيه رفع هذه الإنتاجية إلى 150 طناً من البرسيم الأخضر بنسبة بروتين تصل إلى 16%، بنفس كمية المياه من مساحة الفدان ذاته، لكن بسماد بيولوجى صديق للبيئة، يتوافق مع المعايير الأوروبية، تنتجه حالياً جامعة مدينة السادات، وليس تاجر أسمدة من نوع «بئر السلم».
إنتاج البرسيم بهذا المعدل، وهذه الكيفية، يوفر عليقة مركزة للحيوان، بمعامل تحويل جيّد لإنتاج الحليب واللحم الأحمر، بما يوفر نحو 30 مليار جنيه تنفقها مصر سنوياً فى استيراد الألبان المجفّفة، و24 مليار جنيه لسد فجوة اللحوم الحمراء، إذا عدمنا الطريقة التى نختصر بها مياه الرى، أو الطرق الحديثة التى قربت تطبيق «نكتة» «الاستحمام فى الكنكة».