فى عرسال اللبنانية.. هناك قصة أخرى

خالد عكاشة

خالد عكاشة

كاتب صحفي

استُكملت، مساء الأحد، المرحلة الأولى من الاتفاق الصامت المبرم بين ميليشيا «حزب الله» اللبنانى من جهة وتنظيم «فتح الشام» (جبهة النصرة سابقاً) من جهة أخرى، بوساطة رسمية من استخبارات الجيش اللبنانى لإنهاء معركة (جرود عرسال). حيث شملت المرحلة الأولى، التى بدأت صباح الأحد، تبادل جثامين لـ«5 عناصر من حزب الله»، قتلوا فى المواجهات العسكرية الأخيرة فى بلدتى عرسال اللبنانية وفليطة السورية، مع جثامين لـ«9 عناصر من فتح الشام».

المرحلة الثانية من عملية التبادل تبدأ صباح الاثنين بخروج مسلحى «فتح الشام» وأفراد عائلاتهم، الذين يقدر عددهم الإجمالى بـ«9 آلاف شخص»، مقابل الإفراج عن أسرى ميليشيا «حزب الله» لدى «فتح الشام». وسيجرى انسحاب عناصر «فتح الشام» من (وادى حميد) فى عرسال اللبنانية إلى محافظة إدلب على الجانب السورى، إلى جانب آلاف اللاجئين السوريين. تشير التقديرات إلى أن المرحلة الثانية قد تستغرق يومين أو أكثر، فى ظل التعقيدات اللوجيستية اللازمة. وقد بدأ سريان وقف إطلاق النار بين الجانبين الخميس الماضى، حيث يشمل رحيل جميع مسلحى «فتح الشام» من المنطقة المحيطة بعرسال، برفقة أى مدنيين يرغبون فى المغادرة معهم من مخيمات اللاجئين فى المنطقة.

ينص الاتفاق أيضاً على قيام «فتح الشام» فى مقابل السماح لعناصرها وباقى اللاجئين بالانسحاب؛ بإطلاق سراح «8 أسرى» من مقاتلى ميليشيا «حزب الله». ووفقاً للآلية المتفق عليها، فسيتم إطلاق «أسير» من ميليشيا «حزب الله» فى مقابل كل «قافلة» تصل بأمان إلى إدلب. ويجرى العمل حالياً لضمان تنفيذ هذا الاتفاق، من خلال تذليل العقبات اللوجيستية، التى تشمل أمرين أساسيين، هما تأمين الحافلات التى تكفى لنقل العدد الكبير من المغادرين، وضمان سلامة القوافل التى ستسلك مساراً يتجاوز طوله المائة كيلومتر.

هناك تأكيد بأن الإجراءات اللوجيستية لخروج مسلحى «فتح الشام» من جرود عرسال أصبحت فى مراحلها الأخيرة، بعد أن شهدت هذه المنطقة معارك محدودة ما بين الطرفين. قبل الشروع فى تنفيذ الاتفاق الأخير، تمكنت ميليشيا «حزب الله» وبمساندة القوات السورية من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضى الجبلية فى عرسال. ورغم أن كل الأطراف يدركون أن معركة عرسال ليست معركة متفقاً عليها دولياً، وأن حزب الله ما يستهدفه منها هو دفع الجيش اللبنانى لخوض معركته فى عرسال وتهجير أبنائها، كونهم من السنة.

والجدير ذكره هنا، أن عرسال هى الجيب السنى الوحيد والأخير فى البقاع الشمالى. وهذا ما يفسر أن تلك المناطق لم تشهد أى تعزيزات للجيش اللبنانى فى مواجهة المسلحين، باعتبار أنها ليست معركة الجيش بل هى معركة الحزب ضد المسلحين الموجودين فى الجرود، كما أفادت المعلومات أن حزب الله قد أقام «مستشفيات ميدانية» فى البقاع الشمالى، لتؤكد أيضاً أن العديد من مقاتلى الحزب قد غادروا إلى الأراضى السورية فى مهمة قد تطول.

السبب غير المعلن لهجوم «حزب الله» على جرود «عرسال»، مرتبط بفشل التفاوض مع جبهة النصرة عبر «سرايا أهل الشام» وبعض الوسطاء، إذ كان الحزب قد طلب من جبهة النصرة مغادرة الجرود مع أسلحتهم الخفيفة، إلا أن النصرة أصرت على المغادرة مع الأسلحة الثقيلة والخفيفة، الأمر الذى رفضه حزب الله. كما كان هناك تلميح عن وجود بند يتعلق بالمال، وهذا ما أكدته مصادر مقربة من جمال حسين زينية المكنى بـ«أبومالك التلى» أمير جبهة النصرة فى القلمون، وطلبه تهريب ما لا يقل عن (30 مليون دولار) وسفره إلى تركيا جواً مع ملايينه نقداً. وهو شخصياً الذى صرح لإحدى الوكالات المحلية السبت الماضى بأنه: «بعد الاتفاق قام حزب الله بعدة خروقات متتالية، أسرنا على أثرها ثلاثة من مقاتليه». ويذكر أن عدد مسلحى «جبهة النصرة» المطلوب انسحابهم، يبلغ عددهم بين «400 و600 عنصر» معظمهم فى الجرود قبالة عرسال. لذلك كان تضخيم مخاطر «التنظيمات المسلحة» فى جرود «عرسال» غايته تضخيم «الإنجاز»، واختراع انتصار وهمى يبرر الانقضاض على الداخل اللبنانى، ويعطى «حزب الله» الصورة العنترية التى يبنى عليها حضوره وسطوته تجاه جمهوره وتجاه الآخرين.

فى ثنايا تحركات الصفقة، بدأت تتكشف العديد من الأمور، أبرزها حول ملامح مجريات وأبعاد العملية العسكرية، التى يبدو أن «حزب الله» رسم لها مساراً محدداً، سواء من حيث البعد الميدانى أو السياسى أو الإعلامى، وتمكنه من سحب الجميع إلى حيث يريد فى إدارة الحدث واستثماره داخلياً وخارجياً. فقد كان هناك حرص الحزب على ظهور حدوث اشتباكات، من أجل أن يفرض ابتزازاً سياسياً على الدولة اللبنانية، وعلى خصومه السياسيين، وعلى المجتمع الدولى. فى حين أن المسألة اقتصرت على مواجهات محدودة مع «هيئة تحرير الشام» جبهة النصرة؛ ما لبثت بعد مواجهة محدودة أن انضبطت فى إطار التفاهم العام المبرم، الذى شمل بشكل ضمنى تنظيمى «داعش» و«سرايا أهل الشام»، ليتضح فيما بعد أن عملية «تحرير جرود عرسال وجوارها»، هى عملية تم ترتيبها مسبقاً فى معظم فصولها، وذلك بعد تركيب «حزب الله» لكامل فصول الخطة. وفى خلفية الحدث، اتضح أن «سرايا أهل الشام» وهم بقايا «الجيش الحر»، عبارة عن مجموعات تولى «حزب الله» تنظيمها ودعمها لتكون أداته فى الضغط الميدانى على تنظيمى «النصرة، وداعش» فى المنطقة. وقد أدت السرايا دورها المطلوب تماماً فى كل مراحل العملية، ولهذا أشاد «حسن نصرالله» بهم فى كلمته الأخيرة. والملاحظ أن تسميتهم تم اختيارها لتشبه «سرايا المقاومة اللبنانية» كدلالة ضمنية على التبعية ونسخ التجربة.