مكتبة الإسكندرية والدكتور الفقى

عقدت مكتبة الإسكندرية برئاسة الدكتور مصطفى الفقى لقاء مهماً للمفكرين والمثقفين المصريين للنقاش حول دور المكتبة فى التنوير ونشر الثقافة فى الفترة المقبلة، أدار الدكتور مصطفى اللقاء وطبعه بطابعه الشخصى، فكان لقاء شديد الحميمية، لما يتمتع به من قدرة على الحكى الممتع مع تعليقات لطيفة كانت سبباً فى إشاعة جو من البهجة، بل وانفجار القاعة ضحكاً بين الحين والآخر، وكان اللافت للنظر هو تقديم الشكر والعرفان للدكتور إسماعيل سراج الدين ومجلس أمناء المكتبة السابق والبنائين المنشئين لهذا الصرح العالمى العظيم، وفى الحقيقة هى سنة محمودة وقيمة كبيرة أن نقدم التقدير لمن قدم لمصر عملاً رائعاً، وأن نعلى قيم الشكر والعرفان فى زمن يهال فيه التراب على كل ما سبق سواء لمرض شخصى أو لأسباب سياسية، كان السؤال الرئيسى للقاء كيف تلعب المكتبة دوراً أكبر فى نشر الثقافه والتنوير؟

تحدث الحضور وهم خيرة نساء ورجال مصر فى مجال الثقافة والعمل العام، تحدثوا كثيراً وطرحوا أفكاراً عظيمة ما بين التأكيد على دور المكتبة الثقافى والتنويرى وألا تنزلق فى مساجلات سياسية أو تحزبية، ومقترحات عملية حول ضرورة توسع المكتبة وانتشار وجودها، إما بفروع أو بأنشطة بالتعاون مع قصور الثقافة لتصل لكل المصريين، ورأى البعض أن الثقافة نخبوية ويجب ألا نحمل عبء تحويلها إلى جماهيرية، لأن ذلك أدوار جهات أخرى، استمع الدكتور مصطفى ونوابه وفريق العمل فى المكتبة للأفكار والاقتراحات والاتفاق والاختلاف بسعة صدر وترحيب، وقد كنت أستمع لهذه الأفكار وأبحث عن المنهج، منهج التطبيق فكلمة الثقافة اقترنت بصورة ذهنية سلبية لدى الكثيرين بأن هذه الكلمة قرينة الكآبة والانغلاق، لا سيما مع تميز أغلب المثقفين بالتعالى واستخدامهم ألفاظاً يصعب على أغلب الناس التعاطى معها، وتعامل الكثير ممن يطلق عليهم مثقفون مع الناس وكأنهم جهلة عليهم الصعود بمستواهم إلى مستوى هذا المثقف الفذ العبقرى، وتعمد استخدام مصطلحات تبنى جداراً بين المثقف والناس وكأنه خطأ الناس، فى التنمية كنت أجد البعض يشرح للشباب فى التدريبات بعض الأشياء مستخدماً المصطلح العلمى وأحياناً اللاتينى، وكنت دائماً أجد هذا الأمر عبثاً، إن أردنا أن نصل للناس يجب ألا نبنى جداراً لغوياً ونفسياً بيننا وبينهم، لفترة طويلة أتامل طريقة حديث كثير من المثقفين، ولا أغفر لهم التعالى اللغوى إن كان الحديث للعامة، سواء فى وسائل الإعلام أو لقاءات جماهيرية، وإن كنت أتغاضى عن هذا التعالى اللغوى فى المنتديات الفكرية، لكن الطريقة التى أدار بها الدكتور الفقى اللقاء جعلتنى أقفز مثل نيوتن عندما وجد التفاحة، وقال «وجدتها - ليس على التفاحة بالطبع وإنما على قانون الجاذبية الأرضية»، أنا أيضاً «وجدتها» وأقصد هنا إدارة الثقافة، ووصولها للناس وكيف تلعب مكتبة الإسكندرية دوراً فى هذا، هو أن تدير ملف الثقافة بنفس الروح واللغة التى أدير بها لقاء المثقفين، روح الدعابة والقرب من الناس واستخدام لغة تتمتع بالرقى والرصانة فى منهج وأسلوب بسيط وحميم، فى أحد المواقف التى انفجرت القاعة فيها ضحكاً حينما كان يرحب الدكتور الفقى بالحضور وحريص على تحية الجميع باسمه أو فضائله بمن فيهم الشباب، ووجه حديثه لشابة قائلاً جميل أنك حاضرة، وسألها «أمال فين عمتك؟» بالمناسبة عمتها سيدة رفيعة المستوى، وكانت مدعوة أيضاً، انفجرنا ضحكاً لأننا شعرنا أننا فى دوار العمدة، لأول مرة فى منتدى ثقافى يجمع مثقفى مصر ولا تتشقق الحوائط من مبارزة الكلمات المقعرة، أعتقد أننا إن أردنا أن نرتقى بالثقافة ونشجع الناس على القراءة لا بد أن نصل إليهم ليس بالندوات فقط والأدوات التقليدية والحديثة فحسب وإنما بالمنهج والأسلوب أيضاً، منهج يعتمد على الوصول للناس والقرب والحميمية حتى نزيل الاشتباك بين كلمة الثقافة والكآبة، وهنا قد يحتاج فريق عمل المكتبة بالإضافة إلى برامجه المهمة إلى أداة توصيل لفئة تشكل ما يقرب من ٦٠٪‏ من المصريين، وهم الشباب وهنا لا يفل الحديد إلا الحديد، أوصيهم وبفرق من المتطوعين من الشباب لعمل حملة اتصال إلكترونية، أعطوا لهم فرصة الإبداع واستخدام أدوات اتصالهم للوصول لأقرانهم، أعطوهم فرصة حقيقية ولا تصادروا على أفكارهم مهما بدت غريبة وأحياناً صادمة

فهى ليست كذلك وإنما نحن الذين نبعد عنهم مسافة التطور الرقمى وهى لو تعلمون لم تعد تقاس بالسنين العادية وإنما بالسنين الضوئية.