التفاصيل الكاملة لمصطلح «الدولة الفاشلة»
- أحمد رفعت
- أراضى ليبيا
- اتخاذ القرارات
- استخدام العنف
- استقرار الدولة
- الأسرة الدولية
- الأسلحة النارية
- البند الرابع
- أباتشى
- أجنبية
- أحمد رفعت
- أراضى ليبيا
- اتخاذ القرارات
- استخدام العنف
- استقرار الدولة
- الأسرة الدولية
- الأسلحة النارية
- البند الرابع
- أباتشى
- أجنبية
كثيرون أصابتهم الدهشة من مصطلح «الدولة الفاشلة»، حتى إن بعضهم لم يصدق أنها عنوان لإحدى جلسات مؤتمر الشباب، بينما آخرون قرأوها بشكل خاطئ على أن الجملة هى «الدولة الفاشية»!
كلا الأمرين السابقين يعنى أننا نحتاج إلى جهد أكبر مما يبذل لتوضيح فكرة «حروب الجيل الرابع»، التى تستهدف فى نهايتها «إفشال الدولة» المستهدفة، وأننا علينا القيام بحملة توعية كبيرة ليدرك كل المصريين الوطنيين الشرفاء ما يجرى حولهم وما يدبر لهم.. وإن كان هذا التحرك تأخر كثيراًَ، وهو ما دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى ليطالب الإعلام بالاهتمام بالأمر، لكنه فى الحقيقة كان قد حذر مراراًَ من هذا النوع من الحروب، وهذا المخطط الذى يستهدفنا جميعاً حتى إنه ذات مرة استخدم مصطلح «الكتائب الإلكترونية» بدلاً من مصطلح «اللجان الإلكترونية»، وتبدو الأولى فعلاً أدق من الثانية، وهى الأقرب إلى لغة الحروب.. كما أنه حذر أيضاً من السلوك على شبكات التواصل الاجتماعى، وقال حرفياً: «انتوا مش عارفين بتكلموا مين على الصفحات دى»، وكان يقصد هذه الكتائب التى تدير صفحات مزيفة ووهمية بالآلاف!
«الوطن» تقف عند مسئولياتها الوطنية، وسنحاول فى السطور التالية شرح مسألة «الدولة الفاشلة» أو «إفشال الدولة» بأكبر تبسيط ممكن، وبعيداً عن أى مصطلحات تسهم فى تعقيد الموضوع أو تشتيت ذهن القارئ..
كانت الحروب الوسيلة الوحيدة لتحقيق أهداف الدول ضد الدول الأخرى، ولم يتغير ذلك بتغير أدوات الحرب.. منذ القتال بالحجارة، ثم تطور ذلك إلى القتال بالسيوف والدروع والخناجر والسهام والنبال وهذا كله أطلق عليه الخبراء والمتخصصون «الجيل الأول من الحروب»، واستمر حتى ظهر البارود والأسلحة النارية التى تطورت هى الأخرى وتحولت طلقة البارود الصغيرة إلى رصاص وقذائف مدافع وقذائف صواريخ ودانات دبابات وطائرات وغواصات وبوارج وسفن حربية.. وبهذه الأدوات والوسائل أو الأسلحة، اشتعلت على كوكب الأرض عشرات الحروب والمعارك راح ضحيتها الملايين، وفيها كانت تشتبك الجيوش ببعضها، والمنتصر هو من يستوعب ضربات العدو، ويردها دون أن ينهار.. ومن هنا رأينا فى النصف الأول بل وحتى ثمانينات القرن الماضى حروب كثيرة، من الحربين العالميتين، إلى حرب إيران والعراق، والحرب الكورية وحرب فلسطين وحروبنا ضمن الصراع العربى الإسرائيلى الممتدة عسكرياً حتى أكتوبر 1973، وكل هذه الحروب صنفها الخبراء ضمن «الجيل الثانى من الحروب»!
ومع تطور علوم القتال وتكنولوجيا الأسلحة، شهد العالم لأول مرة حرباً من نوع جديد.. هذه المرة بغير اشتباك بين جيشين، كما كان يحدث فى الماضى، بل شهدنا طرفاً يكسب الحرب دون اشتباك على الأرض.. سمّوها الحرب الاستباقية.. وكانت للأسف ضد العراق الشقيق عندما استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية تدميره وإسقاط حكومته دون أى اشتباك على الأرض، فقد بدأت الحرب واستمرت وتصاعدت وانتهت دون اشتباك حقيقى على الأرض أو فى ساحة قتال، وحسمتها كلها صواريخ بعيدة المدى وطائرات لا تراها قوات الدفاع الجوى لإمكانيات متطورة فيها.. فهى لا يلتقطها أى رادار وإن التقطها، فإنها يمكنها التشويش على أى صواريخ تطاردها، فتذهب بها بعيداً! هذا النوع من الحروب التى غيرت معادلات الحرب أطلق عليها الخبراء والمتخصصون الحرب الاستباقية، واعتبروها هى «الجيل الثالث من الحروب»!
كانت كل أنواع الحروب السابقة لها ثمنها.. ولها كلفتها.. ليس فقط المادية والاقتصادية، وهى طبعاً بالمليارات، حتى إن الحرب العراقية الإيرانية والتى توقفت منذ ثلاثين عاماً بالتمام والكمال إلا أنها كلفت العراق والدول العربية ما يقرب من 500 مليار دولار بأسعار تلك الفترة!
ولم تكن الكلفة بشرية فقط، رغم أن الحرب الإيرانية العراقية أيضاً تسببت فى خسارة مليونى شهيد، فضلاً عن ملايين الجرحى والمشردين والنازحين.. ولا تكون الكلفة فى البنية التحتية فقط ولا فى سمعة الدولة المعتدية أو كلا الفريقين المتقاتلين من خلال سخط وغضب الرأى العام العالمى، الذى بات يتابع كل صغيرة وكبيرة، إنما أصبحت خسائر الحروب بشكلها الذى تناولناه هى كل أنواع الخسائر التى ذكرناها سابقاً مجتمعة، حتى بدأت أذهان بعض الخبراء الأمريكان فى التوصل إلى إمكانية تحقيق أهداف الحرب دون أى قتال، أو أى انتقال لقوات عسكرية نظامية من الأساس.. كيف ذلك؟ كيف يمكن هزيمة دولة دون إعلان أو شن الحرب عليها؟ كيف يمكن تدمير دولة ما دون انتقال الجيوش إليها واستخدام الطائرات والصواريخ ضدها؟ هل يمكن ذلك فعلاً؟ هكذا قال الخبير الأمريكى ويليام ليند عام 1989 فى إحدى محاضراته داخل الجيش الأمريكى.. ونكتب التاريخ عمداً لأنه قريب من تاريخ انهيار وسقوط دول الكتلة الشرقية.. الذى سقطت حكوماتها ومعها النظام الشيوعى واحدة بعد الأخرى وهنا اكتشف الجميع أن هذه الكتلة الضخمة من الدول الشيوعية التى احتلت أكثر من نصف العالم أرضاً وسكاناً، وحيرت أمريكا والغرب وأرهقتهم فى الحرب الباردة التى بدأت بعد توقف الحرب العالمية الثانية، أى ما يقترب من نصف قرن شهدت مناوشات وحروباً بالوكالة، أى أطراف صغيرة نيابة عن الدول العظمى، وشهدت أيضاً حروباً إعلامية جبارة تأسست من أجلها محطات إذاعية بلغات مختلفة ونشاط كبير لأجهزة المخابرات ومكافحتها من كلا الطرفين تكلف كله عشرات أو مئات المليارات من الدولارات اكتشفوا فجأة أن ذلك كله يمكن الاستغناء عنه وبتكلفة بسيطة منه يمكن إسقاط الطرف الآخر وتحطيمه والقضاء عليه دون طلقة رصاص واحدة، ومن هنا أطلق «ويليام ليند» مصطلح «حروب الجيل الرابع»، التى تنتهى إلى «الدولة الفاشلة»!
يعرّفون الدولة الفاشلة على أنها دولة ذات حكومة مركزية ضعيفة أو غير فعالة، حتى إنها لا تملك إلا القليل من السيطرة على جزء كبير من أراضيها، لكن المتخصصين يطلقون أيضاً على الدولة الفاشلة تعريف: «أن تفقد السلطة القائمة قدرتها على السيطرة الفعلية على أراضيها أو أن تفقد احتكارها لحق استخدام العنف المشروع فى الأراضى التى تحكمها، وثانيها هو فقدانها لشرعية اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها، وثالثها عجزها عن توفير الحد المعقول من الخدمات العامة، ورابعها عجزها عن التفاعل مع الدول الأخرى كعضو فاعل فى الأسرة الدولية»، ولكن فى اعتقادنا أن الدولة الفاشلة هى من تجتمع فيها الصفات السابقة كلها.. فدولة مثل لبنان الشقيق مثلاً لا تحتكر فعلياً، وعلى الأرض، الحكومة المركزية فيها حق استخدام العنف المشروع.. لأن هناك قوة عسكرية أخرى لا تقل قوتها عن قوة الدولة، وربما تزيد، وهى قوات «حزب الله»، والعنف المشروع طبعاً هو حق الدفاع عن الدولة وحق فض الشغب وحق التدخل ضد أى خروج عن القانون، ولكن للحكومة المركزية هيمنة على معظم أراضيها وتؤدى خدماتها المكلفة بها إلى أغلب الشعب اللبنانى، ولذلك لا يمكن وصفها بالدولة الفاشلة.. بينما دولة مثل الصومال الشقيق أيضاً لها رئيس جمهورية إلا أن حكومته لا تبسط هيمنتها على كل أراضى الصومال ولا تحتكر القوة المسلحة وهكذا فى أفغانستان، كما أن الشقيقة ليبيا لا تتفاعل مع المجتمع الدولى، كما ينبغى، رغم وجود حكومة وبرلمان ولا تسيطر الحكومة المركزية على كل أراضى ليبيا ولا تؤدى دورها تجاه كل أو معظم مواطنيها، ولذلك فهى دولة فاشلة تماماً ونموذج لها بكل أسف مع نموذجى الصومال وأفغانستان!
ولذلك وللوصول إلى هذا الهدف النهائى دون حروب عسكرية مباشرة لا بد من زرع كل عوامل الفشل داخل هذه الدولة.. لا بد أن تفشل الأجهزة الحكومية عن القيام بدورها ويجب أن تسقط قطعة من أرض هذه الدولة فى يد أخرى معادية، كما يجب التشكيك فى شرعية مؤسسات هذه الدولة من رئيس وحكومة وبرلمان وهيئات أخرى حتى يمكن وصف قراراتها أو أغلبها بأنها غير شرعية وعندئذ تتوافر فيها كل أوصاف الدولة الفاشلة!
المدهش أن تعريفات عديدة لحروب الجيل الرابع، من بينها التعريف الأمريكى الذى ينص على: «الجيل الرابع من الحروب، الحرب بالإكراه.. إفشال الدولة.. زعزعة استقرار الدولة، ثم فرض واقع جديد يراعى المصالح الأمريكية»، وعندما وضع الخبراء الأمريكان خطوات تنفيذ التعريف السابق وضعوا الخطوات الأربع التالية بالترتيب:
ـ الإرهاب.
ـ قاعدة إرهابية غير وطنية أو متعددة الجنسيات.
ـ حرب نفسية متطورة للغاية من خلال الإعلام والتلاعب النفسى.
ـ تستخدم كل الضغوط المتاحة - السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية.
ـ استخدام تكتيكات حروب العصابات والتمرد!!
وعلامات التعجب من عندنا بالطبع.. فالخطوات الخمس تحاول القوى الخفية والمعادية فرضها كاملة فى مصر.. فنحن بالفعل نعانى من إرهاب حقيقى.. كما أننا كل يوم نكتشف وجود عناصر أجنبية تقاتل ضد الجيش والشرطة فى سيناء، ومن المؤكد أنهم موجودون بين القتلى الذين يصفيهم الجيش فى محاولات التسلل عبر الحدود الشرقية.. وطبعاً أفشل الجيش والشرطة كل محاولات فرض أى واقع عليهما أو على مصر فى سيناء، وهذا يكشف سر إصرار الأطراف الأخرى، بأى عنف ممكن، فرض هذا الواقع فى سيناء!
كما أنه خلال الفترة الماضية، لا تتوقف حرب الشائعات والأكاذيب ضد مصر.. تحول الإيجابى إلى سلبى وتشكك فيه.. وتحول السلبى إلى كارثى.. تستخدم كل وسائل الطعن فى أى شىء وكل شىء ولا تترك مناسبة إلا وسعت للتشويش عليها، وعلى الدولة المصرية فمشروع قناة السويس الجديدة مثلاً، ومن وجهة نظر الإعلام المعادى، هى «ترعة»، ثم «تفريعة»، وبدأ التشكيك فى جدوى جمع أموال المصريين، فلما ضرب المصريون المثل فى جمعها وبسرعة مذهلة وبمعدل استجابة أسطورية للقيادة السياسية طعنوا فى مشروعيتها الدينية، وقالوا إن فوائدها حرام!! ثم انتقلوا إلى مربع جديد بالتشكيك فى المشروع فنياً وأن مياه البحرين مختلفة!! ثم انتقلوا إلى الجيولوجيا وأن التربة لن تحتمل وأن أحد الخبراء العالميين الموجود فى أمريكا الذى اسمه كذا ويعمل فى قسم كذا بجامعة كذا يحذر من الاستمرار فى المشروع، لنكتشف فيما بعد أن ليس هناك دكتور أصلاً بالاسم الذى ذكروه، ولا يوجد قسم بالعنوان الذى قالوه، بل ولا توجد جامعة أصلاً بالاسم الذى قالوه وأن الأمر كله ليس إلا واحدة من حرب الأكاذيب تستهدف الروح المعنوية للمصريين ضمن خطة شاملة طالت كل المشروعات مثلما جرى فى واقعة «السجادة الحمراء»، التى استطاعوا للأسف فيها إشغال قطاع من المصريين بعيداً عن أكثر من 32 مشروعاً من المشروعات المهمة التى طالما احتاجها المصريون من أجل كلام سخيف لا قيمة له وهذا نفسه كله خطوة من خطوات إفشال الدولة المصرية التى أدخلوها إلى البند الرابع من الخطوات المذكورة أعلاه، فوجدنا قضية «ريجينى»، مع منع السياح من المجىء إلى مصر من عدد من الدول، ليس كلها متآمراً طبعاً، لكنهم صنعوا الظروف التى دفعتهم لذلك، ومنها منع طائرات الأباتشى وقطع غيار الـ «إف 16» مع تعطيل «المعونة الأمريكية»، وهكذا تشن الحرب على مصر بكل الخطوات المتاحة والمقررة وفقاً للتعريف المذكور.. وربما كان ذلك سبب، أو أحد أسباب، اهتمام الرئيس السيسى بالموضوع فى مؤتمر الشباب بالإسكندرية، وكان سبباً من أسباب شحن المجتمع المصرى وتعبئته ضدها..
وإلى الحلقة الثانية وفيها:
الخطوات التفصيلية والعملية لإفشال الدولة