فلاحون: بيوتنا خربت من غلاء «الأسمدة والمبيدات»

كتب: حسن عثمان

فلاحون: بيوتنا خربت من غلاء «الأسمدة والمبيدات»

فلاحون: بيوتنا خربت من غلاء «الأسمدة والمبيدات»

على رأس أرضه، يجلس الحسينى صالح، يلتقط أنفاسه بعد أن انتهى من رش المبيدات لقتل آفة دودة ورق القطن التى تهدد محصوله كل عام. قطرات العرق تتساقط من جبين الرجل فيرفع رأسه إلى السماء عسى أن يلتقط نسمة هواء تعيد له روحه التى أوشكت على الخروج بسبب استنشاق هذه المبيدات القاتلة. يحاول «الحسينى» جاهداً الخروج هذا العام بمحصول يسدد ديونه، ويشترى «شبكة» لنجله الذى قرر الزواج من ابنة خالته التى تسكن قرية «تانيس» التابعة لمركز صان الحجر بالشرقية.

عن زراعة القطن، يقول «الحسينى»: «معاناة شديدة يتحملها الفلاح طول 8 أشهر تقريباً وهى مدة بقاء محصول القطن فى الأرض وهى أطول فترة يقضيها محصول فى الأرض منذ زراعته وحتى جنيه، لأن محصول الأرز مثلاً لا تتعدى مدة زراعته 4 أشهر، ومحصول الذرة أيضاً، أما القطن فيظل فى الأرض فترة تصل 8 أشهر».

يتحدث الفلاح الشرقاوى عن محصول القطن الذى كان يعتبره ذهباً أبيض قبل سنوات، ليصبح القطن حالياً محصولاً مرهقاً للفلاح ويستنزف ما فى جيبه دون عائد بعد أن بات يشكل معاناة له كل عام، ويقول: «أيام زمان كان القطن فعلاً ذهب أبيض، كنا بنستنى القطن علشان نبيعه ونسدد كل الديون اللى علينا، كنا بنستنى القطن علشان نتجوز ونفتح بيوت جديدة ونبنى بيوتنا، القطن زمان غير دلوقتى خالص».

{long_qoute_1}

معاناه المزارعين مع محصول القطن تبدأ منذ تجهيز الأرض للزراعة فى شهر مارس من كل عام، حيث يضطر الفلاح للتخلص من محصول البرسيم لإخلاء الأرض من أجل زراعة القطن، ثم يبدأ الحرث ويحتاج الفدان 3 حرثات، قبل الزراعة، تكلفة الحرثة الواحدة تصل 160 جنيهاً، ويقول «الحسينى»: «عشان نزرع القطن لازم نجهز الأرض كويس قبل الزراعة، نقوم فى آخر شهر مارس بإخلاء الأرض من البرسيم أو أى محصول تانى وننزل السماد البلدى، وبعد كدا نحرث الأرض (3 سكك) الحرثة أو السكة الواحدة تكلفنا 160 جنيه، بعد الحرث نعمل حاجة اسمها (التنهير) وهى عبارة عن تقسيم الأرض إلى خطوط باستخدام أحد المحاريث الخاصة لزراعة القطن عليها، الشغل ده مكلف جداً ومتعب على الفلاحين».

لا يكتفى الفلاحون بتسميد الأرض التى تم تجهيزها لزراعة القطن فقط بالسماد البلدى، وإنما يتم تسميد الأرض بسماد السوبر، وهذا السماد يعمل على تفكيك التربة، مما يساعد البذور على النمو: «بعد ما بنسمد الأرض بالسماد البلدى ونحرتها ونعمل عملية التنهير، لازم نرمى فى الأرض سماد السوبر، وده سماد بيساعد على تفكيك التربة وبيسهل عملية نمو النباتات، الفدان بيحتاج إلى نحو 4 شكاير من السوبر، سعر الواحدة 100 جنيه». يصمت «الحسينى» ثوانى ثم يحاول جاهداً تذكر ما يقوم به من أعمال لمحصول القطن الذى يستنزف كافة أمواله فيقول: «بنروح الجمعية الزراعية علشان نشترى البذرة، ولازم الفلاح اللى يزرع قطن يشترى البذور من الجمعية الزراعية، وده لمنع اختلاط الأقطان مع بعضها، لأن كل مركز تقريباً له نوع معين من القطن المفروض يزرعه، الفدان بيحتاج 3 عمال لزراعته ويومية العامل بقت 100 جنيه النهارده». ويتابع «الحسينى» الذى أكد أنه بعد زراعة القطن بنحو شهر يقوم بعملية (الخف) وهى التخلص من النباتات الزائدة ليترك فى كل (جورة) اثنتين فقط، ويحتاج الفدان إلى 3 عمال لإنجاز هذا العمل، وبعد عملية الخف يقوم الفلاح بعملية (العزيق) وهى عملية تتم كل أسبوعين حتى يصل عمر القطن 3 أشهر تقريباً، وخلال هذه الفترة يقوم الفلاح برش القطن بالمبيدات المختلفة التى تقتل (المن - الحمرا - ودودة ورق القطن) وغيرها من الآفات والحشرات التى تؤثر على المحصول، عملية الرش تتم أسبوعياً، وفى بعض الأوقات أثناء عملية (التلويز)، وهى الفترة الحرجة فى عمر المحصول، قد تتم مرتين فى الأسبوع، تكلفة الرشة الواحدة تتعدى فى بعض الأوقات الـ300 جنيه للفدان.

على بعد نحو 4 كيلومترات من أرض «الحسينى» يقف الحاج السيد أبوخليفة، أحد مزارعى القطن بمساحات كبيرة، بجوار ماكينة الرى الخاصة به على ترعة الناصرية التابعة لمركز صان الحجر، يحاول وضع السولار فيها ليقوم بتشغيلها لرى أرضه المزروعة بالقطن، بعد أن انتظر حضور الماء أكثر من أسبوعين فيقول: «اشتريت صفيحة الجاز (السولار) بـ75 جنيه علشان أروى القطن، يعنى سعرها زاد وبقى الضعف، هو الفدان هيجيب إيه بس، أنا عارف إن فيه خطة لتطوير محصول القطن، طيب هيطوروه إزاى من غير مساعدة الفلاحين الأول على الزراعة». ويتابع «أبوخليفة»: «حتى يعود القطن إلى عصره الذهبى يجب أن تضع الدولة فى اعتبارها إعادة الدورة الزراعية، لأن تفتيت الملكية الزراعية أثر بشكل كبير على مساحة القطن، وعودة الدورة الزراعية هيساعد على توفير الأسمدة والمبيدات للفلاحين، خصوصاً أن أسعار كل حاجة بقت غالية جداً». ويؤكد «أبوخليفة» أن أصعب ما يواجه مزارعى القطن فى مصر هى عملية (جنى) المحصول: «أكبر مشكلة بتواجه الفلاحين فى مصر هى عملية جمع القطن، دى عملية مكلفة بتاخد وقت ومجهود يمكن أكبر من المجهود اللى الفلاحين بيبذلوه منذ زراعة المحصول لغاية جنيه، يومية العامل فى جنى المحصول وصلت السنة اللى فاتت 70 جنيه، طيب لو اليومية كدا العامل عمره ما بيجمع قطن فى اليوم بـ200 جنيه، غير أكله وشربه ومواصلاته، يعنى فى النهاية المحصول مابيجبش تمن جمعه». ويضيف: «لازم الدولة تتصرف بسرعة كبيرة ومركز البحوث الزراعية يخترع آلة لجنى القطن علشان ترحم الفلاحين شوية من المصاريف الكتير اللى بياخدها جنى المحصول، وكمان الأسمدة اللى سعرها اتضاعف، الفلاح يجيب منين فلوس علشان يشترى وسعر شيكارة الكيماوى فى الجمعية 150 جنيه وبرة بـ220 جنيه، طيب الفدان بيحتاج أكتر من 10 شكاير سماد فى السنة هيجيب منين الفلاح فلوس علشان يسمد أرضه؟».

قبل عامين، وجد فرحان حسن «فلاح»، محصول القطن الخاص به يجب أن يتم جنيه، بحث عن عمال للجنى، لكنه وجد أن اليومية تصل إلى 50 جنيهاً، حاول أن يجنى محصوله هو وأسرته، لكن الأمر كان شاقاً للغاية، فقرر أن يترك أرضه كما هى، خصوصاً أن تكلفة المحصول طوال العام، إضافة إلى تكلفة الجنى أعلى من سعر بيع القطن بكثير، فقرر ترك الأرض دون جنى، وحكى «حسن» عن أحد جيرانه الذى قرر حرق أرضه بما فيها من قطن، لعدم قدرته على توفير أموال لتسديد يوميات العمال.


مواضيع متعلقة