المسحراتى.. مهنة رمضانية
بإيقاعه المتناغم، خطواته الوئيدة، يشق سكون الليل فى ثلثه الأخير، يجوب الحوارى والأزقة، المزينة بالزينة الرمضانية، وكهارب النور يتوسطها فانوس كبير، يتسرب منه ضوء خافت باهت، تلمع أشعته الصفراء الشاحبة على جدران الحارة الضيقة.
يطوف المسحراتى قبل الإمساك عن الطعام بساعتين كل ليلة على مدار الثلاثين الرمضانية، قابضا بيساره على طبلته التقليدية التى يقرعها برتابته المعتادة، بينما بصره شاخص تجاة المنازل، ليصدح بصوته الجهورى على قاطنيها «اصحى يا نايم.. وحد الدايم» تارة، وأخرى يخاطب رب الأسرة بلقبه «اصحى يا أبو... دحنا فى شهر الصوم».
يدخل منبهاً الغافلين فى سبات عميق داخل المنازل الراقدة على جانبى الحارة الخالية من المارة، باستثناء واحد من أهلها يعود إليها بعد قضاء سهرته فى مكان آخر، وقبل الخروج منها يكرر النداء بصيغة أخرى.
ذلك الرجل البسيط الذى أصبح أحد طقوس الشهر الكريم، وجزء من التراث الشعبى الرمضانى، يقوم بتلحين عبارته الارتجالية بالطرق على طبلته بطريقة فنية.
مهنته يمارسها شهراً واحداً فقط فى العام، ورغم اندثارها فى المناطق الراقية، إلا أنها ما زالت موجودة فى المناطق الشعبية والقرى والنجوع، رغم تغير الزمان القديم بآخر متطور بات كل شىء فيه ينبه الإنسان ويوقظه من نومه بدءاً من الساعة وانتهاء بالموبايل.