حكم المحكمة الإدارية العليا وآلية الكشف عن الاختفاء القسرى

أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكماً يعد من الأحكام المهمة التى تعزز احترام حقوق الإنسان، وكتطبيق مباشر لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن مكافحة الاختفاء القسرى الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة برقم 177/61 فى ديسمبر 2006، صدر الحكم فى 3 يوليو 2017 ألزمت به وزارة الداخلية بالإفصاح عن مكان طبيبة، على اعتبار أن أهم واجبات وزارة الداخلية هى الكشف عن مكان المختفين.وتأتى أهمية هذا الحكم فى أنه يحدد طريقاً محدداً لمحاربة الاختفاء القسرى، ويفتح الطريق أمام سبل وطنية للإنصاف وحماية حقوق الإنسان، فقالت المحكمة فى حكمها إنه لا يجوز تعريض أى شخص للاختفاء القسرى، وإنه لا يجوز التذرع بأى ظرف استثنائى، سواء تعلق الأمر بأى حالة استثنائية، تبرير الاختفاء القسرى، وأكد الحكم على ما ورد فى الاتفاقية من التزام كل دولة طرف فى الاتفاقية اتخاذ التدابير الملائمة للتحقيق فى التصرفات المحددة عن الاختفاء القسرى التى يقوم بها أشخاص أو المجموعات من أفراد يتصرفون دون إذن أو دعم أو موافقة الدولة، ولتقديم المسئولين إلى المحاكمة.

وأهم ما جاء فى حكم المحكمة هو الدعوة للدولة بأن تعدل تشريعاتها لكى تجرم جريمة الاختفاء القسرى، اتساقاً مع ما جاء فى الاتفاقية بدعوة الدول الأطراف فى الاتفاقية لتحميل المسئولية الجنائية لكل من يرتكب جريمة الاختفاء القسرى أو يأمر أو يوصى بارتكابها أو يحاول ارتكابها، أو أن يكون متواطئاً أو يشترك فى ارتكابها، وأنه لا يجوز التذرع بأى أمر أو تعليمات صادرة من سلطة عامة أو مدنية أو عسكرية أو غيرها لتبرير جريمة الاختفاء القسرى.

والحقيقة أن جريمة الاختفاء القسرى من الجرائم ضد الإنسانية، التى وردت فى اتفاقية روما للمحكمة الجنائية الدولية، ولا يتمتع مرتكبها أياً كان مستواه الوظيفى بأى حصانة، لذلك أنشأت الاتفاقية لجنة لتلقى شكاوى الأفراد والمنظمات غير الحكومية بشأن حالات الاختفاء القسرى، التى تقوم اللجنة بتوثيق الحالات وتخاطب الدول المعنية بشأنها، وقد تلقت اللجنة المعنية بالاختفاء القسرى عدداً من الشكاوى بشأن الاختفاء القسرى لأشخاص مصريين، لذلك قرر المجلس القومى أن يدعو كل من له شكوى أن يقدمها للمجلس القومى، الذى بدوره خاطب بها وزارة الداخلية التى اهتمت بهذا الملف، بعد لقاء تم بين رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان والسيد وزير الداخلية، وبالفعل تم إجلاء مصير عدد وصل إلى 220 قضية، حيث كشفت الوزارة عن أن أغلب المختفين محتجزون فى السجون المصرية ويخضعون للتحقيق فى تهم معينة، وبعض الحالات تم الكشف عن مغادرتهم البلاد وبعض الحالات لا تزال لم يكشف عنها بعد.

لذلك فإن هذا الحكم فى الحقيقة أكد على نقطتين مهمتين، الأولى تتعلق بالنقص التشريعى فى مصر المتعلق بجريمة الاختفاء القسرى، الأمر الذى يتطلب أن يقوم المشرع بتعديل فى قانون العقوبات، بإضافة نص لتجريم جريمة الاختفاء القسرى وفقاً للتعريف الوارد فى الاتفاقية الدولية لمكافحة الاختفاء القسرى، وأن يعاقب مرتكب الجريمة ومن أمر بها ومن شارك فيها بأى شكل من أشكال المشاركة والمساهمة الجنائية، حتى تتم محاصرة الجريمة ومنع حدوثها فى مصر، النقطة الثانية تتعلق بمسئولية وزارة الداخلية فى الكشف عن مصير أى شخص يختفى قسرياً فى مصر، وهنا نوصى وزارة الداخلية بإنشاء صفحة على الإنترنت تتبع قطاع حقوق الإنسان، تمكن أى شخص أو أسرة أو محام والمجلس القومى لحقوق الإنسان من البحث عن الأشخاص المحتجزين وأماكن الاحتجاز وجهة التحقيق التى تقوم بالتحقيق والتهم الموجهة إليهم، لقد فتح هذا الحكم طريقاً للإنصاف فى مصر وتحسن سجلنا فى مجال حقوق الإنسان من خلال آلية إنصاف وطنية، لذلك من الأهمية بمكان إرسال هذا الحكم إلى لجنة الاختفاء القسرى بالأمم المتحدة لكى تدعو من يقدم شكوى للجوء لآليات الإنصاف الوطنية.