من شباب الصناع للحكومة: «اطبخى يا جارية.. كلِّف يا سيدى»

كتب: رحاب لؤى

من شباب الصناع للحكومة: «اطبخى يا جارية.. كلِّف يا سيدى»

من شباب الصناع للحكومة: «اطبخى يا جارية.. كلِّف يا سيدى»

لا تعد «أزمة الخامات» حكراً على مجال بعينه أو مجموعة خامات بعينها، لكنها تمتد حتى إلى أدق وأغرب المنتجات، وكذلك أشهرها، مصر التى اشتهرت لسنوات طويلة بالريادة فى مجال «القطن المصرى» يعجز الكثيرون عن شراء «بيجامة» من داخل المنافذ الرسمية لشركات الغزل والنسيج «الحكومية» التابعة لها، حيث يتراوح سعر الواحدة بين 300 و600 جنيه فى المتوسط، ما دفع البعض للتساؤل «ليه.. معمولة من حرير؟!».

أسعار تصيب الكثيرين بالصدمة وتدفعهم لكثير من التساؤلات، بشأن منتج خامته مصرية ومصنعه مصرى وزبائنه كذلك، فلماذا قد تصل الأرقام إلى ذلك الحد الخرافى، أزمة لم تبتعد حتى عن أكثر المجالات دقة وخطورة وهو مجال الأدوية، حيث خرجت الشركات لتعلن أن النقص الذى حدث خلال الفترات السابقة لبعض الأدوية المصرية، يرجع إلى أزمة «خامات».

{long_qoute_1}

داخل ورشة النجارة الخاصة به، فى البدرشين، لا يتوقف خالد عبدالتواب أبومسلم عن التفكير فيما آلت إليه أعماله، النجار الشاب تتواصل دعوات «ريادة الأعمال» و«الاستثمار» فى الإلحاح على أذنيه من كل حدب وصوب، لكن المسألة بالكامل تبقى مرهونة بـ«الخامات» التى توجه له ولأبنائه عشرات الضربات الموجعة منذ اندلاع ثورة يناير 2011 وحتى الآن.

يؤمن «خالد» بقوته فى موقعه على صغر ورشته، قوة يعللها بقوله «مصر فيها 3 مراكز رئيسية لتصنيع الموبيليا؛ دمياط والبدرشين والقليوبية، الصعايدة بييجوا عندنا يحمّلوا العربيات النقل بغرف النوم والأنتريهات عشان يوصلوها لأعماق الصعيد». {left_qoute_1}

فى عالم الموبيليا يدرك جميع الصناع أنه لا توجد خامة مصرية، اللهم إلا تلك الألواح من الفايبر الضعيف، الذى ينكسر قبيل الاستخدام بحسب خالد «الخشب كله صينى وروسى وإندونيسى وفنلندى، مفيش خشب مصرى، لذلك الكار كله مربوط بالدولار وبالجمارك»، ارتفاعات متوالية ارتفعت بأردأ لوح من 16 جنيهاً إلى 45 جنيها، وبالخشب من 1600 إلى 4500 «الزيادة مابقتش طبيعية، أكتر من الضعف وطالع، كل ده أثر على الشراء وعلى جودة المصنوع، الغرفة اللى كنا بنعملها بخشب محترم بـ3 آلاف أصبحت رديئة وبـ6 آلاف».

ثبات الدولار جعله وزملاءه يكفون عن اللهاث وراء الأسعار، لكن الأنباء لا تبدو جيدة بشأن المقبل «رفع السولار بعد العيد زى ما سمعنا لو حصل هييجى علينا بموجة زيادات جديدة»، ابتسامة ساخرة ترتسم على وجهه كلما سمع عن ضرورة كف الشباب عن السعى وراء الوظيفة الحكومية والبدء فى مشاريعهم الخاصة «أنا شغال فى مشروعى لكن الحكومة سايبانى أنا واللى زيى فى مهب ريح الدولار والتعويم والجمارك وغيرها من الحاجات اللى بتضرب الشغلانة فى مقتل، سعر وجودة».

يعتبر «خالد» وجيرانه فى الورش المجاورة أن الترجمة الحقيقية لمساندة الدولة للشباب والمنتج المصرى تتمثل فى دعم حقيقى للخامات التى لا يوجد بديل حقيقى لها داخل مصر «جالنا ناس من وزارة البيئة من كام شهر عشان يعملوا حصر لينا وقالوا لنا هانعمل لكم ورش مدعومة من الدولة وكلام كتير، كلمناهم عن مشكلتنا مع الخامات وعن إن المكان والزمان مش مشكلة قد الخامة، لكن انتهت الاجتماعات وانتهى معها كل شىء، كأنك يا أبوزيد ما غزيت»، أزمة انتهت به وزملائه إلى اللجوء إلى عالم الإنتاج التليفزيونى «قفلنا الورش ورحنا مدينة الإنتاج نشتغل فى الديكور كلنا وبعد ما كنا أكتر من ألف ونص ورشة فى المحيط بقينا 400 على أقصى تقدير»، مع ذلك تظل الصورة الوردية تراوده «خامات يتراوح عددها بين 15 و20 نوعاً يعتمد عليها كار «النجارين» فى مصر بحسب النجار الشاب «عشان نقول هنعمل منتج وطنى محتاجين نزرع الشجر دا ونعمل مصانع بعدد الأنواع تقطعه وتجهزه، الموضوع صعب لكن مش مستحيل، بس مين ينفذ؟ الدولة أسهل لها تنفخنا وتنفخ المستهلك فى ضرايب وخامات وتعويم، ولا إنها تقف جنبنا فى محنتنا اللى قريب هتقضى علينا كلنا».

أزمة تتعلق بالخشب لا تختلف عن تلك المتعلقة بالأقمشة، جهود حثيثة لتنمية مشروعهما الصغير فى صناعة الملابس الحريمى داخل مصنعهما الذى دشناه قبل ست سنوات ولا يزال كل من فتحى حسن وأحمد زكى يحاولان الإفلات من الأزمات المتتالية المتعلقة بالخامات دون جدوى، مهنة تحقق مكاسب جيدة وتسهم فى تشغيل عدد كبير من الشباب، لكن أزمة الخامات الخاصة بالأقمشة والإكسسوارات تتفاقم دون نهاية واضحة «أكتر حاجة مسببة مشكلة طبعاً أسعار الخامات والإكسسوار اللى بنستخدمها، غير إن العمالة غليت لأن الفلوس مش مكفية الناس، لذلك بنضطر نقلل العمال ونقلل الربح عشان نعرف نبيع ونكمل، المستهلك مابقاش مستحمل زيادات تانية فى الأسعار، ولا إحنا كمان لكن ما باليد حيلة».

{long_qoute_2}

طموح تحوّل إلى خوف خاصة مع توالى الارتفاعات بتوالى المواسم «أولاً فترة السماح مع التجار بقت قليلة جداً، وسعر الدولار مخلى الخامات غالية جداً، الخامات زادت بنسبة 100%، حتى أسعار الكارتون اللى بنفرد عليه التى شيرت زادت، والإكسسوار، لأنه كل بيعتمد على الدولار، ولذلك مستلزمات قطعة الملابس الواحدة زادت، ناهيك عن قطع غيار الآلات والمكن اللى زادت جداً، وكل حاجة بتساعد على خروج المنتج زادت بنسبة من 70 لـ100%، كله زاد إلا البنى آدم اللى بياكل عيش من المهنة هو اللى رخص ومفيش رقابة من الدولة على التجار».

يمتلك كلا الشابين اقتراحات يتمنى كل منهما أن تبلغ رئيس الجمهورية، كلمات تبدو بسيطة للغاية لكنها مؤثرة فى الوقت نفسه، يقول أحمد «إحنا شباب وعايزينك تقف جنبنا عشان نقدر نكمل وعشان البيوت المفتوحة ماتتقفلش والمشروعات الصغيرة فى أى دولة محترمة هى اللى بتوقف البلد على رجلها زى تركيا مثلاً، عايزين نقول لك إحنا شغالين بمبلغ معين دلوقتى محتاجين ضعفه عشان نخرج نفس الطاقة اللى كنا بنشتغلها الموسم اللى فات، بدل ما كنا بنجيب طن بقينا بنجيب نص طن وحاطين إيدينا على قلبنا إن الشغل يمشى، عشان يادوب يجيب مصاريفه ومصاريف البيوت المفتوحة».

يمتلك الثنائى اقتراحات لصناع القرار «المطلوب عشان المحلى ينافس المستورد الخامات ترخص وتكون مدعومة، مساعدتنا بآلات حديثة نشتغل بيها وتكون متاحة بسعر كويس، وإحنا نخرج أحسن شغل من المستورد، لأن العنصر البشرى عندنا أحسن، لكن بالوضع الحالى مش عارفين نشتغل، ويا ريت مصانع الغزل فى المحلة يكون لها دور وتمدنا بالقماش بدل ما إحنا بندلل عليه من برا».

من الخشب والقماش إلى أبسط الخامات وأغربها أيضاً تتواصل معاناة المصريين مع الخامات «السائل المستخدم فى السجاير الإلكترونية مش متوفر محلياً بشكل كفاية والمتوفر يا خامته وحشة يا تركيبته غلط» شكوى بدت ذات مغزى طرحها هشام آدم، المدخن الإلكترونى وبائع السائل المستخدم، الذى توصل إلى السر «الخامات مستوردة، لذلك المصنوع محلياً بنحاول نقلل جودته عشان إحنا عايشين فى مجتمع على قده والنتيجة منتج مستورة عالى الجودة والسعر، ومنتج مصرى منخفض الجودة والسعر».

معادلة سوزان حافظ فى حلها، الشابة التى تحاول العمل من المنزل فى شغل أعمال الكروشيه والكانفا واجهت بدورها مشكلة فى الخامات «أسعار الخيط بقت مش معقولة والمصرى مفيش أى تركيز على جودته، يا يحسنوا المحلى يا يخفضوا سعر المستورد، لكن بالشكل دا هانضيع».

الأزمة ذاتها واجهتها رنا صبرى، الشابة العشرينية فى مشروعها الصغير الذى حاولت تدشينه قبل فترة، لكن أزمة الخامات ظلت تقف فى طريقها حجر عثرة «بحاول أبدأ مشروع إنتاج منتجات طبيعية، لكن بواجه مشاكل أهمها الخامات لأن فى الصعيد حتى الخامة المصرى عشان تجيلى بادفع عليها شحن كتير، وطبعاً التسويق».

شيماء فوزى، شابة أخرى حاولت تدشين مشروعها فى مجال المصنوعات اليدوية «أنا بصمم وأصنع شموع بقالى 3 سنين، مشكلتى الحقيقية فى أسعار الخامات اللى غليت 3 أضعاف ولسه بتطلع، موقف شغلى بقى صعب جداً جداً والناس اللى كانت بتشترى منى بطلت، أمنية حياتى ألاقى حل لجشع الموردين اللى مكملين رفع أسعار بحجة إن الكميات اللى بتجيلهم قليلة».

فى دمنهور لم يتوقف صناع السجاد عن مناشدة المسئولين تسهيل الحصول على الخامات وإعفاءها من الجمارك، وفى القاهرة لا يزال محمود مصطفى جودة يشعر بالانهيار، صنايعى الألوميتال لا ينسى الزيادة الفجة التى وقعت فى أكتوبر من العام الماضى وما تبعها من زيادات متواصلة «الإكسسوار زاد أكتر من 100%، وطن الألومنيوم فى أكتوبر اللى فات كان مقرب على الـ35 ألف دلوقتى حدث ولا حرج، ناهيك عن الفايبر اللى زاد سعره أكتر من 5100 هو كمان».

خامات تواصل ارتفاعها فى وجه الأطباء والمهندسين وحتى أصحاب المطابع، كأيمن حسين «عندى مطبعة والورق بالنسبة لى عنصر حيوى جداً، بقالنا فترة بنخسر، مش عشان إحنا مش شغالين، لا إحنا بنخسر ربحنا فى مقابل هذا الغلاء، عقبال ما أبيع المنتج وأروح أشترى خامات جديدة بلاقى نفسى محتاج أحط أصل رأس مالى وفوق منه ربحى وأزود حبه كمان عشان أشترى الخامات من تانى»، حالة من الصدمة لم تتوقف منذ العام الماضى وحتى الآن «مصدوم فى أسعار الورق والكارتون اللى باشتغل بيه وكنت بحاول أدبر مبلغ عشان أجيب طلبية ورق وكرتون وبالفعل لميت اللى ورايا واللى قدامى ودبرت حالى لأنى لازم أشترى ولما كملت المبلغ المطلوب التاجر اعتذر عن الطلبية وبلغنى بزيادة السعر (فى ٢٤ ساعة بس) بفارق خمسة آلاف جنيه، لما أقفل المطبعة مين هاييجى يقف جنبى؟».


مواضيع متعلقة