قطر.. وسيناريوهات «الحرب العالمية الثالثة» (2 - 2)

بات واضحاً فى الفكر السياسى الغربى أن النظام الدولى الراهن أصبح نظاماً مترهلاً وأن الأمم المتحدة -باعتبارها رمانة الميزان فيه- عاجزة عن أن تفرض وصايتها وسيادتها على العالم.. فلقد صدر عنها أكثر من 150 قراراً لصالح القضية الفلسطينية مثلاً لم تنفذ إسرائيل منها قراراً واحداً.. كذلك هناك نحو ثلاث دول أوروبية فى مجلس الأمن بينما هناك قارات أخرى مثل أفريقيا وأستراليا وأمريكا اللاتينية لا وجود لها، ومن هنا ظهرت دعوات إصلاح الأمم المتحدة لكى تكون أكثر تمثيلاً للعالم.. وباتت النية أو الإرادة العالمية تتجه إلى ضرورة إصلاح النظام الدولى والحق أن نسبة كبيرة من دول العالم تميل إلى وجهة النظر هذه، وقد جاءت الأزمة القطرية مع دول الخليج وبعض الدول العربية لتقدم المكان الأمثل الذى يمكن أن تندلع منه شرارة الحرب العالمية الثالثة التى ستغير النظام الدولى عله يكون أكثر عدلاً.

وللإنصاف يجب أن نذكر أن قطر متهمة بتمويل الإرهاب، والحرب العالمية الثالثة ترى أن محورها سيكون محاربة الإرهاب العالمى.. ثم إن قطر ليست وحدها، وإنما معها إيران (المغضوب عليها دولياً) وتركيا (عضو حلف الناتو) التى انتهزت الفرصة وأرسلت عسكريين أتراكاً إلى قطر وتعتزم حالياً إنشاء قاعدة تركية هناك، ثم إن سلطنة عمان ليست بعيدة عن شرارة الحرب.. والكويت رغم انشغالها بالوساطة بين دول الخليج وقطر إلا أنها أكثر ميلاً لقطر مما يؤجج الصراع بين الجانبين.. ولن ننسى أن إسرائيل ليست بريئة وإن بدت أنها على الحياد.. فهى على علاقة بقطر وبعض دول الخليج العربى، وعاد حلم الشرق الأوسط الجديد يدغدغ مشاعرها (المال الخليجى والعقل الإسرائيلى والأيدى العاملة العربية الرخيصة).

ووراء كل هذه الدول.. روسيا بالنظر إلى علاقتها الطيبة بإيران.. وتركيا، وهذا معناه أن تجمع هذه الدول فى مواجهة باقى دول الخليج ومصر والصومال وبعض الدول الإسلامية الأخرى مثل المالديف ووراء كل هذه الدول توجد الولايات المتحدة الأمريكية التى استحوذت على أموال الخليج، ولم يعد سوى آبار البترول الذى يرى ولى العهد الجديد أن اعتماد السعودية عليه يجب أن ينتهى فى السنوات القليلة المقبلة كمصدر وحيد للدخل، ومعلوم أن الدول الأربع، مصر والسعودية والإمارات والبحرين، كانت قد تقدمت بثلاثة عشر بنداً تطالب فيها قطر بالكف عن تمويل الإرهاب وإغلاق قناتها «الجزيرة» وتسليم رموز الإرهاب على أراضيها.. والمتوقع ألا تستجيب قطر لهذه المطالب، التى ترى أنها مطالب غير معقولة، وأنها تمثل تدخلاً سافراً فى شئونها الداخلية، أما عدم إنشاء قاعدة عسكرية تركية فى أراضيها فيجب أن يأتى فى إطار ترحيل باقى القواعد الأجنبية فى المنطقة العربية، معنى ذلك أن قطر ستتجه نحو التصعيد وسترفض رسمياً هذه المطالب لأنها -كما ذكرنا- ليست وحدها فى هذا الصراع، وإذا كان ضرورياً أن نقف على موقف الولايات المتحدة.. فلا شك أنها تريد أن تسكب الزيت على النار وأن تذكى لهيب الحرب بالوكالة، فمثلاً الرئيس ترامب كان يتحدث عن ضرورة معاقبة قطر.. وللإنصاف لقد تغير موقفه وأصبح هادئاً بعد صفقة السلاح التى حصل فيها على 12 مليار دولار من قطر.. لكن وزارة دفاعه والبنتاجون الأمريكى ظل على موقفه المتشدد من قطر «داعمة الإرهاب فى العالم»، وبريطانيا بعد تفجير أحد مساجدها اتجهت أنظارها إلى قطر.. أما فرنسا فقد طالب رئيسها ماكرون بضرورة أن تبذل دويلة قطر جهوداً لطمأنة دول الجوار والتعاطى بإيجابية مع مطالب هذه الدول.

أريد أن أقول إن تصعيد قطر للخلاف مع الدول الخليجية والعربية والإسلامية وإذكاء دول الغرب لنيرانه هو بالضبط ما تريده الحرب العالمية الثالثة المرتقبة، بعد أن توافرت كل عناصر بدايتها فى عناد وتصعيد دويلة قطر.. وكان الأمل كما يقول وزير إماراتى، أن تتجه قطر إلى التهدئة وليس التصعيد، أو كما قال وزير خارجية السعودية: كان المتصور أن تحل هذه الأزمة فى إطار مجلس التعاون الخليجى، وبهذه المناسبة لم نسمع صوتاً لمجلس التعاون الخليجى الذى بدا وكأنه خيال مآتة، والمؤسف أن هذا الأمر ينصرف على ما يسمى جامعة الدول العربية، التى لم تحرك ساكناً ولم يصدر عنها بيان يدين الإرهاب ومموليه، وكأن أزمة قطر والدول الخليجية قد حدثت فى كوكب «المريخ»، بعبارة أخرى لقد توافرت عناصر قيام الحرب المرتقبة.. صحيح أن الأمم المتحدة أبدت استعدادها للقيام بالوساطة.. لكن من يضمن أن قطر سوف تفكر مرتين فى مستقبل المنطقة، الغريب أن تركيا التى تبنى قاعدتها فى قطر، مع ما يمثله هذا من خطر على الأمن القومى العربى، أبدت استعدادها للقيام بدور «الوساطة»، الغريب أن كل هذه النوايا الطيبة قد اصطدمت بصخرة العناد القطرى.. مما يصب فى النهاية باتجاه اندلاع حرب وشيكة، باختصار إن الاستقواء بالخارج كسياسة قطرية سوف يصب الزيت على النار.. فالقصور الأميرية مكتظة بالحرس الثورى الإيرانى، والجنود والآليات التركية تملأ الشوارع والميادين القطرية.. ولا شك أن تركيا هنا تقوم بالدور القذر، باعتبارها عضواً فى حلف الناتو.. والحق أنها قد كسبت ثقة أمريكا وأوروبا لأنها كانت تقول لهما إنها ممثلة الدول العربية والإسلامية وهو ما كان يحنق إسرائيل التى تقول نفس الشىء.. أياً كان الأمر إن المنطقة العربية مستهدفة من ثلاثة سيناريوهات.. الأول التركى والثانى الإيرانى والثالث الإسرائيلى.

إن قطر تلعب بالنار فعلاً لا قولاً وتتطاول بعنقها تريد أن تكون الأولى فى المنطقة العربية، ونسيت أنها تقف على رأس دبوس من حيث المساحة إذا ما قورنت بمصر أو بالسعودية.

ولا شك أن أمير قطر الذى كان يلهو فى الشوارع والبارات هو الذى يقرر مستقبل المنطقة العربية، والحق أنه من نكد الدنيا على المرء أن يجد صبياً غراً لا خبرة له فى شىء هو الذى يقود قطر إلى محرقة محققة وإلى اختفاء قسرى ستكون قوات تركيا وإيران هما فرسى السباق إليه.

السيناريوهات عديدة.. وسوف يكون على قوات قطر البالغ عددها فى جميع التخصصات 12 ألف جندى فقط، أن تقرر متى تندلع شرارة الحرب العالمية الثالثة.. المستقبل سيكون خطيراً ويبدو أن قطر ابتلعت السم المدسوس فى العسل.. لكن يبدو أن قطر بسبب الاستقواء بالخارج آخر من يعلم.