لا تطفئ الشمس.. حين يسيء العمل الدرامي للنص وكاتبه

ندى حجازى

ندى حجازى

كاتب صحفي

كقارئة ومشاهِدة، أتوقع حين أشاهد عملًا أدبيًا على الشاشة الصغيرة أن يضيف العمل الدرامي لحلاوة النص المكتوب بإعطائه روحًا حقيقية، أو على الأقل أن ينقله كما هو دون تغيير جذري للحبكة الدرامية والرسالة الأخلاقية.

طوال فترة عرض مسلسل "لا تطفئ الشمس" برؤية تامر حبيب أتساءل: هل كان إحسان عبد القدوس سيوافق أن تُحوّل روايته وتُحوّر بهذا الشكل؟ رواية إحسان عبد القدوس تقع أحداثها في خمسينيات القرن الماضي وتتناول حياة أسرة محافظة بعد وفاة الأب وتفرغ الأم لتربية أبنائها وفق تقاليد صارمة إلى حد ما.

لم تكن الأسرة فاحشة الثراء كما نرى في المسلسل من حيث الحياة في منزل أشبه بالقصر وامتلاك كل فرد سيارة خاصة وإقامة حفلات على درجة عالية من البذخ أحيانًا. إضافة إلى ذلك، كم الشخصيات المقحمة على النص الأصلي مثل شخصية المربية وشخصية "حبيبة" وشخصية "يوسف" وصديقه اللبناني وشخصية زوجة

الخال وابنته وشخصية صديق "نادر" المثلي، غيرت من القصة الأساسية وبالتالي الرسالة التي يتلقاها المشاهد.

 المشكلة ليست في أداء الممثلين الذين أدى غالبيتهم الأدوار المسندة إليهم بإتقان بل وإبداع أحيانًا مثل أحمد مالك وفتحي عبد الوهاب الذي أقنعني بأدائه الطبيعي أكثر من عماد حمدي في الفيلم الذي أخرجه صلاح أبو سيف في الستينيات.

المشكلة في اختيار بعض الشخصيات وتغيير طبيعتها وبالتالي مسار الأحداث. شخصية "فيفي" مثلا شخصية انطوائية وعدائية لأنها لا تتمتع بقدر كاف من الجمال وتغار من شقيقتيها حسب الرواية، على عكس ريهام عبد الغفور التي تتمتع برقة وسماحة وجه محببة.

أتفهم مبدأ وضع رؤية جديدة للرواية ورغبة التركيز أن جمال الشخصية مصدره الروح والطباع لا الوجه  وأن الممثلة أتقنت دور الفتاة جامدة المشاعر، إلا أن الشخصية في الرواية لم تكن بهذا القدر من "الخسة" بحيث تفضح علاقة أختها الصغرى وتدمر العلاقة بين خالها وزوجته، وتسعى لتشويه سمعة خطيبها السابق في مكان عمله.

أما اختيار جميلة عوض لدور "ليلى" في الرواية، والذي مثلته فاتن حمامة في فيلم صلاح أبو سيف، وهي الابنة الصغرى والأجمل والمليئة بالإحساس التي وقعت في غرام أستاذها، كان موفقًا من

حيث الشكل لأنها بالفعل جميلة ولكن ندرة انفعالات الوجه التي تظهرها ونغمة الصوت الواحدة التي تحافظ عليها رغم اختلاف المواقف وضع الشخصية في قالب جامد طوال المسلسل لا يعكس تطور الشخصية وانفعالاتها المفترضة.

ويبدو كما لو كان المسلسل لا يعتمد فقط على رواية إحسان عبد القدوس، إذ أن الابنة الوسطى "نبيلة" طبقًا للنص الأصلي ابتعدت لفترة عن زميلها الذي أحبته لتعود إليه دون أن تتزوج غيره بعد أن التحق بالجيش وشارك بالحرب وصادق أخيها، فعوضته بطولته عن رقة أحواله المادية وانهزم ذئب الثروة أمام بطولة الفدائي ليكون جديرًا بحب الفتاة الأرستقراطية واحترام عائلتها، وهي الرسالة الأخلاقية التي تغيرت في المسلسل تمامًا إلى مشاهد من فيلم "دمي ودموع وابتسامتي" حين اضطرت نجلاء فتحي لترك حبيبها نور الشريف لفقره وتزوجت حسين فهمي الذي استغل لباقة زوجته وجمالها ليتقدم بعمله متجاهلا شكواها من مغازلة مديره كمال الشناوي لها حتى صارت هي تتمتع بحب المدير وإغداقه الأموال عليها ومنزلة الزوجة الغنية أمام المجتمع! هنا تحولت الشخصية العاقلة "نبيلة" إلى الفتاة المستهترة الانتهازية "إنجي" التي تحب زميلها ثم تتزوج ابن صديقة والدتها الغني وتحب صديقه وشريكه في العمل

وتستمتع باهتمام الزوج وصديقه فتتبع مصلحتها لفترة بصرف النظر عن الأخلاقيات والضمير.

أما عن العلاقة بين "ليلى" الابنة الصغرى و"فتحي" مدرس البيانو، لم تتضمن زوجًا مثليًا وإنما رجل أعمال غني سئم برود زوجته معه فكثرت المشاكل بينهم حتى ضربها وأهانها أكثر من مرة وطلقها آخر الأمر، ومن جانبها ظلت "ليلى" على علاقتها بأستاذها حتى عرفت زوجته وتركته فترك "فتحي" بدوره "ليلى" لأن علاقته بها مزقت أسرته وظل وحيدًا، فعانى كل منهما كنتيجة طبيعية للخطأ والخيانة.

شخصية الابن الأكبر في المسلسل كانت مقنعة حتى اختفاء الابن الأصغر ورد الفعل المعاكس والذي يحاول من خلاله تقمص شخصية أخيه كما ورد بالرواية الأصلية، ولكن الانسياق وراء الخمر والمخدرات وتعلق "أحمد" بـ"رشا" أو "جيرمين" حسب الرواية لم يكن بهذا الشكل القوي أو المَرَضي ولم يستمر طويلًا لأنه اكتشف سطحية "جيرمين" وانحطاطها فذهب للحرب وعاد لحبيبته السابقة،  أما إظهار شخصية "رشا" التي تمثلها شيرين رضا وكأنها طيبة وملجأ لأسرار العشاق وحبيبة لكل منهما ولكنها  'جريئة' بعض الشيء للدرجة التي تستيقظ احيانا فلا تتذكر الرجل

الذي تقضي الليل بمنزله، ولا حدود عندها للعلاقات بين الجنسين مع فوارق العمر وتقبل من حولها لها يوصل رسالة غير مفهومة للمشاهد.

أما عن حكاية "ادم" أو "ممدوح" حسب الرواية الأصلية، فقد ابتعدت تمامًا عن النص الأصلي وبشكل غير واقعي حتى لمشاهد لا يعرف الرواية. ممدوح لم يحاول الانتحار ولم يتسبب في غضب أهله لادعائه الموت في الرواية لأنه لم تكن هناك "حبيبة" من الأساس. ممدوح كان يريد مالًا ليعمل مع صديقه الميكانيكي فاختلف مع أخيه الأكبر وخرج غاضبًا من البيت فصدمته سيارة ومات، ولهذا تقمص "أحمد" شخصية ممدوح لفترة إحساسًا منه بالذنب أنه السبب الأساسي في موته.

أما الأم فلم "تقفش" على أبنائها وتعاقبهم بالزواج من حبيبها القديم، ولم يكن الخال إلا متسلطًا ولكنه لم يدخل في علاقات غرامية خارج إطار زواجه ولم يمارس أعمالًا انتقامية من ابن أخته كي لا يخسر الانتخابات.

 والأدهى من ذلك تصنيف المسلسل باعتباره مناسبا لسن ١٢ سنة أو أكثر قبل تعديله إلى ١٨ سنة مع العشر الأواخر من رمضان.

للأسف، الأسرة التي صورها إحسان عبد القدوس أسرة محافظة ابتليت بمشكلة خاصة بالابنة الصغرى وفجعت بموت الابن الأصغر، تحولت في

المسلسل الرمضاني إلى أسرة مشوهة يعاني أفرادها ومعارفهم من شتى أنماط الانحراف الأخلاقي إلا من رحم ربي! كقارئة ومشاهدة، لم أجد رؤية جديدة تضفي سمات جديدة لشخصيات عمل أدبي قديم وتفاصيل تعيد إحيائه، لم أجد تشابهًا بين النص الأصلي والعمل الدرامي سوى في اسم الرواية لا مضمونها.