ختام رمضان على باب «أم العواجز».. السيدة زينب.. «حاشا يُضام نزيل ساحتها»

كتب: محمود عبدالرحمن

ختام رمضان على باب «أم العواجز».. السيدة زينب.. «حاشا يُضام نزيل ساحتها»

ختام رمضان على باب «أم العواجز».. السيدة زينب.. «حاشا يُضام نزيل ساحتها»

«بباب زينب أنختُ مطيتى.. فبابها يغدو العطا ويروح».. على باب بنت على بن أبى طالب، بنت فاطمة الزهراء، حفيدة محمد، صلى الله عليه وسلم، جلس المحبون، المتيمون، أصحاب الحاجة، سائلين القُربى، كلٌ فى تيهه، فى أواخر أيام وليالى شهر رمضان، بعضهم آثر الصمت، فرفع رأسه لأعلى المقام، مغمضاً عينيه، مناجياً فى سِره، لا أحد يعلم ما يقول، فضّل أن يخرج كلامه من قلبه، لا من لسانه، وبعضهم الآخر اتكأ بمقرأته صوب باب «زينب»، بعين فى المصحف، وأخرى تُلقى الآيات فى اتجاه المقام، يحدثها بلهجته، فأحياناً تعلو ملامح وجهه الغضب، وأخرى ترتسم الدمعة ملامحه، فيسارع بإزاحتها بيديه.

أصوات المقرئين تعلو شيئاً فشيئاً، لا أحد ينصت إلى الآخر، ولا يستمع، ولا يعطى من تركيزه، كلٌ جاء لمهمته، كلٌ جاء لرمى حمولته، كلٌ جاء يستجير من ضيق الدنيا، ومخاوف الآخرة، على بعد خطوات من منبر المسجد الكبير، الذى يجلس عنده بعض الأئمة المعروفين لرواد المسجد، الذين لا تخلو جلستهم من سؤال وجواب. أحمد فهيم، أحد رواد المسجد، من أبناء حى السيدة زينب، يقول عن نفسه إنه ولد على عتبة المسجد، حيث كان والداه من المحبين للمقام وصاحبته، فسار على نهج والديه، لذا أراد عدم الابتعاد عن «زينب»، ففتح محلاً صغيراً لبيع «البقالة» على بعد خطوات من المسجد، بأحد الشوارع الجانبية، ينتهز الفرصة لملاصقة جدار مقامها، يحكى لها ما يخفيه عن الآخرين، خاصة فى شهر رمضان، لأن الراحة النفسية تزداد، والشعور بالسكينة يكثُر، وأعمال الخير لا تتوقف.

يقول الرجل الأربعينى إن ساحة المسجد من الداخل لا ينقطع عنها المصلون طوال العام، من فئات مختلفة «أبوجلابية وأبوبدلة والست الغلبانة والست الغنية، واللى شكله من مصر، والناس اللى جاية من آخر الدنيا من الصعيد ومن وجه بحرى»، الجميع يأتى للصلاة والتبرك بحفيدة رسول الله، غالبيتهم تنهار دموعهم بمجرد الدخول من الباب الرئيسى، فيتجهون صوب المقام مباشرة، يتعلقون بأبوابه، ويتكئون برؤوسهم على جدرانه، يتحدثون، يتخاطبون، وأحياناً يبكون، وبعد ذلك، ينفقون قدر استطاعتهم، وينصرفون بعد أن يلقوا أثقالهم.

فى رمضان، طبقاً لرواية «فهيم»، يختلف الأمر بعض الشىء، فمن كان يتعجل الرحيل، يتمهل وينتظر، يجلس قليلاً بعد وقوف يستمر لوقت غير قليل، ثم يعود إلى ما كان عليه، حتى يرتفع صوت الأذان، فيصلى خلف الإمام، ثم يخرج إلى فقراء «السيدة»، يعطهم مما أعطاه الله، ثم ينصرف إلى سبيله.

خارج المسجد يوجد قانون خاص، غير رسمى، لا يخطئه إلا صاحب الزيارة الأولى، أما المريدون والرواد الدائمون فجميعهم على علم بمكان توزيع الطعام الموجود فى أحد أركان المسجد عند المدخل الرئيسى، وعلى علم بـ«كولديرات» المياه المثلجة، و«عم حسين»، مسئول الأحذية، و«أم شاكر»، أشهر مقيمة على باب المسجد، وهى ذات خبرة بأوقات مجىء أهل الخير لتوزيع عطاياهم، بمن جاء من داخل أزقة القاهرة، ومن جاء من المحافظات، لديها دراية بمواعيد التزاحم، وأوقات الفراغ، بمن جاء لتناول الطعام والشراب، ومن ساقته قدماه لرمى عبئه النفسى عند من لا ترد ضيوفها. محمود الحاج، صاحب مقهى مواجه للباب الرئيسى للمسجد، يقول إنه يجلس فى مكانه منذ ما يزيد على عشرين عاماً، لا تشغله زبائنه عن متابعة حركة المقبلين والمنصرفين، يرى أهل الخير وهم يجيئون لتوزيع الوجبات قبيل أذان المغرب بدقائق على الجالسين حول سور المسجد، بعضهم من فقراء حى السيدة زينب، وبعضهم الآخر من معتادى الجلوس فى المسجد من الدراويش، الذين اتخذوا من رصيفه بيوتاً، ومن بعض الأقمشة القديمة والمهلهلة غطاء لهم صيفاً وشتاء، ويرصد محبة الناس لبعضهم البعض، حتى من الفقراء والمحتاجين، الذين ينادون بعضهم البعض للحصول على عطايا الزائرين، الذين يمنحون أطعمتهم لأصحاب المحلات المجاورة للمسجد، وبعض المارة. يضيف «الحاج» أن يوميات رمضان فى المسجد لا تختلف كثيراً عن الأيام العادية؛ لأن المسجد له أيديولوجية خاصة، هو دولة مكتملة الأركان، فيها المانحون، والمتلقون، والعمال، وأصحاب الخير، وأهل الشر أيضاً، والزائرون من كافة أنجاء الجمهورية، الذين يجيئون للوفاء بنذورهم، فيطعمون، ويذبحون، ويمنحون الأموال على مدار العام.


مواضيع متعلقة