محمد عبدالمطلب.. رمضان جانا

كتب: سماح عبدالعاطى

 محمد عبدالمطلب.. رمضان جانا

محمد عبدالمطلب.. رمضان جانا

«رمضان جانا، وفرحنا بيه، بعد غيابه، وبقاله زمان» يفاجئك الصوت دون أى ترتيب متسللاً من مذياع فى محل، أو تليفون محمول، أو من داخل سيارة عابرة فتقتحمك تلك الأجواء العزيزة؛ فوانيس ملونة محلية الصنع أو مستوردة من الصين يلعب بها أطفال فى الشوارع، ماكينة كنافة تدور فى همة دون توقف وحولها يتحلق زبائن، رائحة قطائف مغموسة فى العسل الأبيض، بائع الفول وهو يطوف بالأحياء ليلاً فيبيع بضاعته قبل أن يحل السحور، صفوف الزينة مختلطة بلمبات كهربائية تضىء الطرق حتى مطلع الصباح، مدفعا الإفطار والإمساك، تواشيح الفجر، قرآن المغرب، صلاة التراويح، الشيخ الشعراوى، الفوازير، العرقسوس والتمر والخشاف، يجرى ريقك دون سبب واضح إلا لسماعك ذلك الصوت الخشن وهو يواصل «غنوا وقولوا، شهر بطوله، غنوا وقولوا، أهلاً رمضان»، فلا تملك إلا أن تقول «رمضان جانا». هو الصوت الذى يحملك لرمضان أو يحمل رمضان إليك، لصاحبه المطرب الشعبى الشهير محمد عبدالمطلب، ابن محافظة البحيرة، والمولود فى عام 1907 لأسرة فقيرة أدخلته الكتاب طفلاً ليحفظ القرآن فإذا بشيخه يكتشف حلاوة فى صوته فينوى تعليمه التجويد. يبدأ الشيخ بتعليم الطفل كيفية تنغيم القرآن، يستجيب الطفل فى البداية، قبل أن يعجبه صوته، فيجربه فى ترديد بعض الأغانى التى تنساب من فونوجراف أحد المقاهى، يطرب الطفل لذلك، كما يطرب له كل من يستمع إليه، يواصل الطفل اللعبة، يطير خبره ليطوف المدينة التى يعيش فيها، تمر السنوات فلا يصبح الطفل طفلاً، ينصحه أحد المعارف أن يرحل للقاهرة حيث الفرصة متاحة له لكى يدخل عالم الغناء من أوسع أبوابه، يستمع للنصيحة فيترك مدينته الساحلية ويضع قدمه للمرة الأولى فى القاهرة. بكثير من الجهد يتعرف الشاب الريفى على الموسيقار والمطرب المشهور فى منتصف العشرينات من القرن الماضى الفنان محمد عبدالوهاب، يضمه المطرب الشاب إلى فرقته ليعمل فيها «مذهبجى» أو كورس بعد أن أعجبه صوته، غير أن «المذهبجى» الشاب لا يلبث أن يترك المطرب الشهير عندما تواتيه فرصة الغناء منفرداً، فيلتحق بالعمل فى صالة بديعة مصابنى، الراقصة والمطربة الشامية التى استقرت فى مصر وتزوجت من الفنان نجيب الريحانى، والتى كانت صالتها الشهيرة بميدان الجلاء بالقاهرة بمثابة الجامعة التى تخرج فيها معظم فنانى مصر فى ذلك الوقت. يحقق عبدالمطلب شهرة داخل الصالة، قبل أن يخرج منها لعالم الغناء الرحب، فيمثل فى السينما وينتج الأفلام، ويتعاون مع أشهر ملحنى عصره فى إنتاج أغانٍ من نوعية «ساكن فى حى السيدة»، و«تسلم إيدين اللى اشترى»، و«يا حاسدين الناس»، و«الناس المغرمين»، فيلقب بـ«أستاذ الموال»، و«ملك الأغنية الشعبية»، يرحل عن دنيانا فى الثمانينات من القرن الماضى، إلا أن أغانيه تظل حاضرة فى الأذهان، وعلى رأسها رائعته «رمضان جانا».