الشيخ نعينع: حفظت ربع القرآن قبل تعلم القراءة والكتابة.. وتلوته كبيراً أمام خمسة رؤساء لمصر
أحمد نعينع
«انتظار الأذان»، كانت تلك هى السمة الرئيسية فى ليالى شهر رمضان فى طفولة الشيخ أحمد نعينع، قارئ الرؤساء والملوك العرب، قبل أذان المغرب. يتذكر نعينع طفولته فى مطوبس بمحافظة كفر الشيخ، وقت أن كانت القرية كلها تنتظر أذان المغرب: «كنت أذهب إلى مسجد سيدى عبدالوهاب، ومعى مئات الأطفال، فى انتظار المؤذن الذى يرفع الراية قبل الأذان، فقديماً لم يكن هناك ميكروفونات، وكان لدينا أربعة مساجد بالقرية كلها، وفى وقت الأذان يرفع الإمام الراية ثم يؤذن، وكنا بعد الأذان نهرول إلى المنزل لنبلغ أهلنا بالإفطار، وقبل الوصول إلى المنزل أجد جدى أمامى، فيستقبلنى ويذهب بى مرة أخرى إلى الجامع أنا وأخى الأكبر لنقوم بتوزيع البلح على المصلين».
تعلمت ألا أعيب طعاماً قط.. واعتدت قيام الليل والتهجد وقراءة خمسة أجزاء من المصحف يومياً طوال شهر رمضان
يضيف الشيخ نعينع: «كان البلح فى قراطيس، وليس فى كيس بلاستيك، وكنا نعطى لكل مصلٍّ ثلاث تمرات، ثم نصلى المغرب، ونذهب للمنزل للإفطار، وبعد ذلك كنا نعود لميدان المسجد لنلعب، وكان لدينا ألعاب مختلفة لا أتذكر بعضها الآن، لكن أهم شىء كان اللعب بفوانيس رمضان، وكانت عبارة عن فوانيس بشمعة، وكان ثمن الفانوس فى ذلك التوقيت قرش صاغ، وكان جدى يشترى لكل واحد منا فانوساً وشمعة، وعلشان لا نحترق بنار الشمعة، كنا نعلق فتلة فوق الفانوس، ونطوف فى ساحة المسجد ونقول (حالو يا حالو، ورمضان كريم)». لم يكن للشيخ نعينع فى طفولته أكلة مفضلة: «كنت أحب الخشاف، واللوز والبندق وقمر الدين، لكن فى الوقت نفسه لم أكن أعترض على أى طعام يقدم لى من والدتى (رحمها الله)، وهو ما أفعله حتى الآن، وتلك عادة اعتدت عليها منذ الصغر، وهى عادة نبوية، فالنبى (صلى الله عليه وسلم) كان لا يعيب طعاماً قط كان يقدم له، وهو ما يجب الالتزام به».
سريعاً يعبُر الشيخ نعينع سنوات طفولته ليتذكر رمضان بعد أن جاءته الشهرة تسعى، وأصبح أحد أهم الوجوه المميزة للشهر الكريم، إذ يكثر ظهوره فى الأماكن العامة والحفلات التى تقام احتفالاً برمضان: «أشعر بالروحانيات خلال لقاءاتى الجماهيرية، وحينما أقرأ القرآن فى جمع أشعر بالملائكة تحفنا ونحن جالسون، وأتمثل أن الله سبحانه وتعالى يذكرنا فى الملأ الأعلى، ولهذا الإحساس تعبيرات لا يمكن قولها».
جدى كان يشترى الفانوس لينا بقرش صاغ
وفى منزله، يحرص «نعينع» على قضاء شهر رمضان مع أحفاده: «أول يوم قضيته مع عائلتى وأحفادى، وفى صلاة التراويح أخذتهم إلى الجامع وصلوا معى، وأصغرهم لعب داخل الجامع حتى أنهينا الصلاة، وكان هناك روحانية كبيرة داخل الجامع وسط تجمع المئات»، وبعد الصلاة، وجد «نعينع» الفرصة لأن يلعب مع أحفاده ويقدم لهم الفوانيس الصينى التى تغنى (حالو يا حالو)، وهى فوانيس لم يعرفها فى طفولته، يعلق على هذا بقوله: «الدنيا اتغيرت».
ولرمضان مذاق خاص لدى الشيخ نعينع: «هو شهر القرآن والصلاة والروحانيات والتراويح ونتعرض لنفحات الشهر الكريم وأحب فيه قيام الليل والتهجد، فهو شهر زيادة فى الخيرات، ولذلك أداوم على قراءة القرآن رغم أنى أقرأ كل يوم فى السنة خمسة أجزاء، وأستمر فيها فى رمضان، رمضان بالنسبة لى أعظم شهور العام، وأتذكر أننى قرأت فيه فى معظم بلدان الوطن العربى وأفريقيا، وكذا فى الحرم والمسجد النبوى، وبعض المدن الغربية أمام الجاليات الإسلامية هناك، كما قرأت لجميع رؤساء مصر منذ رحيل الرئيس عبدالناصر، فقرأت القرآن أمام السادات، وكنت طبيبه الخاص، ثم تلوت القرآن أمام الرئيس الأسبق مبارك مرات كثيرة وعديدة، وكنت على علاقة جيدة به وبأسرته الكريمة، وقرأت أيضاً للمجلس العسكرى فى عهد المشير طنطاوى بعد ثورة 25 يناير، ثم قرأت 4 مرات فى عهد الرئيس الأسبق محمد مرسى فى مناسبات مختلفة، وبعدها فى عهد الرئيس عدلى منصور، وأخيراً فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى خمس مرات تقريباً، لذلك أطلق علىّ الناس لقب (قارئ الرؤساء)».
يفتش «قارئ الرؤساء» فى ذاكرته عن علاقته بالقرآن الكريم، فيقول: «أسرتى كانت حريصة على حفظى للقرآن الكريم منذ بلوغى سن الثالثة، ولذلك كان قرار والدى وجدّى إرسالى إلى الكُتاب لحفظ القرآن الكريم، وأتذكر أننى بدأت الحفظ من أول سورة الناس حتى سورة الصافات (سماعى) قبل التحاقى بالمدرسة، ودون أن أجيد القراءة والكتابة، والحمد لله منذ المرحلة الابتدائية، كنت أقرأ فى مسجد سيدى ابن عبدالوهاب بجوار منزلنا بمطوبس فى صلاة العصر بين الأذان والإقامة، وفى أوقات معينة فى يوم الجمعة، ولأن صوتى كان محبباً إلى أهالى بلدتى كانوا ينادوننى باسم آخر لى، وهو اسم كانت تطلقه علىّ أسرتى منذ ولادتى كعادة الأسر فى الأرياف فى ذلك الوقت وحتى زمن قريب».
يتابع «نعينع»: «حفظت معظم سور القرآن الكريم عن طريق الكُتّاب على يد الشيخ أمين الهلالى، وعندما بلغت سن السادسة التحقت بالصف الأول الابتدائى فانتقلت من الكُتّاب إلى المدرسة، لأتعلم اللغة العربية والحساب بجوار حفظ القرآن الكريم، ثم تعلمت القرآن الكريم قراءة وتجويداً فى البداية على يد الشيخ أحمد الشوا (رحمة الله عليه)، فلما وُفقت فى الثانوية العامة التحقت بكلية الطب بجامعة الإسكندرية، ووقتها بدأت أبحث عن مشايخ معلمين للقرآن فالتقيت الشيخ محمد فريد نعمان، والشيخ محمد عبدالحميد عبدالله فى الإسكندرية (رحمة الله عليهما)، لكن نظراً لانشغال الشيخ عبدالحميد عبدالله طرح علىّ أن أتعامل مع الشيخ فريد نعمان، وبالفعل بدأت فى حفظ وتلاوة القرآن على يده، وأيضاً زوجته الصالحة الشيخة أم السعد، وأخذت منها الإجازة، أى السند، وذلك طوال فترة السنوات السبع الخاصة بكلية الطب، وحتى بعد الدراسة بثلاث سنوات، فحفظت القرآن قراءةً وتجويداً بالقراءات العشر المتواترة فى عشر سنوات».