«أم كلثوم» مَن نزلت فيها آية «الممتحنة»

فى التاريخ الإسلامى قيادات نسائية مبهرة منها «أم كلثوم» شقيقة عثمان بن عفان رضى الله عنه من الأم، هى مثال للشغف الذى يدفع صاحبه أو صاحبته للإتيان بأعمال قد تبدو غير مفهومة أو مقبولة للمجتمع، للإيمان بفكرة والإصرار على تحقيقها حتى لو لم يرض المحيطون بها، فسيرتها تعلمنا احترام إرادة الإنسان أياً كانت، فهى فى عصرها كانت خارجة عن إرادة الأسرة، لكنها ناضلت حتى أصبحت نموذجاً على رجاحة العقل والاستقلال وتتحدث السير جميعها عنها بتبجيل وإعجاب، رغم أن ما قامت به آنذاك لم يكن مقبولاً فقد خرجت من بيت أبويها على غير دينهما، مسلمة مهاجرة، ولم تكن قد سبق لها الزواج. أى أنها كانت خارجة عن طاعة أسرتها لإيمانها بشىء لم يؤمنوا به، لذا كان أولى أن نتعلم من قصتها احترام إرادة الإنسان وليس التعصب الأعمى الذى يحرق قرى بأكملها بين الحين والآخر.

«أم كلثوم» من أوائل من أسلموا فى مكة قديماً وتعرضت لكثير من المضايقات من إخوتها، لكنها تحدتهم وهاجرت بمفردها بعد صلح الحديبية لمسافة أكثر من 480 كيلومتراً وسط الصحراء، وخرج أخواها «عمارة والوليد» وراءها يتعقبانها ليرداها عما قصدت عليه، ولم تكن تعلم أن أخويها «الوليد وعمار» قد انطلقا من مكة خلفها، فلم يمض يوم على استقرارها فى المدينة حتى وصلا إلى المدينة وتقدما إلى النبى ليقولا له «أوف لنا بشرطنا وما عاهدتنا عليه»، فوقفت «أم كلثوم» بجرأة لتقول: «يا رسول الله أنا امرأة وحال النساء إلى الضعف ما قد علمت، أفتردنى إلى الكفار يفتنوننى فى دينى ولا صبر لى» فجاءت فيها وفى النساء من مثل حالتها، سورة الممتحنة: بسم الله الرحمن الرحيم «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنّ» صدق الله العظيم.

امتحنها النبى صلى الله عليه وسلم تنفيذاً لأمر الله تبارك وتعالى، فكان يقول لهن محلفاً: «الله ما أخرجكن إلا حب الله ورسوله والإسلام! ما خرجتن لزوج ولا مال؟». فإذا قلن ذلك، لم يرجعهن إلى قومهن. وعندما قالت «أم كلثوم» هذا، التفت الرسول إلى الوليد وعمارة قائلاً: «قد أبطل الله العهد فى النساء بما قد علمتماه»، فرحلا بعد رفض النبى أن يردها إليهما.

درس آخر مهم نتعلمه من سيرة «أم كلثوم»، لم يكن أحد يمارس الوصاية الفكرية والإنسانية على «أم كلثوم» ولا يحجر أحد على حقها فى الحياة، على غير ما نعهد هذه الأيام، فإن طلقت امرأة أو ترملت حكم عليها المحيطون بالعزلة واستنكر عليها الكثيرون إن أبدت رغبة فى الزواج مرة أخرى.

لكن «أم كلثوم» تزوجت فى المدينة أربع مرات من أربعة من الصحابة، فتزوجت زيد بن حارثة الذى قتل يوم مؤتة، وبعده تزوجت من الزبير بن العوام، وولدت «زينب» ثم طلقها، فتزوجت مرةً أخرى من أغنى الصحابة عبدالرحمن بن عوف فولدت له إبراهيم وحميداً وإسماعيل، وعندما توفى عنها، تزوجها عمرو بن العاص وقد توفيت بعد شهر من زواجه وذلك فى فترة خلافة «على».

ولأنها امرأة حرة وقوية وراشدة أخذ عنها أحاديث عدة روتها عن الرسول عليه الصلاة والسلام، فروت عن النبى عشرة أحاديث فى مسند بقى بن مخلد، ولها أيضاً فى «الصحيحين» روايات عن الرسول.