نهاية أحلام قطر

وفاء صندى

وفاء صندى

كاتب صحفي

مع انطلاق الحراك الثورى فى المنطقة العربية، وفى مرحلة أخذت الشعوب العربية الحماسة ولم تعد تستوعب ما يجرى حولها من أحداث وتقلبات أسقطت أنظمة وأسقطت معها دول وأدخلت أخرى فى بحور من الدماء، كتبت مقالاً عن الدور القطرى المشبوه فى مسلسل التغيرات هذا. وبعد ست سنوات، أضحى العالم أكثر قناعة بأن تلك الدولة الصغيرة حلّقت عالياً قبل أن تصطدم بجدار صلب اسمه قوة الجغرافيا وقوة النفوذ، اللذين تمثلانه السعودية والإمارات اللتان استطاعتا خلال أسبوع واحد وضع حصار جغرافى واقتصادى على قطر التى تخلّت عنها الإدارة الأمريكية الجديدة وأخذت الثمن مسبقاً.

قطر الدولة الصغيرة التى سخّرت مواردها الكبيرة، الناتجة عن استثمار الغاز، للبحث عن موقع دولى يتجاوز بكثير ضعفها الديمغرافى، والتى حوّلت ذراعها الإعلامية «الجزيرة» إلى محطة لتصريف مواقفها السياسية وخدمة أجنداتها الإقليمية وبالتالى تحويلها إلى مدفعية جاهزة لشن هجومها على خصومها من ناحية أو تجميل والدفاع عن حلفائها من ناحية أخرى.

حاولت قطر الخروج من جغرافيتها الضيقة والظهور كالدولة الأكثر بروزاً فى الخليج بعد أن تجاوزت مطامحها دور الوساطة فى حل النزاعات الإقليمية، إلى الحلم بالدولة الفاعلة صاحبة الدور الرئيسى فى القضايا العربية، لتخرج بذلك عن الخط الخليجى وتغرّد وحدها خارج السرب قبل أن تصطدم بجدار واقع دول التعاون التى لن ترضى الرضوخ لمطامح «الدوحة»، والحائط المصرى الذى أفشل كل المحاولات القطرية وعرّا مخططاتها فى المنطقة.

اختارت قطر أن تُبحر على متن موجة شاذة عن محيطها الخليجى والعربى، وهى التى لا تزال لا تمتلك من الأدوات إلا قليلها مقابل أهداف طموحة وكبيرة، ما جعلها معزولة ومكشوفة النوايا فى لعب دور يفوق إمكانياتها ويتعدى جغرافيتها، وتنفيذ مخططات تهدف إلى إعادة رسم خارطة المنطقة وفق ما تقتضيه فقط مصالحها، وربما ما تمليه عليها أجندات خارجية.

قطر تدفع اليوم ثمناً باهظاً مقابل ذلك كله ومقابل مواقفها المتضاربة، ودورها الملتبس فى سوريا وليبيا، وتقاربها من إيران وتركيا على حساب السعودية والإمارات، ودخولها فى تحدٍ مع مصر، ودعمها للإرهاب.

قبل سنتين، اتهم وزير المساعدة الإنمائية الألمانى، جيرد مولر، «الدوحة» بتمويلها مقاتلى تنظيم «الدولة الإسلامية» فى العراق، وطرح التليفزيون الألمانى تساؤلات عن الدور الذى تلعبه قطر فى المنطقة ودور المال القطرى فى القضايا الإقليمية، بدءاً من الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، مروراً بالتحولات التى شهدها العالم العربى، إلى دعم «الدوحة» غير المحدود لجماعة الإخوان المسلمين قبل وبعد الإطاحة بهم فى مصر، وصولاً إلى علاقة قطر المشبوهة بالتنظيمات المسلحة والإرهابية فى المنطقة.

وفى نفس الفترة قام عضو مجلس النواب الأمريكى، دوج لامبورن، بصياغة مشروع خطاب موجه إلى وزير الدفاع الأمريكى، أشتون كارتر، للإعراب عن القلق تجاه تحول قطر إلى مركز لدعم الإرهابيين وتمويلهم فى منطقة الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن قطر قد أصبحت خلال السنوات الأخيرة بؤرة لعمليات الإرهاب والأنشطة المتصلة بتمويله.

قطر التى لا تمتلك مصادر القوة، فهى تستغل فقط وسائلها الدعائية وقنواتها الإعلامية من أجل أن تظهر، من خلال تحركاتها التى تعرض بصورة مبالغ فيها عبر قنواتها، كأنها قوة مؤثرة، وميدانياً هى ليست كذلك، فهى لا تمتلك مصادر القوة سواء الجغرافية المادية أو المصادر العسكرية التى تفرض تدخلاً مباشراً، فهى يمكن أن تؤثر فى مرحلة ما من خلال تقديم مساعدات أو دعم، لكن موقفها أو دورها دائماً ما يكون مرتبطاً بقوى أخرى.

قطر ليس لها دور مستقل، مما يجعلها لن تستطيع العيش خارج محيطها الخليجى الذى أحكم قبضته عليها، التى لن تجد «الدوحة» بعدها مخرجاً سوى الاستسلام والقبول بالشروط والعودة إلى حجمها، لكن يبقى سؤال مرتبط بالدول التى تفاعلت مع قرارات السعودية والإمارات والبحرين، وفى مقدمتها مصر، فهل ستكون هذه الأخيرة جزءاً من الحل كما كانت جزءاً من الأزمة، أم أن الخليجيين سينهون خلافاتهم بجلسة عرب، بعد أن تنفذ قطر شروطهم، وتبقى «القاهرة» خارج الحسابات؟!