الصادق المهدى "للوطن" : الثورة السودانية بدأت مسلحة.. و«الربيع العربى» تحول إلى تغيير للأسوأ

كتب: شيماء عادل

الصادق المهدى "للوطن" : الثورة السودانية بدأت مسلحة.. و«الربيع العربى» تحول إلى تغيير للأسوأ

الصادق المهدى "للوطن" : الثورة السودانية بدأت مسلحة.. و«الربيع العربى» تحول إلى تغيير للأسوأ

داخل بيت الأمة السودانى، كان الصادق الصديق عبدالرحمن المهدى، أو «الإمام» كما يطلق عليه أنصاره ممن ناصروا جده الأكبر أحمد محمد المهدى فى ثورته على النظام التركى عام 1880، فى استقبال «الوطن». الوصول إلى قاعة استقبال الضيوف، الواقعة فى إحدى بنايات المنزل المكون من طابقين، تجعلك تمر على حدائقه التى شهدت اجتماع الوفد السوفيتى أثناء وجوده فى خمسينات القرن الماضى فى السودان، وهى التى شهدت اجتماعات القوى والشخصيات السياسية قبل تقلدها أمور الحكم فى السودان، وكان منهم الرئيس عمر البشير. استقبلنا المهدى رغم جدوله المزدحم، بعدما علم بأننا قادمون من مصر ولن نمكث بالسودان طويلاً، حيث أشاد بالثورة المصرية، التى جاءت بمكسب الحرية، ولكنه رأى أنها أخطأت فى ترك الميدان مبكراً، وعدم وضع دستور يحدد صلاحيات الرئيس المنتخب وإقرار قانون العزل السياسى والقصاص الشعبى من مبارك ورموزه، ويؤكد أن مصر دولة تشع بمكاسبها على أشقائها العرب والأفارقة، مثلما فعلت بإشعاع التيار الناصرى، معتبراً أن الثورة المصرية ألقت بظلالها على السودان، وإن كان الوضع فى السودان شهد ثورة قبل انطلاق الربيع العربى، من قبل بعض الجهات الثورية المسلحة، وتوقع أن تكون المواجهات بين الشعب السودانى والنظام أكثر دموية من بلاد أخرى. * كيف ترى الثورة المصرية بعد وصول الإسلاميين للحكم؟[Quote_2] - أولاً أحيى الثورة المصرية، لأنها حققت مكسباً كبيراً، وهو الحرية، باعتبارها قيمة أخلاقية وسياسية لا بديل لها، فضلاً عن أنها تعتبر الأقل دموية والأكثر سلمية مقارنة بثورات الربيع العربى، وهذا مكسب كبير للشعب المصرى، فالشباب الذين قادوا الثورة حققوا لبلادهم نصراً كبيراً، وأتمنى أن يكون لهذه التجربة الإيجابية أثر كبير على دول المنطقة فى استخدام النهج السلمى فى الثورة. * لكن البعض يرى أن الثورة المصرية غير مكتملة ووقعت فى الكثير من الأخطاء؟ - رغم المكاسب التى حققتها الثورة المصرية، فإنها وقعت فى خطأين أساسيين، أولهما عندما قطع الثوار مشوارهم الثورى بترك الميدان، وثانيهما عدم إقرار مشروع العزل السياسى فور تنحى الرئيس مبارك، وتركوا الأمر معلقاً، وبالتالى واجه الثوار «نواقص» فى الإجراءات الثورية. * ما رأيك فى مخاوف البعض من سيطرة الإسلاميين على مقاليد الأمور فى مصر، خاصة مع وجود أنظمة حكم إسلامية استمرت لعقود، كما حدث فى السودان؟ - لا أعتقد ذلك، خاصة أن المجتمع المصرى توجد فيه قوى مؤسسية لا يمكن الاستهانة بها، مثل القوات المسلحة والقضاء، بالإضافة لوجود رأى عام واعٍ، عنده زخم كبير، وميدان التحرير، بما يناسب تطلعات الشباب، ومهما كانت التطورات التى ستحدث فى مصر، فتلك القوى سيكون لها دور كبير فيها، وليس الإسلاميون وحدهم. * هل تعنى أن الإخوان ليسوا اللاعب المتحكم فى الساحة السياسية المصرية رغم فوزهم بمقعد الرئيس؟ - سيكون فى مصر ما يمكن تسميته بـ«لوحة الشطرنج»، فيها كل العوامل الأربعة، من قوات مسلحة وقضاء ورأى عام وميدان التحرير، وكلها تتفاعل بدرجة كبيرة من التوازن لا يمكن أن يصيب فيها عامل عاملاً آخر بالضربة القاضية، ولكن يبقى السؤال: هل يستطيع مرسى التعامل مع لوحة الشطرنج بما فيها من تعادلات بصورة متوازنة، فيحافظ على الديمقراطية والحرية من ناحية، والتوازن مع القوى الأخرى؟ أم يضيق هو ذرعاً أو يضاق به ذرعاً؟ * ما رؤيتك لرفض البعض تعامل المجلس العسكرى على الساحة السياسية، خاصة بعد الإعلان الدستورى المكمل؟ - مصر فى هذا التوقيت تحتاج إلى إعلان دستورى مؤقت، لتنظيم الفترة الانتقالية وعدم احتكار السلطة لشخص بعينه، وإن كان رئيس الدولة، لذلك فلا بد للقوات المسلحة المصرية من مراجعة الإعلان الدستورى المكمل، حتى لا يكون مكبلاً لحركة الرئيس، وإنما يكون مؤقتاً، يعطى للرئيس صلاحيات دون استحواذ على السلطة، لحين وضع دستور للبلاد، فهناك حاجة لتفويض بين الجهات المعنية، لتعديل الإعلان بالصورة التى لا تكبل حركة الرئيس، وفى نفس الوقت عدم احتكاره للسلطة، وهى مرحلة وسطية بين تكبيله وتفويضه بالكامل، وهو ما يتطلب حواراً جاداً وقبولاً للآخر. * ما التحديات التى تواجه حكومة مرسى فى ظل وصول الإسلاميين للحكم؟ - أكبر تحدٍّ هو حسم قضية الدستور، فتأجيل موضوع وضع الدستور كان من الأخطاء الكبرى التى وقع فيها الثوار، لأنه كان سيحدد قوانين اللعبة السياسية، وكان من الممكن أن يكون إعلاناً دستورياً متفقاً عليه، فمصر تمر الآن بمرحلة «آلام التسنين»، ويجب عليها الإسراع فى وضع دستور، لأنه بمثابة طوق النجاة للبلاد، كما يجب على الإسلاميين مراعاة مبادئ الوحدة الوطنية، فهناك عناصر غير مسلمة لا بد من أخذ مصالحها فى الاعتبار، ولن ينجح الإسلاميون من الناحية السياسية إلا من خلال مراعاة الناحية الاجتماعية، من العدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان والمساواة، التى تعد مبادئ أصيلة فى الإسلام. * كيف تفسر الخوف من الصعود الإسلامى، ليس فقط فى مصر، بل فى الوطن العربى كله؟ - الطرح الصريح للإسلام مطمئن جداً، فالمبادئ الأساسية التى يقوم عليها، هى الكرامة والحرية والعدالة والمساواة والسلام، فإذا نظرنا من الناحية النظرية، فهو مطمئن، لكن المشكلة فى وجود تجارب إسلامية خلقت خوفاً من الشعار الإسلامى، لأن البعض ربطوا الإسلام بالاستبداد ونفى الآخر والتعصب، بالإضافة إلى النظرة الدولية العدائية، التى نفرت من الإسلام وربطته بالعنف العشوائى والقهر، مثل فتوى تنظيم القاعدة بقتل كل ما هو أمريكى وغير مسلم، بل وجعله فرض عين، أما إذا جاءت قيادة إسلامية والتزمت بقواعد الإسلام الأساسية وقبول الآخر، فيمكن تبديد المخاوف بالقول والعمل الصحيح. * ما تأثير الثورة المصرية على الأوضاع السودانية، فى ظل خروج شباب الجامعات للمطالبة بإسقاط النظام؟ - نحن فى السودان نتطلع إلى نجاح التجربة المصرية، لأن إمكانية إشعاع هذه التجربة لن يكون فى مصر وحدها، فالنظام الناصرى فى مصر وصل إشعاعه لكافة الدول العربية والأفريقية، وكما قال الشاعر اليمنى «ما نال مصر نعمة أو نقمة إلا أن وجدت لنا بذلك نصيباً»، وإذا حدث انتكاس فى مصر، وحاولت جهة سياسية فرض نفسها على الأخرى، كما حدث فى السودان، أو انفراد طرف من الأطراف بالسلطة، أو حل عسكرى كما حدث مع الثورة الفرنسية، عندما أطاح بونابرت بالثورة، ستشع إشعاعات سوداء فى المنطقة، والمطلوب من التجربة الصبر والتوازن حتى تنجح، خاصة بعدما تحول «الربيع العربى» إلى «كابوس عربى»، وما حدث من تغيير كان للأسوأ، مثلما حدث فى العراق. * لكن ما حدث فى العراق لم يكن بثورة؟ - العراق ظاهرة يمكن أن تتكرر، وحال فشل الثورات سيتمنى الثوار العودة إلى النظام السابق الذى ثاروا عليه. * سبق لك أن التقيت الرئيسين السابقين مبارك والقذافى، فما رأيك فى نهاية كل منهما؟ - فيما يتعلق بالقذافى، أنا ضد مقتله، لأنه يتنافى مع مبدأ حقوق الإنسان، وكان على الليبيين تقديمه لمحاكمة علنية، لأن ذلك كان سيساعدهم فى كشف كم كبير من الأسرار، وكان سيتحول إلى شاهد على نفسه ويقر بفضائحه التى ارتكبها ضد الشعب لدرجة تقوده إلى الإعدام، فضلاً عن أن مقتله أدى لخلق الأحقاد، وبالذات لدى عائلته، التى أعلنت رغبتها فى الثأر له. * لكن هذا لم يحدث مع مبارك، فرغم تحويله للمحاكمة لم تثبت عليه الاتهامات، بل أنكرها؟ - محاكمة مبارك لم تحظَ بالعدالة الثورية المطلوبة، وكان يجب وضع قانون للقصاص الشعبى من البداية، للتصدى لما فعله مبارك على أساس سياسى واقتصادى ودولى، أو كما فعلوا فى جنوب أفريقيا، عندما قرروا فتح صفحة جديدة وشكلوا «هيئة المصارحة والمصالحة»، وهو نهج آخر من مناهج العدالة، يعتمد بشكل كبير على التسامح، فكان يجب على الثوار فى مصر أن يصدروا قانوناً للقصاص الشعبى والعزل السياسى، كجزء لا يتجزأ من تطلعات الثورة المصرية. * هل ترى أن الاحتجاجات التى يشهدها السودان انعكاس لثورات الربيع العربى؟ - السودان وضعه مختلف، لأن الثورة ضد النظام فى السودان بدأت قبل الربيع العربى، لكنها أخذت طابعاً مسلحاً، والحركات المسلحة هى فى الحقيقة حركات ثورية، ورغم أنه يؤخذ عليها استخدامها للعنف، إلا أنها تعلن رفضها الواضح للنظام الحالى، وانضم لهذه الحركات المسلحة احتجاج ثورى شبابى كبير لا يمكن تجاهله، رغم أنه يقال إنه يعتمد على جهات أجنبية، ولكن حقيقة الأمر أنه انطلق نتيجة إخفاقات الحكومة السودانية، فضلاً عن الرأى العام الذى تخلقه قوى المعارضة، التى تعانى انقساماً حاداً فى الجسم السياسى السودانى. * كيف يمكن الحد من إمكانية دخول النظام السودانى فى مواجهات دموية مع الثوار والحركات المسلحة؟[Quote_1] - الأسلم للسودان، هو سرعة وضع إجراء استباقى لحل هذه المواجهات، وهو ما فعلناه فى حزب الأمة، حيث وضعنا خارطة طريق لقيام نظام جديد، كإجراء استباقى يجنب البلاد أى مواجهات دموية أو وصاية دولية على السودان، كما حدث فى جنوب أفريقيا، عندما عقدوا دائرة مستديرة «الكودسا»، وسنعرض هذه الخارطة على النظام خلال الأيام القليلة المقبلة، خاصة أن الخلافات فى السودان ليست سياسية فقط، وإنما خلافات إثنية وقبلية وجهوية، كلها تغذى الأحقاد، وبالتالى ستتسبب فى إراقة الدماء، بالإضافة إلى احتمال فرض وصاية دولية من مجلس الأمن، حال عدم اتفاق جنوب السودان مع شماله، وذلك فقاً لقرار الأمم المتحدة رقم 2046. * وماذا عن باقى القوى المعارضة كالجماعات المسلحة وقوى الشباب المعارض؟ - لكل تيار سياسى أجندة يريد تطبيقها، وهذه الأجندات ستفرض نفسها، شئنا أم أبينا، فهناك جبهة ثورية تحمل السلاح، وشباب يسعى لحدوث انتفاضة، ونحن فى حزب الأمة سنعمل على الضغط من أجل تطبيق خريطة طريقنا الآن، ونحن فى حالة ترقب وكل شىء وارد.