بالفيديو| "مقرئ ومغني ومعتقل".. هكذا روى "الشيخ إمام" سيرته

بالفيديو| "مقرئ ومغني ومعتقل".. هكذا روى "الشيخ إمام" سيرته
تلتقط أذناه الكلمات لتصبغها بأنغام عوده الحماسية التي لا تكتمل بغير صوته، يجسد الدفء ممتزجًا بالغضب أحيانا، يراه البعض ضميرا حقيقيا يوقظ العزم ويأجج المشاعر ويخاطب الوطن بلسان عشاقه، وينظر له آخرون على أنه المتهم الذي يليق به المعتقل لمجرد أغنيات حولته حنجرته إلى "كرباج" يجلد من ارتآه مخطئا مقصرا في عمله، لينضم "الشيخ إمام" إلى تلك القائمة التي تنتظر التاريخ كي يقول كلمته فيها.
لم يجزع الشيخ إمام أحمد محمد عيسى من الحديث عن طفولته، وسرد مأساته مع العمى التي بدأت مع الشهر الثاني لولادته بمنطقة "أبوالنمرس" في محافظة الجيزة، إلا أن الأب البسيط أمسك بيد صغيره واصطحبه لأقراب كتّاب من مسكنه حيث تعلم القرآن، وأتم حفظه مع السنة الثامنة من عمره.
وتحدث "الشيخ إمام" عن تلك الحقبة من حياته، في حوار صوتي مع الكاتبة الصحفية صافيناز كاظم، روى كيف أنه تعلم القراءات السبع وأجاد تلاوتها كاملة، وامتلك الحجة التي مكنته من تقييم قراء عصره المشاهير الذين وصفهم بأنهم يتغنون بالقرآن ولا يرتلونه، لحلاوة صوتهم التي تجبرهم على مخالفة بعض حركات المد في أثناء التلاوة.
المصادفة تعرف طريقها إلى مسيرة الشاب، إمام، الذي وجد نفسه، بين ليلة وضحاها، مطرودا من الجمعية الشرعية التابعة لقريته، لأنه اقترف ذنبا، في وجهة نظرهم، تمثل في سماعه للقرآن في الإذاعة، بصوت الشيخ محمد رفعت، ليتخلى عنه والده عقابا له، ولا يجد ملاذا سوى الجامع الأزهر الذي يقضي فيه نهاره ومسجد الحسين الذي يأمّن خوف ليله.
"الشيخ إمام" تسوقه قدماه إلى "حوش عيسى" ليجد ساكنيه في انتظار صوته يتلو القرآن داخل بيوتهم ومآتمهم، حتى تعاوده الصدفة من جديد، بمقابلة غير محسوبة مع شيخ الملحنين درويش الحريري، فإذا بالشاب الكفيف يمسك بعباءته ويأخذ منه عشقه لـ"العود" ويحفظ عنه عشرات الموشحات التي يتغنى بها فيسعد أحباؤه بعذوبة صوته.
مسيرة الشاب، المحب للغناء، الغناء، بدأت بعد بحث مرير عن الكلمات التي يبني عليها أنغامه، حتى يقرر المطرب الناشئ الاعتماد على نفسه وكتابة "كلام غزلي هايف"، على حد تعبيره، تخرج به أولى أغنيات "الشيخ إمام" الذي صدح بها، برفقة عازفين من أصدقائه، في أعياد الميلاد والاحتفال بالإسبوع الأول للمواليد الجدد.
رفيق دربه، أحمد فؤاد نجم، التقط أطراف الحديث، ليحكي عن لقائه الأول بـ"الشيخ إمام" والذي أسفر عن أول أغنية عاطفية جمعتهما معا عام 1962، وكان مطلعها: "أنا أتوب عن حبك أنا؟، أنا ليا في بعدك هنا؟، دانا باترجاك الله يجازيك، يا شاغلني معاك وشاغلني عليك"، غير أن تلك الحالة الرومانسية سرعان ما انتهت حينما التقى الحبيبان في أول أغنية سياسية لهما بعنوان: "على حسب وداد قلبي"، جسدا فيها حب الوطن في أبهى صوره.
الحصار بدأه الإعلام على الشاعر وصاحبه، ثم تطور إلى قبضة تجمع العاشقين في الزنزانة، غير أن "الشيخ إمام" لا يعجزه غياب عوده عن أصابعه ليكتب "النوتة الموسيقية"، في عقله، ويشدو من داخل محبسه بكلمات حفظتها بعده أجيال على مدار نصف قرن من الزمان.
حوار "الشيخ إمام" النادر، لم يخل من الحديث عن شخصيات عشقها، مثل "فيروز" و"وديع الصافي"، وعتاب على "عبدالوهاب" لتجاهله أفضال الموسيقار درويش الحريري عليه، وحكاية لقاء الشيخين، إمام وسيد مكاوي، ولا مانع من أغنيات عديدة لكل من الشيخ زكريا أحمد والشيخ محمود صبح وغيرهما.
لم يتحدث "الشيخ إمام" عن عزلة أصابته في نهاية عمره، ولم يحكي عن شخص آثر المكوث بغرفته لحين أسدال الستار على حياته في 7 يونيو عام 1995، ليغني العشاق في وداعه: "يا مصر قومي وشدي الحيل، كل اللي تتمنيه عندي، لا القهر يطويكي ولا الليل.. آمان آمان بيرم أفاندي".