ما بعد قمة الرياض.. «إرهاب وعقاب»

جمال طه

جمال طه

كاتب صحفي

بريطانيا أكثر المتضررين من استيلاء ترامب على أرصدة الخليج، التى عولت عليها لتعويض خسائر خروجها من الاتحاد الأوروبى، وضعت الخطط لامتصاص الودائع والاستثمارات التى هددها قانون «جاستا»، وتسرعت تريزا ماى بإعلان أن لندن ستصبح «عاصمة للاستثمار الإسلامى»، شاركت فى قمة «التعاون الخليجى» بالبحرين ديسمبر 2016، وأطلقت «الشراكة الاستراتيجية».. اتفقت على صفقات عسكرية ضخمة، وكشفت عن وجود دائم لقواتها، وتوسيع وجودها العسكرى بقاعدة الجفير بالبحرين، والمنهاد الجوية بدبى، وإنشاء قواعد تدريب ومشاة بسلطنة عُمان، يتمركز بها 30.000 جندى بعائلاتهم، إجراءات الحماية البريطانية للخليج تجاوزت تقديراتها 100 مليار دولار!! إنجاز ترامب أصاب لندن بصدمة غير مسبوقة.

قطر «حصان طروادة» داخل مجلس التعاون؛ المجلس يحشد لتطويق التمدد الإيرانى، وقطر تطور تعاونها مع طهران، التى دعمتها فى خلافاتها الحدودية مع السعودية، الأمير السابق التقى المرشد فى طهران ديسمبر 2010، ووقع اتفاق تعاون أمنى مع الحرس الثورى!! تطابقت مواقف البلدين من حكم الإخوان بمصر، وحزب الله بلبنان، وحماس بفلسطين رغم تعارضها مع توجهات مجلس التعاون الخليجى.. وقعت اتفاقاً عسكرياً مع تركيا يونيو 2015، تشيّد بمقتضاه قاعدة عسكرية لتأمين النظام، أعقبتها باتفاق أمنى وعسكرى مع إيران أكتوبر 2015، رحبت باقتراح طهران إنشاء «منظمة دفاعية أمنية إقليمية»، كبديل لـ«المجلس»، لكن أعضاءه لم يحركوا ساكناً، كأنهم لا يستوعبون ما يحدث، ولا يدركون دلالاته.. والأخطر تجنيد المخابرات البريطانية للأمير إبان القبض عليه متلبساً، بصحبة «رفيقه» مايكل هيرد، خلال شجار بأحد ملاهى الشواذ أغسطس 2005، الشرطة وثقت الواقعة، واستدعت المخابرات لـ«تُعمل شئونها»، وعمدة ليفينجستون بلندن ليشهد معه، ويغلق التحقيق الجنائى، والسفارة القطرية لتسلم الأمير، فجاجة الواقعة لم تعط فرصة لاحتوائها، حتى إن القرضاوى أفتى بالرجم تطهيراً للنظام، لكن الأمير اعتلى العرش!!

رد فعل قطر تجاه ما حدث بقمة الرياض بدا كتكليف يعكس «الحُرقة البريطانية» من السبق الأمريكى!! تصريحات تميم لوكالته الرسمية، ومحاولة الإعلام الموالى للدوحة فضح ما تعرض له قادة الخليج من ابتزاز أمريكى، والسعى لإفساد ما تم الاتفاق عليه، كان خروجاً غير مسبوق عن قواعد التعامل داخل المجلس، ما يؤشر لانشقاق مقبل.. كلمة السيسى كانت «القاضية الفنية» للأمير، لكنه لم يكن ينتظرها ليرد، بل سبقها بتحريك الأوضاع على الأرض فى اتجاهات عديدة:

الأول: من خلال التنظيمات الإرهابية، التى تعبث فى النطاق الحيوى لأمن مصر القومى بليبيا.. منذ أن نجحت القاهرة والإمارات فى جمع حفتر والسراج، بدا للجميع أن الأزمة فى طور الانتهاء.. تزامناً مع وصول ترامب للسعودية، تحركت ميليشيات «القوة الثالثة» التابعة للمجلس العسكرى لمصراتة، و«كتائب دفاع بنغازى»، والإخوان، وعناصر «القاعدة»، من قاعدة «تمنهنت» الجوية التابعة لميليشيات مصراتة، وارتكبت مجزرة بقاعدة براك الشاطئ التابعة للجيش الوطنى جنوب ليبيا، ضحاياها 141 شهيداً وعشرات الجرحى، السراج أوقف البرغثى وزير الدفاع، والتريكى آمر القوة الثالثة، وشكل لجنة تحقيق برئاسة وزير العدل لتحديد المسئول، لكن التريكى كشف: «القوة الثالثة تأتمر بأوامر السراج ونائبه كاجمان، ولديها إثباتات صوتية ومكتوبة لتلقيها تكليفات وأوامر لمهاجمة براك الشاطئ».

الثانى: اتفاق «البلدات السورية الأربع» الذى تم التوصل إليه برعاية قطرية إيرانية، ويقضى بخروج المسلحين من «الزبدانى ومضايا» بريف دمشق، مقابل فك الحصار عن «كفريا والفوعة» بريف إدلب، النظام السورى اعترض على نقل الإرهابيين الأجانب «ينتمون لدول شرق آسيا ومصر وتونس» لأى منطقة داخل الدولة، قطر أدخلت تركيا كوسيط، واتفقت على نقلهم عبر الطريق الدولى إلى لبنان، ثم جواً لتركيا، ومن هناك يتم دفعهم إلى ليبيا والسودان تمهيداً لدخولهم مصر عبر الدروب الصحراوية، التقديرات تشير لوصول 170 إلى تركيا، وهناك قوائم بـ600 فى الطريق.

الثالث: عملية الهجوم على الحافلة المتجهة إلى دير الأنبا صموئيل بالمنيا.

رد مصر كان حاسماً، وفى المكان الصحيح، فليس مقبولاً أن تتجرأ قطر وتركيا والسودان على نطاقنا الحيوى، ويحولوه إلى مفرخة للإرهاب، ونحن نحارب معركة دفاعية من داخل حدودنا، الأمر يرتبط بتوازنات دولية، ولكن «أن يأتى متأخراً خير من أن لا يأتى أبداً»، الجيش الليبى بتنسيق مع مصر اقتحم قاعدة «تمنهنت» واستردها، 70% من مدينة سبها أضحت تحت سيطرته، وجار استكمال تطهيرها، أعد خطة لتحرير الجفرة، بعد أن لجأت إليها الميليشيات، التى أدت تجاوزاتها مع الأهالى، ومجزرة براك التى طالت عشرات المدنيين إلى تحول فى مواقف عدد كبير من القبائل، وانحيازها للجيش، ما يفسر هجوم كتيبة ثوار طرابلس بقيادة هيثم التاجورى، ضابط الشرطة المنشق، على سجن الهضبة بطرابلس، واختطاف قيادات نظام القذافى «عبدالله السنوسى، الساعدى القذافى، أبوزيد عمر دوردة، والبغدادى المحمودى..»، وتسليمهم لحكومة الوفاق، للمساومة على دعم قبائلهم، لكن هذه القبائل تدرك أن البرلمان أصدر قانون العفو، والوفاق عجز عن تفعيله، فلمن التعاطف والدعم؟! غارات الطيران المصرى فى العمق الليبى بدأت بـ«درنة»، الأقرب للحدود الغربية «200 كم»، تعتبر المورّد البشرى للقاعدة وداعش والمجموعات النوعية لإخوان مصر، حاول الجيش اقتحامها عدة مرات، إلا أنه لم يوفق بسبب شدة دفاعاتها، وموقعها الحصين بين الجبل والبحر المتوسط، الضربة الجوية أوقعت خسائر كبيرة بالمعدات والإرهابيين، ما يفسر إعلان «أنصار الشريعة» -مُنفذ الهجوم على القنصلية الأمريكية 2012- حل التنظيم، بعدما لحق به من خسائر فى الهيكل القيادى والمقاتلين، فاعلية النتائج تفسر الرضا الأمريكى، وتورط الجماعة الليبية المقاتلة فى هجوم مانشستر يبرر ابتلاع لندن للسانها، وتوغل الطيران فى العمق يوقف الدعم التركى والقطرى، وتوسيع نطاق العمليات يمهد لهجمات برية يشنها الجيش الليبى لإحكام سيطرته على الشرق والجنوب، حيث مصادر التهديد لأمننا.

عقاب الجماعات الإرهابية بليبيا تتولاه مصر، وتأديب قطر الممول الرئيسى لها بدأ بحظر موقع وقناة الجزيرة، وقرابة عشرين منفذاً إعلامياً مرتبطاً بها، والأهم حملة العلاقات العامة التى بدأت بمؤتمر فى واشنطن 5 مايو 2017 تحت رعاية منظمة «جينزا» المتخصصة فى الأمن القومى الأمريكى، تلاه مؤتمر نظمته «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات» 23 مايو، بمشاركة دينيس روس وربرت جيتس السفيرين السابقين بالشرق الوسط، استهدفا إعادة تقييم العلاقات الأمريكية القطرية، وإمكانية إغلاق قاعدة «العديد»، فى ضوء الدعم القطرى للتنظيمات الإرهابية وحماس والنصرة، انتهت بالتوصية بإغلاق القاعدة ونقل مركز العمليات الأمريكى للإمارات، فى تهيئة مبكرة للرأى العام الأمريكى.. هل فهمنا المدلول السياسى لمزاحمة محمد بن زايد لتميم واحتلال مكانه بجوار ترامب، فى الصورة التذكارية الأخيرة لقمة الرياض؟!