جوهرة الموساد فى ميزان ترامب

ريهام نعمان

ريهام نعمان

كاتب صحفي

«نحن نعطيهم جوهرة التاج».. مصطلح صاغه أحد أبرز ضباط الموساد الإسرائيلى عن طبيعة وجودة المعلومات الاستخباراتية التى تحظى بها أجهزة المخابرات الأمريكية من خلال شراكة التعاون الشامل بين المجتمع الاستخباراتى الإسرائيلى ونظيره الأمريكى.

يونيو 2016.. صدر تقرير من الموساد يشير إلى وجود علاقات تثير القلق بين دونالد ترامب (مرشح الحزب الجمهورى آنذاك) وأعضاء من حملته الانتخابية وبين دوائر رسمية روسية. تم إطلاع الجانب الاستخباراتى الأمريكى على كافة تفاصيله.

يناير الماضى.. شارك مسئولون فى وكالة الاستخبارات الأمريكية «C.I.A» نظراءهم الإسرائيليين مخاوف من ضغوط تمارسها موسكو على ترامب قد تؤدى إلى تسريب معلومات سرية إلى موسكو ومن ثم طهران. المخاوف أيضاً تطول طبيعة التعاون بين ترامب وأردوغان الذى أصر على تعيين نائب إيرانى الهوى لجهاز المخابرات الوطنية التركى، لذا لا بد من انتقاء المعلومات المراد الكشف عنها للبيت الأبيض.

هنا يمكن القول إن الاتهامات التى وُجهت لترامب الثلاثاء الماضى بشأن تسريب معلومات شديدة الحساسية -مصدرها إسرائيل- لوزير الخارجية الروسى لم تكن موضع دهشة لمجتمع الاستخبارات الإسرائيلى كما هو حال نظيره الأمريكى الذى لم يكن بعيداً عن ضخ وإدارة تلك التقارير وغيرها فى وسائل إعلام أمريكية.

الصدمة فقط اخترقت عقل الشعب الأمريكى الذى ذهب بعضه لوصف هذا الفعل بـ«الفضيحة» فى حين أنه موصف لدى جله بالخيانة.

لم تعد الإشكالية الآن فى إثبات الروابط بين موسكو وأعضاء حمله ترامب، بل وترامب ذاته، فالضحكة التى أطلقها فلاديمير بوتين مؤخراً أراد بها التعبير عن انتصار يعتقده محققاً فى اختراق القلب الصلب للولايات المتحدة عبر رئيس بات يُعرف بأنه وكيل الكرملين فى البيت الأبيض.

لا شك أن بوتين، الذى فطن مبكراً لحقيقة التاجر التى تسمو براغماتيته فوق البراغماتية الأمريكية التقليدية، يعى أن براغماتية ترامب ترتكز على اللحظة، لذا فإن واقع إجابته حين سُئل عن أى مقطوعة موسيقية سيقوم بعزفها لترامب بأن ذلك يتوقف على نتائج اللقاء، هو إعلان فلسفة العلاقة بين الاثنين.

الفلسفة ذاتها هى جوهر الصراع الدائر بين ترامب والمؤسسات الأمريكية، فبالإضافة إلى قلق متزايد يعترى الولايات المتحدة من إحداث الروس، وربما غيرهم، مزيداً من الثقوب فى الداخل الأمريكى، فإن الفزع الحقيقى يكمن فى محاولات ترامب المتواترة للجنوح بمذهبه الخاص بعيداً عن مظلة الاستراتيجية الأمريكية الزاهية عسكرياً وغير المحصنة استراتيجياً والمتموضعة بمحددات وثوابت ترسم إحداثياتها وملامحها الرئيسية وكالات الاستخبارات الأمريكية، إذ تخلق منها سياسات يقوم على صياغتها وتنفيذها «الرئيس - الخارجية - الكونجرس».

بدا جنوح ترامب جلياً فى قرار إقالة جيمس كومى، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالى السابق، الذى لا أرى أن أسبابه المتداولة حول اتهامات بتواطؤ حملة ترامب الانتخابية مع روسيا هى الحقيقية والمباشرة - لن يستطيع خلف «كومى» تجاهل التحقيقات أو إخفاءها - «كومى» الذى جهر فى أكتوبر 2016 بإعادة تحريك قضية البريد الإلكترونى لهيلارى كلينتون أثناء الانتخابات الرئاسية هو كذلك الذى أخفى على الكونجرس والرأى العام الأمريكى أنه قد فتح فعلياً فى الوقت نفسه تحقيقاً حول الاتهامات المنسوبة لترامب وحملته، ولم يعلن عنها سوى فى مارس الماضى، وهو ذاته الذى طلب منه ترامب دون تردد إغلاق التحقيق فى ملف مايكل فلين مستشار الأمن القومى السابق ولم يعلن هذا إلا بعد إقالته بشهر ونصف الشهر.. هل ثمة مصلحة ربطت بين ترامب وكومى من البداية حينما انقضت لم يعبأ ترامب بعدها بتداعيات إقالته.. وحينما ندقق فى أسباب إقالة مايكل فلين نجد أن ترامب اعتمد نفس فلسفته البراغماتية، فهو يعلم مسبقاً أن اتهامات بالعمالة لصالح تركيا تطول فلين وقام بتعيينه مستشاراً للأمن القومى ولم يطالبه بتقديم الاستقالة إلا بعد ضغوط وزارة العدل التى أكدت أن اتصالات دائرة بينه وبين السفير الروسى بواشنطن بشأن العقوبات على روسيا. لا يزال ترامب يدير أزماته المتلاحقة مع المجتمع الأمريكى، السياسى منه والشعبى، بمنطق العلاقات العامة غير مكترث بشرعيته التى باتت على المحك، وفى المقابل لن تدخر المؤسسات الأمريكية جهداً إما فى تطويع التاجر أو خروجه المبكر من البيت الأبيض.