أعداء الدولة وخصوم الرئيس (1 - 3)

مصطفى بكرى

مصطفى بكرى

كاتب صحفي

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، تتزايد الأزمات، وتتفاقم الخلافات، ينسى البعض أن هناك عدواً يتربص، وتحديات خارجية تشتد ولا تهدأ، مؤامرات تحاك ضد الوطن، ومحاولات تستهدف تشويه كل شىء، والإساءة إلى مواقف الرئيس، وتفسير الأحداث بطريقة تثير الرأى العام، وتؤلب الفئات المختلفة على النظام..

إن الوقائع التى يعرفها القاصى والدانى لا تخفى على أحد، بل هى ملء السمع والبصر، وهذه الوقائع لا أستطيع أن أقول إنها خافية على صانع القرار، لأنه هو بنفسه ينتقد عجز الوزراء، وتفاقم الفساد رغم جهود الأجهزة الرقابية، وتجاوز الحقائق بواسطة بعض وسائل الإعلام، وبطء عمليات المواجهة الفكرية والسياسية والدينية لظاهرة التطرف والإرهاب، والسعى الحثيث لعودة بعض الوجوه التى كانت سبباً فى الأزمات التى نعانى منها، والمشكلات التراكمية التى تتحمل القيادة السياسية عبء تداعياتها فى الوقت الراهن..

إن السؤال الذى يطرح نفسه: هل هناك من يريد أن يجهض آليات المواجهة، وهل هناك من يسعى إلى تفاقم الخلافات، وهل هناك من يريد تأليب الفئات الاجتماعية المختلفة ضد الرئيس، أو بمعنى آخر، هل هناك من يريد إفشال «السيسى» ومشروعه، حتى إذا ما جاءت الانتخابات الرئاسية المقبلة، انقسم الشارع، وبدأ التحريض يُحدِث نتائجه؟!

إن المتابع لوقائع الأحداث الماضية، وتحديداً منذ تولى الرئيس السيسى مهام الحكم فى البلاد، يستطيع أن يتوقف أمام عدد من الملاحظات المهمة أخطرها:

- إننا أمام رئيس «استثنائى» تولى الحكم فى فترة استثنائية، انحاز للشارع المصرى، وأنقذ الوطن من حكم جماعة، أرادت إحلال «الجماعة» محل «الدولة»، وسعت إلى تكوين الميليشيات وهدم المؤسسات وصولاً إلى الحرب الأهلية، التى لا تبقى ولا تذر، ولكن الرئيس لم يستطع أن يجد «رجالاً» ذوى عمق سياسى وإدراك مجتمعى بمخاطر الأزمات والمشكلات يستطيعون خوض المعركة معه، وتأمين مشروعه، وتكوين الآليات التى من شأنها تحقيق الأهداف التى أعلنها الرئيس منذ اللحظات الأولى.

ـ التوجه نحو المشروعات الاستراتيجية التى من شأنها إحداث تنمية حقيقية فى البلاد وجذب الاستثمارات مع تحميل الفئات الاجتماعية الأكثر فقراً والمتوسطة تبعية التكلفة الاجتماعية، التى تمثلت فى تراجع الدعم، وتعويم الجنيه، وهو ما أدى إلى زيادة الأسعار التى أحكمت خيوطها حول رقبة هذه الفئات التى راح صراخها هباءً، لكنها لم تستطع أن تعلن عن احتجاجها، خوفاً على الدولة المصرية ومؤسساتها المختلفة، والأخطر من ذلك أن هناك موجة أخرى فى الطريق قد تفضى إلى زيادات جديدة فى أسعار الكهرباء والوقود من شأنها أن تزيد من حالة الإفقار والعدم لدى الكثيرين من هؤلاء الذين يعانون شظف العيش وتردى الأحوال الاجتماعية.

- عدم قدرة الحكومات المتعاقبة على مواجهة مظاهر الاستغلال وتردى الخدمات، وتفاقم الأسعار بطريقة أثارت الاستياء، حتى وصل الأمر إلى قناعة لدى الناس، بأن هناك من يريد أن يدوس على «أنفاس» الفقراء، وأن ما يعانيه الناس فى هذه الفترة، لم تشهده البلاد فى أى وقت سابق خلال هذه الأنظمة الماضية، وهو أمر من شأنه أن يزيد من حدة الاحتقان المجتمعى، الذى أصبح يتراكم بطريقة قد تؤدى إلى نتائج صعبة وخطيرة فى الفترة المقبلة.

- سعى البعض إلى تعطيل تفعيل القوانين والآليات التى من شأنها حسم الأزمات، وأمامنا مطالبة الرئيس أكثر من مرة بضرورة إصدار قوانين الصحافة والإعلام التى من شأنها وضع الضوابط اللازمة التى توازن بين الحرية والمسئولية والبدء فى تغيير الأوضاع غير القانونية لإنقاذ المؤسسات المختلفة، إلا أنه ورغم صدور قانون «التنظيم المؤسس للصحافة والإعلام» ونشره فى الجريدة الرسمية فى 24 ديسمبر من العام الماضى، فإن هناك من يعطل تفعيل هذا الأمر وتغيير رؤساء مجالس إدارات ومطبوعات المؤسسات القومية ووضع الضوابط على الأداء الصحفى والإعلامى حتى الآن، وهو أمر يؤكد أن هناك من يريد إجهاض القوانين وإفراغها من مضمونها، وتفاقم الخلافات بين مؤسسات الدولة المختلفة، ويريد فرض وجهة نظره على الآخر، والكل يدخل فى سباق محموم، من يستطيع أن يبلغ الرئيس أولاً، ومن يستطيع أن يغلّب وجهة نظره على الآخرين وإجهاض تحركات منافسيه، وبدلاً من التكامل فى تنفيذ القرارات وصياغتها بشكل يخدم الدولة ويزيد من تماسكها أصبح البديل شيئاً آخر، صراعات وتناحرات، وفرض الإدارات، وتغييب دور مؤسسات كبرى، ويضع القرارات فى يد مجموعة محدودة، ويكون الخاسر فى النهاية هو الدولة والرئيس، وهذا مرجعه إلى عدم الحسم وترك الأمور تتفاقم، والتنافس يتصاعد، ظناً أن ذلك من شأنه الاستحواذ على أية مراكز قوى فى الدولة، فتكون النتيجة على العكس من ذلك، لأن ذلك بصراحة يظهر المؤسسات بمظهر المتناحر، ويحبط أفرادها، ويظهر الدولة أمام الآخرين، وكأنها دولة «المجموعة» التى تتحكم فى بقية المؤسسات.

تصاعدت لغة «التهديد والانتقام» من كل من يتوجه بنصيحة مجردة هدفها حماية الدولة وضمان استمرار مشروع «الرئيس»، وأصبح تشويه الناصحين من أسهل الأمور، وقد نجحت هذه الأساليب فى ضرب حلف ثورة الثلاثين من يونيو، وتم البدء فى صياغة حلف جديد هو حلف المعارضين والمشككين، الذين تم الرهان عليهم، وتقريبهم إلى صناع القرار، بل وإسناد أدوار قيادية واستثنائية لهم، وهو أمر أثار الآخرين من حلفاء النظام ورجالات الدولة الحقيقيين الذين جرى إبعادهم عن عمد حتى لا يُحسَبوا كشلة للرئيس، رغم أنهم لم يسعوا أبداً إلى أية مناصب أو مواقع، ولكن هم يعاقبون لأنهم وقفوا مع الدولة وسعوا إلى حماية مؤسساتها، وكانوا من أكثر الداعمين للرئيس..

- إعادة إنتاج شخصيات ورموز الماضى وأدوات الأنظمة السابقة ورجال كل العصور لتصدر المشهد فى كثير من المواقع، باعتبارهم الوحيدين القادرين على قيادة العمل الوطنى فى هذه الفترة، دون اكتراث برد فعل الرأى العام أو قراءة فشل تجاربهم فى أوقات سابقة، ومن ثم فإن الاستعانة بهم وتصديرهم للمشهد فى الفترة الحالية يعطى رسالة خاطئة للكثيرين بأن الدولة تعيد إنتاج أنظمة ثار عليها الشعب فى أوقات سابقة.

- عدم استخدام أدوات الدولة وآلياتها التى تتبنى بحكم نشأتها ووظيفتها خطاً واضحاً فى الدفاع عن أمنها القومى «ماسبيرو مثالاً» والسعى إلى ترك هذه المؤسسات تتداعى وتتراجع حتى تلقى مصير الانهيار، والسعى إلى إقامة أشكال بديلة ظناً منها أنها ستحل محل «ماسبيرو».

- السعى الدؤوب للعودة إلى سياسة «الحزب الواحد» وإجهاض أية محاولات أخرى من شأنها إحداث التعددية، باعتبار أن ذلك من شأنه أن يفتت، ويحدث الجدل، والتباين فى وجهات النظر «البرلمان مثالاً»، وبالرغم من قصر هذه النظرة، وعدم فهمها لحقيقة الواقع، فإنها لا تزال تشكل مناعة لدى الكثيرين من صناع القرار، مع دور البرلمان وأن تؤكد ثوابت الدولة الوطنية فى حماية الديمقراطية والتعددية، كما أنها تعطى صورة حضارية للداخل والخارج، وتنهى سياسة الاحتكار السياسى، وتضع حداً للترهل، وتفعّل آليات الرقابة البرلمانية، وتحقق النتائج المرجوة منها..

إن السؤال الذى يطرح نفسه: لماذا الصمت على كل ذلك، ونحن على أبواب انتخابات رئاسية، قطعاً سيدخل إلى ساحتها متنافسون آخرون.. ؟!