منتدى الإعلام العربى يسأل: لماذا صورتنا كئيبة؟

يزداد الدور الذى يلعبه «منتدى الإعلام العربى» عاماً بعد عام، ويتسع أثره ليشمل أبعاداً ثقافية وسياسية وحضارية، إضافة إلى تخصصه الأصيل فى المجال الإعلامى.

يستمد «منتدى الإعلام العربى» تفرده من انطلاقه من دبي؛ وهى الإمارة التى تثبت بوضوح إمكانية أن ينجح العالم العربى فى مواجهة تحديات العصر، وتحقيق الإنجازات التى يمكن أن تضعه فى مكانه المفترض على خريطة العالم.

ما زالت دبى تتقن تحقيق الاختراقات الكبيرة، وتكرس نفسها فى موضع الإلهام، كما يفعل «منتدى الإعلام العربى»، الذى يتموضع كأفضل فعالية إعلامية عربية، وأكثر الأحداث الإعلامية تأثيراً على مدار العام، فى منطقة الشرق الأوسط والخليج العربى.

فى دورته السادسة عشرة، التى أقيمت الأسبوع الماضى، فى دبى، بحضور مئات الإعلاميين والسياسيين والمثقفين من المنطقة العربية والعالم، حرص المنتدى على مناقشة موضوع صورة العرب الذهنية كما تظهر فى الإعلام الأمريكى، حيث خصص جلسة بعنوان «حال صورة العرب» تحدث خلالها «ناثان تك»، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية للشرق الأوسط والخليج العربى، و«مارك دونفريد»، المدير التنفيذى ومؤسس معهد الدبلوماسية الثقافية فى برلين، و«هادلى جامبل»، مراسلة محطة «سى إن بى سى» فى الشرق الأوسط، عن الطرق الكفيلة بتغيير الصورة السلبية للعالم العربى فى الإعلام الأمريكى من خلال تطوير وسائل مبتكرة تسهم فى إقامة حوار حضارى وثقافى يحقق التقارب بين الشعوب.

وتطرّق المشاركون فى الجلسة إلى مخرجات تقرير «نظرة الشعب الأمريكى إلى العالم العربى»، وهو ثمرة تعاون بين «نادى دبى للصحافة»، وصحيفة «عرب نيوز» السعودية، وشركة «يوجوف» المتخصصة فى الدراسات الاستقصائية، فى مسعى لتحليل وفهم آراء وانطباعات المواطن الأمريكى حيال المنطقة العربية وما تشهده من أحداث، وكيف يتقبل ما يأتى منها من أخبار.

الجلسة، التى شهدت حضوراً كبيراً، ناقشت «القصور» الذى يلازم صورة العالم العربى فى الإعلام الأمريكى، حيث أشار المتحدثون إلى بعض مخرجات التقرير التى تفيد أن 65% من الأمريكيين لا يعلمون الكثير عن العالم العربى، كما أن 81% منهم غير قادر على تحديد موقع العالم العربى على خريطة العالم.

ورغم ما ذكره «ناثان تك» من أن العلاقات العربية- الأمريكية بدأت منذ فترة طويلة وشهدت تطوراً كبيراً على مر السنين، وأن أول دولة اعترفت بالولايات المتحدة كانت المملكة المغربية، وأن معظم دول العالم العربى ترتبط بعلاقات وثيقة بالولايات المتحدة سياسياً واقتصادياً وأمنياً، فإنه ألمح إلى أن ذلك الزخم التاريخى لا يبدو واضحاً فى نتائج الاستطلاع.

وبسؤاله عن كيفية الانتفاع من التطورات الإيجابية التى تشهدها العديد من بلدان العالم العربى مثل برنامج الفضاء الإماراتى، وحزمة الإجراءات التنموية التى تنفذها الحكومة السعودية، فى تصويب الصورة العربية فى الغرب، أجاب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية للشرق الأوسط والخليج العربى بأنه من الممكن الاستفادة من هذه التطورات بما تحمله من دلالات إيجابية كمادة ثرية لنشر الصورة الحقيقية للعالم العربى، كما نوه إلى ضرورة تطوير استراتيجية قصيرة وأخرى طويلة المدى لتعزيز عملية التبادل الثقافى بين الطرفين وزيادة التعريف بما يجرى فى المنطقة من متغيرات إيجابية ضمن العديد من المجالات.

من جانبى، ليس لدىّ اعتراض أو تشكيك فى نتائج الاستطلاع الذى استند إليه التقرير، وإن كانت المعلومات المتوافرة تفيد أنه أُجرى على عينة من ألفى شخص، عبر الإنترنت، وهو أمر يقلل من موثوقية النتائج. إن كثيراً من الإفادات التى نقلها التقرير تبدو متفائلة إذا تم قياسها بالوضع الراهن على الأرض فى العالم العربى.

من أبرز النتائج التى أوردها التقرير أن 76% من المستطلعة آراؤهم لا يرغبون فى السفر إلى إحدى دول العالم العربى، وهى نتيجة مرتبطة بأن نحو 22% من هؤلاء يعتبرون أن المحتوى الذى يقدم بخصوص العالم العربى فى وسائل الإعلام الأمريكية «كئيب وسلبى».

يهمنى جداً أن أتوقف عند هذه النتيجة بالذات، وهى النتيجة المتعلقة بمحتوى «كئيب وسلبى» يتم تقديمه عبر وسائل الإعلام الأمريكية بخصوص العالم العربى، وبالتالى فإنها تدفع غالبية كبيرة من الجمهور لعدم اتخاذ قرار بالسفر إلى الدول العربية، وهو ما يعنى بوضوح «تضرر الصورة الذهنية بما ينعكس على المصالح السياسية والاقتصادية والثقافية». حاول أن تجيب عن تلك الأسئلة:

لماذا يتسم المحتوى المتعلق بالعالم العربى فى الإعلام الأمريكى بالسلبية والكآبة؟

هل يحدث هذا لأن شركات العلاقات العامة التى تدفع لها الدول العربية أموالاً لتحسين صورتها لا تقوم بواجبها على النحو الأمثل؟

هل يحدث هذا لأن الإعلام الأمريكى خاضع لسيطرة اللوبى الصهيونى، الذى يشوه صورة العرب؟ هل يحدث هذا لأن الإعلام الأمريكى غير مهنى ومنحاز؟ أم أن ذلك يحدث، على الأرجح، لأن الأوضاع على الأرض كئيبة وسلبية، وأن الصورة ليست سوى انعكاس لتلك الأوضاع؟

أنا شخصياً، سأختار الإجابة الأخيرة، من دون أن أنفى تماماً أثر العوامل السابق ذكرها، وإن كان هذا الأثر هامشياً وغير جوهرى.

الأوضاع على الأرض كئيبة، أو هذا ما يمكن استخلاصه، على الأقل، من كلمة أمين عام الجامعة العربية السفير أحمد أبوالغيط، الذى عدّد ما يمكن اعتباره «ملامح التراجع» فى أداء الدول العربية من جانب، وفى محصلة طاقاتها ومجموع إراداتها الذى ينعكس فى قوة الجامعة العربية وهيبتها، من جانب آخر. تتحسن الصورة حينما يتحسن الأداء على الأرض، وتتراجع الصورة حينما يتراجع الأداء على الأرض، وثمة عوامل يمكن أن تعزز أحد الاتجاهين، لكن أثرها ليس حاسماً، ولا يمكن ضمان استدامته.

وببساطة، فإن أفضل طريقة لتحسين الصورة الذهنية لشخص أو كيان أو مؤسسة تتلخص فى أن يتحسن أداء هذا الشخص أو الكيان على الأرض، والعكس صحيح.

إن تلك القاعدة تبدو صالحة للتطبيق فى كل زمان ومكان خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالمدى الطويل والنظرة الاستراتيجية، ومع ذلك، فيمكن القول إن ثمة عوامل، يدركها ويتقنها المحترفون، بإمكانها أن تتلاعب فى الصورة، وهى العوامل المتصلة بالانحيازات فى العرض، وامتلاك أدوات التسويق، واستخدام شركات العلاقات العامة، وأداء وسائل الإعلام غير المهنية والمنحازة، وغيرها.

ستتمكن تلك العوامل من لعب أدوار مؤثرة فى طبيعة الصورة الذهنية، لكنها لا يمكن أن تخلق انطباعاً من العدم، ولا يمكن أن تحقق أثراً مستداماً إذا كان ما تدعو إليه وتروجه عكس الحقائق والوقائع الملموسة.

الصورة الذهنية للعالم العربى فى الإعلام الأمريكى والغربى عموماً سلبية وكئيبة، ولا تشجع الناس على زيارة دولنا لأن أوضاعنا سلبية وكئيبة بالفعل.

سيفسر لنا هذا بعض النتائج التى توضح أن دولة الإمارات العربية المتحدة تحظى بالمكانة الأولى عند السؤال عن أفضل وجهات السفر للغربيين فى العالم العربى، وهى النتيجة ذاتها التى ظهرت فى استفتاءات الشبان العرب عندما سُئلوا، فى معظم الدول العربية، عن الدولة التى يحبون السفر إليها والعيش بها.