فرنسا بين الاستقرار والانفجار

حازم منير

حازم منير

كاتب صحفي

إلى أين تتجه فرنسا غداً؟ هل ستصوت لصالح أفكار التعامل بروية مع موجة العنف؟ أم سيدفعون بتيار الصدام إلى قصر الإليزيه؟ وهل سينحاز الفرنسيون لصالح التكتلات الاقتصادية الكونية أم سينحازون لصالح تيار الثورة على العولمة؟

الشاهد أن فرنسا تواجه لحظة تاريخية بالغة الصعوبة، الإرهابيون عبر سلسلة من التفجيرات يضعون باريس عاصمة النور فى مواجهة واختيار بين الانحياز لتاريخ طويل من التسامح والاعتراف بالآخر وبين نفض الماضى والتحول عنه إلى الصدام مع الآخر وإنكاره.

الإرهاب تعمد التركيز على فرنسا وشن عمليات إرهابية متواكبة مع الانتخابات الرئاسية بهدف الدخول كعنصر مهم فى الانتخابات، وهم يعلمون أن التغير فى موقف باريس سيترتب عليه متغيرات فى أوروبا تدفع بأفكار التطرف والصدام لمزيد من الانتشار بين الأوروبيين، كما أنه سيضخ فى عروق هذه الجماعات المزيد من الأنصار خصوصاً الفقراء المسلمين المنتشرين فى الغرب.

الحاصل أن مارين لوبان قائدة اليمين «المتطرف» التى تتهم منافسها بفقدان الرؤية فى التعامل مع جماعة الإخوان الإرهابية وداعش وغيرهما من الجماعات، ستقود سياسات جديدة تضع فرنسا فى مسار مختلف وستتداعى نتائجه إلى الشرق الأوسط وخصوصاً مع مصر فى مواجهة الإرهاب بكل جماعاته.

وفى المقابل فإن «ماكرون» قائد اليمين «المعتدل» سيحافظ على مسار السياسة التقليدية، حتى لا يجر فرنسا إلى شلال من الدم فى مواجهة العنف والإرهاب كما يتهم منافسته، وهو لن يثير أى متغيرات مهمة فى سياسة بلاده تجاه قضايا العرب بشكل عام.

المسألة أن حدة المنافسة لا تقف عن حدود الموقف من الإرهاب والإرهابيين، وإنما تمتد للاختيار بين دور فرنسى متميز فى الاقتصاد العالمى وبين الاتجاه للعب دور رسمى فى مواجهة العولمة.

نجاح لوبان «المتطرفة» سيمثل نوعاً من الانقلاب الدولى، حيث تتهم منافسها بقيادة فرنسا لمزيد من الانخراط فى العولمة، واستنزاف الثروات الوطنية لصالح الاحتكارات العالمية، وسبب الاتهام أن ماكرون «المعتدل» هو مدير لإحدى الإدارات بمؤسسة «روتشيلد» التى تمثل جزءاً من القوة الداعمة للعولمة، الأمر الذى يطرح تساؤلات عن دعم هذه القوى للمرشح بهدف تحقيق المزيد من المصالح.

اللافت أن الانتخابات فى جولتها الأولى أطاحت بالأحزاب الرئيسية مثل «الاشتراكيين والجمهوريين»، ودفعت بالمرشح المستقل ماكرون ومارين وهى قائدة جبهة وتيار شعبى لاختيار مستقبل فرنسا من بين أحدهما، وذلك فى إشارة إلى فقدان الثقة فى النخبة الحزبية، وهى ظاهرة لافتة، خصوصاً أن الناخب الأمريكى قبل أشهر سار على نفس النهج باختيار ترامب المستقل على قائمة الجمهوريين رئيساً للبلاد.

إذاً الناخب الفرنسى سيكون أمام خيارين غداً، إما مواصلة مسيرة الدولة الفرنسية التقليدية، أو الانتفاض على الماضى بالتصويت لصالح أفكار وخطط مناهضة العولمة والمواجهة الصارمة التى يصفها البعض بـ«العنصرية» ضد المهاجرين وضد الإرهابيين فى آن.

المؤكد أن فرنسا تشهد فى هذه الانتخابات متغيرات عميقة، وبعيداً عن قرار الناخب الفرنسى فإن مجرد وصول الجبهة الوطنية «المتطرفة» لجولة إعادة الانتخابات الرئاسية واحتمالات حصولها على 40% من أصوات الناخبين، يفتح الباب لتساؤلات مهمة عن المستقبل.