مصر تحتاج لأفكار خارج الصندوق وليس لصندوق خارج مصر!

داليا يوسف

داليا يوسف

كاتب صحفي

انطلقت نبرة استنكارية فى الإعلام هذه الأيام تتناول قيمة الجنسية المصرية، وكأن هذا البلد العريق، أقدم بلاد العالم وأثقلها تاريخاً، لا يعى بعض مواطنيه ومنهم من أعطتهم مصر فرصة للتأثير فى الرأى العام قيمتها الحقيقية.. بكل ما لها مصر وما عليها... بكل حلوها ومُرها... بكل مزاياها وعيوبها... فهى مصر أم الحضارة والتاريخ... أفتخر أنى مصرية ولا أشارك جنسيتى مع أحد كان إنساً أو جناً!! وإذا بى أسمع من يجيب علىّ من المدافعين عن هذا القانون ومقدميه: «طيب شوفى بقى هتجيبى إيراد منين يا أم الوطنية علشان تصرفى على مصريتك، ثم إن أقوى بلاد العالم جنسيتها للبيع!».. لهم أقول الكلام أخذ وعطاء ولكن بالعقل نحتكم: الدول التى تعرض جواز سفرها للبيع دول إما تحتاج: - زيادة سكنية لأن التعداد السكانى بها فى الناقص وليس الزايد مثل ألمانيا وسويسرا والدول الإسكندناڤية المهددة بانخفاض عدد سكانها. - عمالة متخصصة مثل ما يطلب فى كندا وأمريكا. - فرصة استثمارية نتيجة التهافت على الدولة وتكون بملايين الدولارات أو اليوروهات وتوفير فرص عمل محلية لتتأكد فائدة الدولة فى مقابل منح الجنسية. السؤال هنا: - هل مصر تحتاج لزيادة سكانية ونحن نشكوا من زيادة تعداد ٥٠٠٠ فى اليوم؟!! - هل مصر تحتاج لاستيراد تخصصات؟ أم نحتاج لتوظيف وتدريب الثروة البشرية التى أنعم المولى علينا بها مثل الصين والهند؟ - وهل الفرصة الاستثمارية الذهبية التى أشارات إليها وتعتقدها الحكومة مقدمة هذا القانون، الثقيل جداً على كل مصرى وطنى منتم وفخور بمصريته العريقة، هى الفرصة التى ستنقذ الاقتصاد المصرى؟!!! كيف حسبتها الحكومة؟ على الـ٥ ملايين لاجئ فى مصر؟؟ وبكام؟؟ وهل الـ٥ ملايين قادرون على دفع هذا المبلغ أياً كان؟ ثم ماذا؟ هل هذا هو المبلغ المخلص من الهوان؟؟ طيب وماذا نفعل بمن لا يقدر أو يستطيع الدفع أو السداد؟ هل نمحو ذاك الكرم والأخلاق المصرية ونطردهم خارج البلاد؟؟؟ - التحليل الدقيق لهذا المشروع لا يخفى أننا نعيش فى منطقة ملتهبة وبلدان تحتاج إلى إعادة بناء بالكامل ولذا يبحث شعوبها عن بلد هادئ يمكن الحياة به وبالأخص بعد ما صعبت عليهم الهجرة إلى الغرب نتيجة إجراءاتها الأمنية المتعسفة، ومنها طبعاً أهل غزة على حدود سيناء المصرية. - ثم إن الدول الغربية التى تقارنا بها الحكومة التى تبيع جنسيتها الآن يا سيدى القارئ تراجع تشريعاتها هذه نتيجة لاكتشافها مشاكل عدم اندماج الثقافات داخلها التى أدت إلى إحساس المتجنس بعدم الولاء ومن ثم اللجوء إلى العنف والتطرّف.. وقد نتج عنها مجتمعات متجنسة ولكن غير متجانسة ومتآلفة وفاقدة طبعاً للأمن والأمان.. والأهم من كل هذا يا سيدى المواطن المصرى.. فاقدة للهوية.. الهوية التى رفضنا وبشدة تغييرها تحت حكم الإخوان غير المسلمين وغير المصريين حتى لا نقع فى الهاوية. - وأسأل سؤالاً آخر للحكومة ورئيسها الذى يدافع عن مشروع هذا القانون.. لماذا لا تفكروا فى استجلاب إيرادات من خلال منح الإقامة فى مصر لأصحاب المصالح والمستثمرين القادرين؟ ولو ١٠٫٠٠٠ دولار فى السنة سوف يجلب إيراداً مستمراً للدولة وأكثر من البيع لمرة واحدة. - يقول المدافعون عن هذا القانون إن المتجنس لن يُمكن من وظيفة رئيس جمهورية ولا رئيس وزراء ولا وزير ولا سفير ولا محافظ.. إذن لماذا يشترى الجنسية إذا لم يُمكن من حقوق المواطن سياسياً؟ إذا كان الموضوع هو بيت وأرض وبيزنس إذاً المربح لهم ولنا هى الإقامة بثمن مثل أى دولة أخرى تحتفظ بأصل جنسيتها، ولماذا يكون مصرى من أصل أفغانى ممثلاً فى البرلمان؟؟ أو مصرى من أصل يمنى ممثلاً فى المجالس المحلية؟؟؟ دستورياً لن تستطيع منعه. - ماذا عن العبء المضاف على أجهزة الأمن المصرى؟ عليهم مسئولية التأكد من أن طالب الجنسية يصلح أمنياً للانضمام لمجتمعنا. وأعتقد أن الأحداث الدولية أكدت أنه لا يوجد تعاون دولى يسمح لنا بتغطية هذه الثغرة التى سينفذ منها أناس يهددون سلم المجتمع، الحقيقة أن الحكومات المتتالية منذ عقود لم تعتن بوضع رؤية واضحة لجذب الاستثمارات المباشرة لكل ما تملكه مصر وكل ما أنعم ربنا عليها وعلينا به من موارد طبيعية وبشرية، ولو كان أحد قد فعل لكنا أغنى دولة فى العالم.. نعلم جميعاً أنها لن تكون وليدة يوم أو سنة أو اثنتين ولكن بداية الرؤية دون استسهال من الحكومة وصبر وعمل من الشعب تضع مصر على المسار الصحيح للاستفادة من مواردها التاريخية والجغرافية والمائية والزراعية والصناعية والبشرية والسياحية والدينية والشاطئية و... و.... ما أكثر نعم الله على هذا البلد العظيم. الشاهد.. أننا لا نحتاج أبداً لبيع جنسيتنا التى نفخر بها أمام أجيال مصر وأمام الأمم مهما كانت مشاكل بلدنا.. نحن شعب عريق ولا نحتاج أبداً لاستيراد زيادة بشرية ولا «لمصرى من أصل عراقى» ولا «لمصرى من أصل باكستانى» وإلى آخر قائمة طويلة من الدول المنهارة، مع كل احترامى وتقديرى لهذه الدول وإدراكى كمصرية أصيلة لدورى تجاه الإنسانية والعروبة ودورى ودور بلادى فى إعادة بناء دول الجوار والصديقة. وأخيراً واجب علىَّ أن أذكر نفسى والقارئ العزيز أننا يجب ألا ننسى أن دولاً أخرى نهجت منهج بيع جنسيتها واتخذت هذا الطريق الآن تراجع قوانينها نتيجة تجربة لم تنجح اجتماعياً وأمنياً وسياسياً، وكم من دول فتحت هذا الباب ووجدت مناطق داخلها تمثل مجتمعات مختلفة عنها من أناس هاجروا إليها يحملون جنسياتهم داخلهم وعاداتهم ومعتقداتهم وخلقوا مجتمعات داخل الدول يشغلون مساحات بها ولا ينتمون إليها.. ودول أخرى فوجئت بتدفقات من أناس يغسلون أموالهم ويحققون بالجنسية الجديدة ما لم يكن ليحققوه دونها، ولكن تدفع هذه الدول من سمعتها ما أرى أن مصر لا تفرط فيه بأى ثمن. ولا تقول لى «طيب تعالوا بقى انتوا ديروها وورونا» علشان دى مش شغلتنا دى شغلتكم أنتم... وأتفق جداً مع سيادة الرئيس فيما قال إن مصر تحتاج لأفكار تنموية وإدارية خارج الصندوق ولكن لم نتفق أبداً يا دكتور شريف إسماعيل أن الصندوق يكون خارج مصر!