البابا فرنسيس فى المشيخة

حازم منير

حازم منير

كاتب صحفي

زيارة إلى القاهرة يقوم بها البابا فرنسيس وصفها بأنها زيارة سلام، وجّه لها شيخ الأزهر الطيب رداً إيجابياً قبلها بأيام بأن المواطنة هى الأساس للتعايش بين الناس.

حضور بابا الفاتيكان للقاهرة هذه المرة يختلف كثيراً عن ما سبقها من زيارات لآباء الفاتيكان وآخرها قبل ستة عشر عاماً، وتمسّك البابا فرنسيس بموعد الزيارة يعكس تضامنه مع المسلمين فى مواجهة الإرهاب.

فى اعتقادى أن دولة الفاتيكان بهذه الزيارة أعلنت نفسها جزءاً من الحرب على الإرهاب، فالبابا فرنسيس فى القاهرة بعد تفجيرَى الإسكندرية وطنطا تأكيداً على رفضه الاستجابة للرسائل غير المباشرة الموجهة من الإرهابيين والتى كانت تسعى لإجهاض هذه الزيارة بأى وسيلة.

فضيلة شيخ الأزهر أحمد الطيب سجل هدفاً عالمياً يؤكد أن مشيخة الأزهر تتحرك للأمام وأنه رغم كل التحفظات على بعض الجوانب إلا أن قائد المؤسسة مُنحاز للتطوير والتغيير ومواجهة الأفكار المتشددة باستخدام كل الأدوات والظروف التى تسمح له بذلك.

إعلان الأزهر انحياز الإسلام لمبدأ المواطنة فى التعايش بين الناس يعنى إسقاط المئات وربما الآلاف من المقولات التقليدية والرجعية والمتشددة التى سادت لسنوات طويلة فى أدبيات المؤسسة وخطاب بعض رموزها وقادتها عبر العصور.

تطوير مؤسسة الأزهر -وليس المشيخة- عملية شاقة وبالغة الصعوبة، ومن يتعامل معها باستهتار أو استهانة معتقداً أنها مجرد قرارات إزالة من المناهج أو استبعاد أشخاص من المناصب هو واهم ولا يفهم جيداً مغزى تلك المواجهة وعمق جذورها الضارب فى التاريخ.

التاريخ المصرى ينحاز إلى مشيخة ومؤسسة الأزهر فى الدور الوطنى الذى قامت به فى أغلب عصورها فى مواجهة الاستبداد والاحتلال على حد سواء، وإن كان ذلك لا يمنع من وجود انتماءات فكرية وانحيازات اجتماعية سلبية فى بعض الأحيان، فالمؤسسة كما غيرها بها الصالح والطالح والسلبى والإيجابى والوسطى والمتشدد.

من هنا يمثل تصريح فضيلة الشيخ الطيب انحياز العقيدة الإسلامية والفكر الإسلامى لمبدأ المواطنة بين الناس كأساس للتعايش نقطة مهمة فى مواجهة الأفكار المتشددة والرجعية داخل المؤسسة، إذ يستبعد هذا المفهوم أى أسباب دينية أو غيرها للتفرقة بين المواطنين، والمهم هنا الأسباب الدينية.

تطوير الأزهر يحتاج لما هو أهم وأعمق من الصراخ والاتهامات، يحتاج لرؤية متكاملة تزول منها عناصر المواجهة وتتسيد فيها عمليات البحث عن مساحات الاتفاق، رؤية تقوم على الانطلاق بالمؤسسة للمستقبل وليس إعمال معاول الهدم فى جوانبها.

الأخطر فى الدائر الآن أن استمرار الهدم فى المؤسسة والمشيخة لا يخدم الدعوة لتطوير الأزهر قدر ما يزيد من عناصر التطرف والتشدد، وبدلاً من محاصرة أفكار التشدد والمتشددين سنزيد من أعدادهم داخل الأزهر وخارجه.

علينا التقاط الخيوط الإيجابية والدفع بها، وفى مقدمها التزام مبدأ المواطنة كأساس لمناهج التعليم فى مختلف المستويات التعليمية وفق رؤية يقوم على صياغتها فريق عمل مشترك.